لن تنتهي أبدا المعارك ما بين المتشددين (المحافظين) والإصلاحيين (التقدميين) في أية بقعة من الأرض، إذ يظل المحافظون على طول الخط يريدون التمسك بما حفظوه وحافظوا عليه، ولأن المحافظة على ما هو موجود أكثر سهولة من الابتداع والتفكير الحر وتقبل النتائج المستجدة على الساحة جراء هذا التغيير، فإنهم دائما ينافحون عن كراسيهم ومواقعهم ومكتسباتهم، وفي المقابل، فإن التقدميين، وليس المقصود بهم هنا الليبراليين فقط، إنما يكافحون على أكثر من جبهة ليحوزوا موطئ قدم هنا، وكرسيا في مجلس هناك، وهذا ما يجعلهم في حركة أنشط وأكثر حماسا من تلك التي يكون عليها المحافظون الذين يتمتعون بحصانة الامتداد التاريخي.

المتكرر المزعج في الأمر، أن الإصلاحي الذي يعمل على «المناطحة» دوما، ويتعرض للقمع والترهيب، ومع امتداد الزمن به من دون تقدم يحسب ويستشهد به، يقع فريسة لليأس، وربما للانقلاب من داخله على نفسه، فتراه يسعى إلى تقويض منظومته الإصلاحية طمعا في منظومة أكثر راديكالية في الإصلاح حتى يتمكن من مقارعة الراديكالي المحافظ المتمترس في موقعه، فيتخلى عن موقعه الوسطي المتسامح والمتفهم، إلى التطرف في الصراع، فيمارس من غير أن ينتبه الأمر ذاته الذي يمارسه المحافظ والذي كان يحذر منه في وقت ما، ويقع في الإقصاء والتخوين وربما العنف محاولا حرق المراحل للوصول إلى ما يريد تحقيقه، ولو على حساب الكثير من المبادئ والمرتكزات التي كان يروج لها، ويبدأ بعد ذلك سلسلة من التبريرات التي يحاول بها ردم الهوة ما بين التنظير والتطبيق.

إن الرهان على الوسطيين في غابة من حراب الواقفين على الأطراف (المتطرفين) سيكون رهانا خاسرا لأن أصواتهم دائما الأقل حظوة وتأثيرا، والأضعف قدرة على جمع المتحمسين الذين يودون أن يحاربوا خصما / عدوا واحدا لا غير