في كل عام تحتفل البحرين بذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) وتتحرك الحياة الاجتماعية نحو إحياء الذكرى بصورة مؤثرة وكأن الفاجعة حصلت توّا. فالحسين (ع) كان غريب زمانه ومكانه، ولكنه صديق لكل زمن ومكان آخر على مر العصور ومنذ استشهاده في كربلاء في العاشر من المحرم العام 61 للهجرة (680م). ظل الاحتفال بذكرى عاشوراء سريا طوال ثلاثة قرون بعدها ولم تظهر الى العلن إلا في عهد البويهيين الذين سيطروا على الدولة العباسية في منتصف القرن العاشر الميلادي. ومنذ ذلك الحين اخذت اشكالا مختلفة في احيائها بين ممارسات تمت تزكيتها مباشرة من قبل أئمة أهل البيت (ع) وبين ممارسات نمت لاحقا وعبر مر القرون.
وسواء كان اليوم هو الأول من عاشوراء أو أن اليوم الأول هو غدا فإن احتفالات البحرين ستبدأ مساء السبت. والسبب في ذلك هو أن أهل البحرين يتبعون التقليد العربي في اعتبار بداية اليوم التالي من غروب الشمس ولذلك فإن «مساء السبت» هو «ليلة الأحد»، لأن التوقيت العربي كان يبدأ ساعة «الصفر» مع غروب الشمس كما هو حال «غرينتش» الذي يبدأ فيه اليوم التالي بعد الساعة الثانية عشرة ليلا. ولذلك فإن يوم الأحد (بالتوقيت العربي القديم) يبدأ مساء اليوم (قرابة السادسة مساء بحسب توقيت غرينتش هذه الايام)...
استشهد الإمام الحسين العام 680م، ومات قاتله (يزيد بن معاوية) بعده بأربع سنوات، ومات الذين قتلوه من دون أن يحصلوا حتى على أرباحهم المادية. وبعد ذلك بستين عاما انهارت الدولة الأموية بعد أن ازداد وعي المسلمين بما جرى في يوم عاشوراء، وقامت الدولة العباسية تحت شعار «الرضا من أهل البيت» وحصل بنو العباس على تأييد المسلمين بعد أن تحدثوا عن الثأر لما جرى لأهل بيت الرسول (ص) في عاشوراء.
الحسين كان غريب زمانه لأنه كان يعيش بخير، وكان بإمكانه الحصول على الرفاهية والمتعة الدنيوية والنفوذ شريطة الخضوع لوضع ظالم والإسهام في تعزيز حال الظلم وبالتالي خيانة مبادئ الاسلام الداعية للعدالة... خرج الى الكوفة لملاقاة أنصاره الذين كتبوا اليه يستعجلونه لإعلان دولة العدالة الإسلامية، ولكنه وقبل الوصول علم بخيانة أهل الكوفة آنذاك له وقتلهم سفيره مسلم بن عقيل... وكانت المواجهة في المنطقة التي تسمى «كربلاء» اليوم... والخيار كان أمامه مرة أخرى بين المساومة على المبدأ أو الموت عطشا مع صفوة أصحابه واخوته وأولاده وسبي أهل بيته ومعاملتهم كأسرى حرب، فاختار أصعب الخيارات وواجه جيشا يفوقه على الأقل بستين مرة في العدد.
كان غريبا عن زمانه الذي تعود على قبول الذل والظلم رغبة في حياة رغيدة... ولذلك كان استشهاده الهزة الأخلاقية الكبرى في تاريخ الاسلام التي حركت ضمائر المسلمين وأعادت صحوتها، وشق الطريق أمام محبي الحرية للنضال من أجل «إنسانية الإنسان» والابتعاد عن «حيوانية الإنسان» التي تحوله الى عبد خاضع للمادة يعيش حياة زائفة. فالحسين رد على مقولة قيلت له قبيل استشهاده «أين تذهب فإنك مقتول» بأبيات شعر لخصت شخصيته:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى
إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه
وفارق مأثوما وودع مجرما
فإن عشتُ لم أندم وان مُتُّ لم أُلَمْ
كفى بك ذلا أن تعيش وتُرغما
أكثر من ثلاثة عشر قرنا مضت على استشهاد أبي عبدالله الحسين (ع) واسمه يتردد ويعلو، وتعلو مع الترديد مبادئ الحرية والعزة والكرامة الانسانية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 533 - الجمعة 20 فبراير 2004م الموافق 28 ذي الحجة 1424هـ