العدد 532 - الخميس 19 فبراير 2004م الموافق 27 ذي الحجة 1424هـ

تقرير سري: «إسرائيل» كانت بصدد استخدام 13 قنبلة ذرية العام 1973

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

من يحاول الكتابة عن البرنامج النووي الإسرائيلي فإنه لا يستطيع تجنب ذكر ثلاثة أسماء: السياسي شيمون والجاسوس رافي والعالم موردخاي. حصل الأول في العام 1994 على جائزة نوبل للسلام وأمضى أكثر من خمسين عاما يلعب على حبال السياسة الإسرائيلية داخليا وخارجيا. وحصل الثاني على منصب عال في جهاز الموساد لكنه أقصي عن منصبه في الثمانينات نتيجة فشل في عدد من المهمات. أما الثالث فإنه يجلس منذ 17 عاما في سجن عسقلان بعد إدانته بخيانة الدولة. وقد لعب شيمون بيريز(80 عاما) ورافي إيتان(77 عاما) وموردخاي فانونو(49 عاما) دورا مهما في تاريخ الدولة العبرية على رغم أنهم لا يذكرون كلمة واحدة عن دورهم في حصول «إسرائيل» على القنبلة الذرية فالحديث محظور في «إسرائيل» عن أسلحة الدمار الشامل وهذا الحظر يسري على السياسيين والعسكريين والصحافيين.

كان بيريز في الحادية عشرة من عمره حين جاء مع أسرته إلى فلسطين قادما من روسيا البيضاء وانضم لاحقا إلى عصابة الهاغاناه وبعد قيام الدولة العبرية على أرض فلسطين حصل في العام 1953 على منصب المدير العام بوزارة الدفاع وكان الرجل الثاني في «إسرائيل» المعني بقضايا الأمن ويعمل تحت إمرة ديفيد بن غوريون.

سعت «إسرائيل» منذ بداية تأسيسها إلى العناية بأمنها وكانت حجة بن غوريون أنه يخشى أن يتعرض اليهود إلى هولوكوست ثان وكان يقول للغرب إن العرب الذين يحيطون بـ «إسرائيل» يريدون رمينا في البحر. متمسكا بهذه الحجة راح بن غوريون يبحث عن سلاح يحمي «إسرائيل» ويضمن تفوقها على العرب وكان هدفه منذ البداية امتلاك القنبلة الذرية. رأى بن غوريون أن ما نجح فيه ثلاثة من اليهود: آينشتاين وأوبنهايمر وتيلر في تحقيق التكنولوجيا العالية في الولايات المتحدة، فإنه بوسع العلماء اليهود القيام بعمل مماثل لخير الدولة العبرية. هذه العبارة وردت في رسالة بعثها بن غوريون في العام 1956 إلى أحد أصدقائه. كلف بن غوريون بيريز أن يعمل كل ما من شأنه تحقيق حلمه بامتلاك «إسرائيل» أسلحة نووية ووضع هذا الأمر بين أولويات متطلبات الدولة العبرية. ولم يفكر بن غوريون مرة واحدة بمصير الفلسطينيين الذين كان يسميهم (شعب بلا وطن). راح بيريز يعمل بسرية مطلقة وكان يحرص على عدم ذكر اسمه في أي اجتماع مع أي مسئول للحديث عن حلم بن غوريون وكل ما هو معروف أن العملية كانت تحمل اسم عملية شمشوم. كان بيريز يعرف أنه من المستحيل أن تقوم واحدة من الدول النووية في ذلك الوقت بتقديم خبرتها للدولة العبرية. ليس بريطانيا وليس الاتحاد السوفياتي وليس الولايات المتحدة التي أبدت استعدادها فقط لتزويد «إسرائيل» بمفاعل صغير لإنتاج الطاقة وحذرت «إسرائيل» من طموحاتها النووية.

استغل بيريز الفرصة المناسبة وعقد صلات مع الحكومة الفرنسية التي كانت منهمكة بتطوير برنامجها النووي ولأسباب استراتيجية لم تمانع بتزويد «إسرائيل» بهذه التقنية مقابل الحصول منها على معلومات سرية عن مصر بالذات. في ذلك الوقت كانت لفرنسا و«إسرائيل» مصلحة مشتركة في محاربة الطموحات الكبيرة للدول العربية. في معركة تم وضع خطتها من قبل بريطانيا وفرنسا و«إسرائيل» قامت هذه الأطراف بالعدوان الثلاثي على قناة السويس وشبه جزيرة سيناء. وفي العام 1957 وقَّع رئيس الوزراء الفرنسي غي موليت اتفاقا سريا مع بيريز يقضي بأن تساعد فرنسا الدولة العبرية بالخبرة النووية وبناء مفاعل كبير في صحراء النقب للبدء بإنتاج البلاتونيوم المادة الرئيسية التي تستخدم في صنع القنبلة الذرية. وحين سعت هيئة الطاقة الإسرائيلية الرسمية لأول مرة إلى النظر بخطط بناء مفاعل ديمونة حصل نقاش حاد قام ستة علماء من أصل سبعة بالاستقالة من مناصبهم فقد كان واضحا بالنسبة إليهم أن «إسرائيل» تلعب بالنار من خلال سعيها لتصبح قوة نووية وأنها تعرِّض نفسها للدمار. لكن العلماء الذين رفضوا مواصلة العمل أُجبروا على التوقيع على تعهد بعدم ذكر كلمة واحدة عما يجري في ديمونة تحت طائلة العقاب. وكانت «إسرائيل» تتمسك بالسر كي لا يعلم العالم بما تعد له وكان يشاع أن المكان الذي يبعد 30 كلم جنوب شرق بيرشيبه عبارة عن مصنع للنسيج بينما في الواقع كان أخطر مفاعل نووي في الشرق الأوسط. بينما أغدق بن غوريون بعبارات الإشادة على بيريز فإن الأخير كان حريصا على أن لا يحمل في المستقبل لقب أب القنبلة الذرية الإسرائيلية. على مدى سنوات طويلة عقد بيريز اتصالات مع سياسيين وعسكريين وعلماء لهدف الحصول على مساعدتهم لتحقيق الحلم النووي الإسرائيلي ولم يكن وحيدا، فهناك أيضا رافي إيتان. رجل المخابرات الإسرائيلي الذي كان يجيد الكذب والتحايل ولا يتورع عن استخدام لغة التهديد فخلال حرب الهاغاناه ضد جيش الانتداب البريطاني كان يزوِّر جوازات سفر كما كان يقاتل بضراوة وكان يقول معتزا بجرائمه إنه كان يقوم بخنق المقاتلين العرب بيديه. حتى بعض المقربين منه كانوا ينادونه إيتان القذر.

هذا القذر أصبح أهم مسئول في جهاز الموساد وشارك في العام 1960 بعملية اختطاف النازي أدولف آيشمان من الأرجنتين وكان كبير جواسيس «إسرائيل» وكانت آخر عبارة قالها آيشمان قبل إعدامه موجهة إلى إيتان القذر: آمل أن تتبعني في القريب. بعد ثلاثة أعوام شارك إيتان في عملية اختطاف جديدة لكن هذه المرة لم يجر خطف أشخاص وإنما مواد تستخدم في صنع القنبلة الذرية. وقد شكل الموساد وحدة خاصة للحصول على بضاعة ساخنة من خلال العثور على ثغرات في نظام المراقبة الدولية وراهنت «إسرائيل» قبل كل شيء على تعاون المتعاطفين معها. في مناسبتين زار رافي ورفاقه موقعين حساسين الأول شركة أميركية في أبولو بولاية بنسلفانيا يملكها عالم يهودي يدعى سلمان شابيرو وهو ابن حاخام فقد بعض أفراد أسرته في الهولوكوست وكان متعاطفا قويا مع الصهيونية شديد الإعجاب بـ «إسرائيل». لم يتردد في قيام شركته بنقل مواد حساسة جدا إلى إسرائيل وشاءت الصدف أن الحكومة الأميركية كانت قد أودعت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب في عهدة هذه الشركة إذ نجح فريق الموساد في نقل هذه البضاعة إلى «إسرائيل» لكن شابيرو لم يعلن عن اختفاء كميات اليورانيوم واكتشفت السلطات الأميركية بعد زمن اختفاء أكثر من مائة كلغ من اليورانيوم ولم يستطع شابيرو تقديم سبب كما أن الاتهامات لم تكن قوية كفاية لإحالته إلى المحكمة. في تقرير وضعته لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الأميركي لم يشر بكلمة واحدة إلى أن كميات اليورانيوم وجدت طريقها بصورة غير مشروعة إلى «إسرائيل». الحملة الثانية التي قام بها إيتان استخدامه أوراقا مزورة لشراء 200 طن من ْفٍَُّىلمن شركة بلجيكية واستخدم الإسرائيليون رجل الأعمال الألماني هربرت شولتسن وشركته المسجلة في مدينة فيسبادن Asmara Chemie اٍقب التي أودعت مبلغ 5,8 ملايين مارك كضمان في حساب سويسري. وفقا للصفقة تم إدراج اسم شركة إيطالية كطرف مشتر لصرف النظر عن نقل البضاعة سرا إلى «إسرائيل». لم يعلم أحد في بروكسل لماذا تهتم شركة تصنع مواد الألوان بالحصول على اليورانيوم ووافقت سلطات المراقبة على الصفقة. لكن البضاعة لم تصل إلى ميناء جنوا فقد كان الجاسوس إيتان قد استأجر سفينة نقل ألمانية(شيرزبيرغ) من شركة بمدينة هامبورغ أبحرت بالبضاعة إلى ميناء أنتفيربن البلجيكي ومن هناك اختفى أثرها إلى أن ظهرت قبالة الساحل لقبرصي إذ كانت سفنا إسرائيلية باستقبالها ونقلت البضاعة إلى ميناء حيفا ومن هناك إلى ديمونة وعلى الفور عين إيتان نائبا لرئيس الموساد. ظهرت السفينة(شيرزبيرغ) في نهاية العام 1968 في جنوب تركيا وقد اختفى أفراد طاقمها ولم يتم العثور على خريطة تكشف طريق الرحلة التي قامت بها انطلاقا من ميناء أنتفيربن. وزعم رجل الأعمال الألماني شولتسن لاحقا أنه قام بعقد الصفقة لحساب زبون مجهول الهوية وأنه يشعر بأن أجهزة مخابرات استغلته. هل كان الموساد وحيدا في تنفيذ الخطة أم ساعدته السي آي إيه والمخابرات الألمانية بي أن دي إذ كانت ألمانيا مهتمة جدا بمساعدة «إسرائيل» كي تصبح أكبر قوة عسكرية في الشرق الأوسط؟.

حين عرف الرئيس الأميركي جون أف كنيدي في نهاية العام 1962 بحقيقة مصنع النسيج في ديمونة، أعرب عن قلقه العميق. في مستهل عهده كان كنيدي متعاطفا مع «إسرائيل» ولم يخف أن يهود نيويورك ساعدوه في الوصول إلى البيت الأبيض لذا علي أن أفعل شيئا لهم. لكن خوف كنيدي من انتشار أسلحة الدمار الشامل كان أكبر من تعاطفه مع «إسرائيل» وطلب من بن غوريون السماح لخبراء أميركيين بتفقد مفاعل ديمونة وانصاع الأخير لكن حين زار فريق التفتيش الأميركي ديمونة بعد إذن مسبق تحايل عليهم الإسرائيليون ولم يعثر الخبراء على شيء مريب وفي العام 1967 جهزت «إسرائيل» أول قنبلة ذرية بمعرفة واشنطن. بعد الهزيمة العسكرية التي منيت بها «إسرائيل» في حرب أكتوبر العام 1973 أمرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير وزير الدفاع موشيه دايان تجهيز 13 قنبلة ذرية نقلت إلى وحدات سلاح الجو الإسرائيلي. وتشير تقارير سرية إلى أن العالم كان على شفير حرب نووية بتاريخ التاسع من أكتوبر العام 1973. وحالت التطورات العسكرية على جبهات القتال دون لجوء «إسرائيل» لاستخدام القنابل الذرية فقد نجحت قواتها في صد القوات المصرية في الدفرسوار وأعيدت القنابل الذرية إلى مخبئها في صحراء النقب. ولا يقلق السياسيين الإسرائيليين اليوم أكثر من حصول دولة عربية معادية لها على أسلحة الدمار الشامل. لهذا السبب دمرت طائرات حربية إسرائيلية مفاعل عسيراك العراقي في فجر السابع من يونيو/حزيران العام 1981 ورمته بآلاف القنابل وحولته إلى رماد. كان الموساد وراء الخطة. اعتادت «إسرائيل» على تهديد العرب بأسلحتها النووية. وحين اجتاحت «إسرائيل» لبنان في العام 1982 قال وزير الدفاع وقتذاك ارييل شارون إنه لن يتوانى لحظة واحدة عن استخدام الأسلحة النووية ضد سورية إذا تعرضت للقوات الإسرائيلية في لبنان أو هاجمت الجولان. على رغم أن «إسرائيل» تفضح نفسها وتكشف تهديدات السياسيين امتلاكها أسلحة الدمار الشامل، فإنها تمارس الكذب على العالم وتنفي امتلاكها أسلحة فتاكة. في العام 1963 هاجر موردخاي فانونو كطفل في التاسعة من المغرب إلى «إسرائيل» وعاشت الأسرة في بيرشيبه. بعد الخدمة العسكرية درس الفيزياء ثم قطع دراسته وكان كسائر اليهود الشرقيين متعاطفا مع اليمين الإسرائيلي. حصل على وظيفة في مركز بحوث مفاعل ديمونة 2 بعد نجاحه في امتحان القبول وهكذا أصبح في أخطر مكان في «إسرائيل» يجري فيه إنتاج البلاتونيوم ويتعين على جميع العاملين هنا التوقيع على تعهد بعدم الحديث عما يجري في هذا المكان. حرب شارون في لبنان العام 1982 وسياسة الاحتلال في المناطق الفلسطينية ساعدت كي يتعاطف فانونو مع المعسكر اليساري الإسرائيلي. في العام 1985 استغنى ديمونة 2 عن خدمات 180 موظفا بينهم فانونو لأسباب اقتصادية. قرر فانونو السفر إلى الخارج حاملا معه كاميرا التقط بواسطتها مجموعة من الصور التي تكشف وجود برنامج نووي إسرائيلي. وصل إلى سيدني إذ اعتنق المسيحية وعمل كسائق تاكسي وبعد أن صار يتحدث عن أسرار ديمونة نصحه صديق بأن يدلي بتصريحاته الخطيرة لصحيفة «صنداي تايمز اللندنية» وفي 5 أكتوبر/تشرين الأول العام 1985 نشرت الصحيفة أنباء تناقلتها وسائل الإعلام العالمية قالت أن «إسرائيل» تملك 200 قنبلة نووية. قررت الحكومة الإسرائيلية تحت قيادة بيريز إزاحة فانونو من الطريق. فتاة شقراء من الموساد تقربت من فانونو ودعته لقضاء إجازة معها في روما وفيها اختفى أثر فانونو. بعد 40 يوما اعترفت «إسرائيل» أنه في قبضتها ويقضي عقوبة الحبس الانفرادي 18 عاما. رجل الموساد السابق إيتان القذر جرب كل شيء بعد تسريحه والمثير أن اسمه ورد في تقرير عن خلفية هجوم 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 بأن الهجوم خطط له الموساد وتحديدا إيتان المحظور دخوله أراضي الولايات المتحدة. تنتهي فترة حبس فانونو بتاريخ 21 أبريل/نيسان المقبل وقد تبناه زوجان أميركيان لكن الحكومة الإسرائيلية تبحث عن وسيلة للإبقاء عليه وراء زنزانته أو الإفراج عنه مقابل ضمان عدم الحديث عن ديمونة وعملية خطفه. وقال فانونو لوالديه الكفيلين: إنني أؤمن بحرية التعبير عن الرأي وهذا جزء من الديمقراطية التي تتباهى بها «إسرائيل» أمام العالم.

العدد 532 - الخميس 19 فبراير 2004م الموافق 27 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً