تشتكي الصحافة اليومية الصادرة في بغداد من تفشي ظاهرة الفساد المالي في أوساط المسئولين العراقيين التي أصبحت حديث الشارع العراقي ليل نهار، الأمر الذي يبعث على القلق الشديد بين عموم الناس من ضياع الثروات العراقية في صفقات تجارية مشبوهة تدور في الخفاء وتدر على أصحابها ملايين الدولارات.
هذه الظاهرة الخطيرة التي بدأت تمس ايضا قادة عسكريين أميركان يقول عنهم العراقيون إنهم متواطئون مع هؤلاء المسئولين في مجلس الحكم والوزارات العراقية، دفعت الحاكم المدني الاميركي لتلافي المزيد من الفضائح التي لا بد أن تؤثر على موقعه باعتباره الرجل المنتدب من قبل الادارة الاميركية لحكم العراق، لاصدار قانون «الحفاظ على النزاهة» بتاريخ 8 فبراير/شباط، يفرض فيه على الوزراء الكشف عن ثرواتهم الشخصية.
ومنذ ذلك الحين توزع نحو 50 مفتشا عاما قالت عنهم سلطة بريمر إنهم يتمتعون بالنزاهة وسلطة القرار في جميع الوزارات للتحقق من المعاملات المشبوهة وتقديم المتورطين بفضائح مالية إلى العدالة.
ولم يسم القانون اعضاء مجلس الحكم الذين هم ذاتهم من عينوا الوزراء الحاليين في هذه المراكز، وان بعضهم هو الآخر تتهمه الصحافة العراقية بتقريب أقاربه وتوزيع الصفقات التجارية عليهم، بينما يقوم هو بحمايتهم وتغطية نشاطاتهم.
وتشير مصادر قريبة من بعض أعضاء مجلس الحكم إلى أن ظاهرة «الهدايا» والرشوة أصبحت موضوعا عاديا، وان الشارع العراقي أخذ يطلق بعض النكات على المسئولين المرشحين في السلطة. ولكن هذه الانتقادات لم تؤثر بهم لحد الآن، بل ولم يقدم اي شخص من اعضاء مجلس الحكم أو الحكومة العراقية إلى المحاسبة من قبل فريق التحقيق الذي شكله بريمر.
وتقول المصادر إن ذلك ربما أريد منه امتصاص النقمة الشعبية وابتلاع انتقادات الناس التي أصبحت تطغى على حديث الجميع.
وكانت هذه الظاهرة تفجرت بعد أشهر قليلة من سقوط النظام السابق وتشكيل مجلس الحكم العراقي الموقت، إذ أعلن حارس مرتد من حراس أحد الاعضاء التسعة المهيمنين على مجلس الحكم، أنه كان شاهدا على قيام انصار هذا العضو بسرقة الاثار العراقية وتهريبها الى الاردن معلنا عن استعداده لاثبات هذه الحقيقة، الأمر الذي نفاه هذا العضو من على شاشات الفضائيات العربية. بعد ذلك انفجرت فضيحة أخرى - قيام أربعة أشخاص تابعين إلى العضو نفسه بالاستيلاء على ملايين الدولارات في البنك المركزي العراقي - واختفاء هذه المبالغ - وقد اعتقلت القوات الاميركية هؤلاء الاشخاص وحققت معهم واستعادت المبالغ المسروقة.
ولم يمض وقت طويل حتى تفجرت فضيحة «الاتصالات» التي نشرتها صحيفة «لوس انجليس تايمز» الاميركية والمتعلقة بمنح مقاولة الهاتف النقال إلى أشخاص تابعين لمسئولين في مجلس الحكم الموقت - ونشرت الصحيفة هذا المقال بعنوان «العقود تذهب إلى حلفاء الجلبي». وهم مجموعة تضم شركتين اجنبيتين وشركة عراقية يشارك في ملكية أسهمها علي شوكت وأبوه مضر شوكت، مساعد عضو مجلس الحكم أحمد الجلبي.
كما ومنح عقد الهاتف النقال لمنطقة كردستان العراق لشركة «كورك تيليكوم» التي يملكها قريب لاحد القادة الاكراد الذي هو عضو مهم في جماعة التسعة في مجلس الحكم الانتقالي.
وتقول الصحيفة إن بول يريمر جمع أخيرا أعضاء مجلس الحكم وأخبرهم بأن الأمور لا يمكن ان تستمر على هذه الشاكلة، وبدا بريمر غاضبا ووجه كلامه لاحد الاعضاء وقال له: يكفي سرقات!
ويتحدث العراقيون عن أمور وفضائح مالية مخيفة، إذ ان بعض المسئولين في مجلس الحكم والوزارات عقدوا صفقات بيع للنفط العراقي لشركات أجنبية من دون المرور بجهات معنية بهذا الأمر بالتواطؤ مع بعض قوات التحالف.
ويحاول أعضاء مجلس الحكم استبعاد العناصر الكفوءة المشهود لها بالنزاهة عن مراكز ومواقع المسئولية خوفا من اكتشاف أمرهم.
وتقول مصادر عليمة ان هنالك إصرارا على عدم تسهيل عودة اكثر من ثلاثة ملايين عراقي في الخارج، لكي لا يضغطوا باتجاه المطالبة بمواقع في الدولة العراقية والمشاركة بإعمار العراق، لان ذلك يعني عدم تمكينهم من حصد اكبر قدر ممكن من المكاسب المالية من خلال مواقعهم الحالية
العدد 532 - الخميس 19 فبراير 2004م الموافق 27 ذي الحجة 1424هـ