تعقد الأمانة العامة لجامعة الدول العربية الجمعة المقبل مؤتمرا عربيا للاستثمار والتنمية في جنوب السودان دعما لاتفاق السلام الذي أضحى التوقيع عليه بين الحكومة السودانية ومقاتلي الجيش الشعبي لتحرير السودان وشيكا، وقد أعدت الأمانة العامة خطة اقتصادية «استثمارية وتنموية في الوقت ذاته» تميزت بالواقعية والنظر السليم قامت على مبدأ الحافز الفردي فيما يخص الاستثمار ومبدأ التبرع الطوعي لمصلحة التنمية من قبل الدول العربية القادرة.
وركزت الوثائق التي ستقدم للمؤتمرين على التلازم التام بين أنشطة التنمية وأنشطة الاستثمار، إذ لا سبيل إلى استثمار من دون تنمية تتوافر معها البنيات الأساسية التي يحتاجها جنوب السودان من أمن وطرق ومواصلات وفنادق ومساكن ومطاعم ومصارف ومراكز تسوق، ذلك لأن في غيابها سيعجز المستثمرون عن الاستثمار أو يخرجون من الجنوب السوداني خروجا لا أوبة بعده، وعلى سبيل المثال لا بد للمستثمر من طائرة تنقله ومطار يهبط فيه وسيارة أجرة تقله من المطار إلى المدينة، وفي المدينة لا بد من الفندق والمطعم ووسائل الاتصالات، ومن المعروف أن جنوب السودان كان مسرحا لحرب أهلية امتدت لعشرين عاما تم خلالها تدمير المدن والقرى والمنشآت وأصبح لزاما على من يتصدى لتعمير الجنوب أن يشرع أولا في إعداد التجهيزات والبنى التحتية التي لا يستقيم من دونها الاستثمار ولا يستطيع أن يؤدي وظيفته الاستثمارية، فضلا عن أن تلك البنى تأتي في أعلى مستويات الأهمية بالنسبة إلى سكان المنطقة التي يستثمر فيها، فلابد لهم أيضا من المدارس والمشافي والمتاجر.
وأوكلت الأمانة العامة الجانب التنموي في خطتها إلى التبرع الطوعي للدول العربية وصناديقها التنموية، إذ أوكلت إلى الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي إنشاء طريق يربط بين مدينتي «الرنك» و«ملكال»، وعهدت إلى الصندوق السعودي للتنمية بمد طريق «الجبلين» إلى جانب سلسلة من المشروعات الصغيرة عظيمة الأهمية مثل حفر الآبار وبناء السدود ومحطات تنقية المياه والمدارس والمستشفيات، ومن الواضح أن هذا الجانب يمثل إنفاقا غير استثماري لا يعود على الممول بعائد مادي ذلك لأنه تبرع أخوي من دول شقيقة لا تبتغي من ورائه سوى نصرة بلد شقيق ومساعدته على النهوض من «الوهدة» التي ألقته فيها 20 عاما من الاقتتال.
وعلى المستوى الاستثماري أعدت الأمانة العامة مجموعة من المشروعات المجزية وقررت طرحها على المستثمرين العرب وكلها مشروعات مدروسة مؤكدة النجاح تعتمد على الخامات المحلية التي تزخر بها المنطقة مثل الأراضي الخصبة البكر والمياه الوفيرة والنفط والأيدي العاملة الرخيصة وألوان من المنتجات الزراعية والسمكية والحيوانية، وتشمل قوائم المشروعات قائمة طويلة منها: مشروع لإنتاج الرز في منطقة «أويل» بمساحة تبلغ 18600 فدان، والسكر في «ملوط»، والصمغ العربي في «جونغلي» ومصفاتا نفط في «نيمولي» و«ملكال» إلى جانب عشرات المشروعات الأخرى الخاصة بالثروات السمكية والغابية والحيوانية، وهي جميعا من المشروعات التي يسيل لها لعاب المستثمر الأجنبي لو وجد إليها سبيلا نسبة لاحتمالات ربحيتها العالية وكلفة تشغيلها المتواضعة.
وعطفا على ما سبق تميزت الخطة باستيعابها أهم دروس مرحلة العولمة فاعتمدت المبادرة الشخصية وحافز الربح كمحركات لشهية الاستثمار، كما تتميز بربط ذكي بين المعونات العربية وحركة الاستثمار على غرار ما تفعل الدول الأخرى إذ تقدم المعونة باليسار وتستعيد الجزء الأكبر منها كأرباح لمستثمريها
العدد 531 - الأربعاء 18 فبراير 2004م الموافق 26 ذي الحجة 1424هـ