الإشكال أن الحكومة لا تتحدث ولا تعبر عن رأيها ولا تقول ماذا يضايقها وما الذي استفزها لتتخذ إجراءات لم تعتدها الساحة طوال السنوات الثلاث الماضية. وإذا تحدثت الحكومة، فـإن مصادر مأذونة ومسئولين لا تعرف هوياتهم هم الذين يمثلونها. وهذا يجعل تفسير ما يجري صعبا. فهل الذي ضايقها انعقاد المؤتمر الدستوري، أم توقيته، أم الخشية من تدهور الأوضاع أيام استضافة سباق الفورمولا، أم أمور أخرى لا يعرفها الناس؟
يمكن للمراقب أن يحلل. لكن من دون معلومات، لا يمكن أن تبني تحليلا يمكن الوثوق منه.
إن الغموض السائد يزيد من شحن الأجواء، وارتباك الأوضاع، وقلق الناس العاديين، والمراقبين الذين باتوا يفضلون الحديث المباشر وليس عبر الهاتف.
الحكومة لا تتحدث، ولا أعرف لماذا؟ وكل الدعوات للحديث عن الدستور أو غيره تقابل بـ «لا». مع أن قطاعات ليست قليلة تتفهم، مثلا، التعديلات الدستورية التي أجرتها الحكومة قبل نحو سنتين، ويُبرر ذلك عادة بالقول إن الإصلاحات لابد أن تسير خطوة خطوة، ولا يمكن أن تجري دفعة واحدة.
إن تفهم البعض لخطوات الحكومة يبدو أحيانا متطرفا، لدرجة أنها تجعل بعض المتابعين (المستقلين) يعبّرون عن ارتياحهم من أن مقاطعة قوى المعارضة الرئيسية للبرلمان مفيد على صعيد إعطاء فسحة للحكومة بأن تتقبل نقدا لم تعتد أن يوجه إليها.
إن الجمهور، أو بعضه، مستعد للاستماع إلى الرأي الحكومي، وأن يناصره، لكن الحكومة، مع الأسف الشديد، تفضل أن تعبئ جمهورها وقتما تشاء، دونما اهتمام بمضمون هذه التعبئة. وتبادلها المعارضة في أحيانٍ كثيرة التوجه ذاته، ومن بينها توقيع الآلاف على رفض تقنين الأحوال الشخصية دونما تبصر ووعي من بعض الموقعين.
واحدة من المسائل التي يجدر ملاحظتها أن الحكومة احتفلت بالميثاق ولم تحتفل بالدستور، ما يعني أن الميثاق هو المرجع، وأي اعتراض على الدستور مقبول ويمكن أن يصحح، وهذا يتطلب الحوار والكلام، لكن الخشية أننا في طريقنا لأن نخسر حرية الكلام، بسبب عدم قدرة الأطراف على تفهم بعضها. وخصوصا الحكومة التي بدت عصبية أكثر من اللازم. وكأنها تريد أن تقول إنها لن تكون قادرة على (تحمير) عينيها إذا استدعى الأمر، وإن صبرها له حدود.
وعلى رغم ما يقال من أن المؤتمر الدستوري اختطفه القانونيون المتشددون، فإن هؤلاء قادرون - بالتعاون مع الجمعيات السياسية - على أن يساهموا في انضباط واستمرار سلمية الحركة المعارضة. وهذه مناسبة كي تدرك المعارضة أهمية استقطاب النخب، التي ظلت تعاديها، أو تبادلها الشك والريبة.
قبل عدة أشهر استضاف مجلس الشيخ الجمري الباحث الاجتماعي باقر النجار. وقلت حينها إنه مؤسف أن هذه المرة الأولى التي يستمع فيها جمهور «الوفاق» إلى النجار وأمثاله.
الواقع أن طاقم الحكومة، وكذا طاقم المعارضة دون المستوى في مواقع عدة. وهذا يجعل الحوار دون المستوى. إذ يجب أن يستقطب الطرفان النخبة القادرة على أن تتفهم أن الدنيا بُنيت في سبعة أيام.
البلد بحاجة إلى العقلاء، وهؤلاء قد ينتظرون اتضاح الصورة للتدخل، وأخشى ألا تتضح إلا بعد فوات الأوان
العدد 531 - الأربعاء 18 فبراير 2004م الموافق 26 ذي الحجة 1424هـ