العدد 531 - الأربعاء 18 فبراير 2004م الموافق 26 ذي الحجة 1424هـ

الأجندة السياسية والأولويات

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما صوّت الشعب على الميثاق الوطني في فبراير/ شباط 2001 كانت الاجندة السياسية بين مختلف الاطراف الرسمية والاهلية متقاطعة ومتفقة في أولوياتها، وهو ما مكن البحرين من الانتقال بسرعة من حال الطوارئ الى الانفتاح السياسي.

ثلاث سنوات مضت وتراجعت معها الامور، لنرى كيف ان هذه الاولويات اختلفت داخل الاطراف فيما بينها، وهذا هو السبب في تشتيت الجهود. فأولويات الطرف الرسمي اختلفت بين فترة واخرى، وأولويات الجمعيات الاهلية انتقلت من الاهتمام بالشأن المحلي إلى الاهتمام بالشأن الخارجي (فلسطين، العراق) ثم عادت لتهتم بالشأن المحلي ولكن من خلال أجندة مختلفة جدا... هناك طرف يرى ان الاهم من كل شيء هو «دستور 1973»، وطرف آخر يرى أن الاهم هو ما يجري حاليا وكيفية التعامل معه، وطرف آخر يرى ان اهم شيء موضوع الاحوال الشخصية، وطرف يرى أن هناك استحقاقات وسياسات غير عادلة (تمييز، تجنيس، بطالة، توزيع مناصب على اساس التملق ... الخ)، وطرف يرى ان المشكلة في الجمود البيروقراطي والتعطيل الحكومي، وطرف يرى ان المشكلة الاساس هي الاقتصاد الذي يجب ان يخطو الى الامام لكي يتحسن الوضع المعيشي، وطرف لديه اولوية تختص بنانسي عجرم وفصل الاناث عن الذكور في الجامعة ... الخ، وكلٌّ يغني على ليلاه. ولربما ان كل طرف محق من وجهة نظره وبحسب منطلقاته وآماله وواقعيته واستعداداته للمراجعة والتقييم او عدم استعداده لذلك. ومن دون ان يكون هناك استعداد للتسامح ومد الجسور فلربما تخسر كل الاطراف ما تسعى إليه.

ولو أخذنا مثلا على ما يجري في البحرين من خارجها فسنرى كيف أن نقابة عمال الفحم في بريطانيا خسرت في الثمانينات بسبب اساءة قراءتها للواقع السياسي. فعندما قررت حكومة المحافظين بزعامة مارغريت ثاتشر في منتصف الثمانينات خصخصة بعض الصناعات الكبرى اعتقد رئيس نقابة عمال الفحم (التي كانت من اقوى النقابات آنذاك) ان بإمكانه اسقاط حكومة المحافظين، تماما كما استطاعت النقابة نفسها اسقاط حكومة محافظين اخرى في منتصف السبعينات من خلال الاضراب. إلا ان الاوضاع تغيرت خلال عشر سنوات (التي تفصل الاضرابين) وبريطانيا التي كانت تعتمد على الفحم من اجل انتاج الطاقة في سنوات ماضية اصبحت لديها بدائل في الثمانينات (الغاز من بحر الشمال)... وفي النهاية انهزمت النقابة هزيمة منكرة تكسرت بسببها قوة النقابة الى غير رجعة.

حصل الامر ذاته بعد الحرب العالمية الثانية عندما أضرب عمال الميناء الرئيسي (منطقة كبيرة للموانئ) في لندن لتنتقل حركة السفن من لندن إلى «روتردام» بهولندا، ويتم اغلاق اكبر واقدم تسهيلات وخدمات موانئ كانت تشكل نافذة بريطانيا على امبراطوريتها ما وراء البحار. الإضراب بعد الحرب العالمية كان توقيتا خاطئا؛ لان الحكومة لم تكن تستطيع الاستجابة للمطالب، ولم يكن هناك خيار إلا اسدال الستار على كل شيء.

حصل الامر ذاته بالنسبة إلى المهندسين في بريطانيا. فبسبب كثرة الجمعيات الهندسية (اكثر من اربعين جمعية هندسية)، وبسبب رفضها التنازل لبعضها بعضا والاندماج او الاتفاق على هيئة تنفيذية عليا تمثلهم اصبح المهندسون (وحتى يومنا هذا) أقل تأثيرا في الحياة العامة البريطانية من الاطباء والمحامين وغيرهم ممن استطاعوا توحيد اجندتهم وأولوياتهم.

ما نحن بحاجة اليه هو قراءة متأنية لواقعنا، ودراسة عوامل النجاح والفشل في العمل الوطني، وإدراك حقيقة تتكرر في اماكن عدة وهي ان ما كان ينفع في فترة ما قد لا ينفع في فترة اخرى؛ لأن السياسة ترتبط بالظرف الزماني والمكاني، والبحرين لديها عوامل النجاح من اجل مستقبل افضل، ولديها امكانات لا تتوافر لغيرها، والامل يحدونا ان نستطيع عقلنة الامور وترشيدها

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 531 - الأربعاء 18 فبراير 2004م الموافق 26 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً