اعتبر رئيس المؤتمر الدستوري المحامي حسن رضي أن أبرز نتائج المؤتمر الذي أنهى أعماله الأحد الماضي «ولادة معارضة سياسية واعية وناضجة تقر شرعية النظام القائم، باعتباره نظاما ملكيا دستوريا، وليست معادية». ونفى في حديث إلى «الوسط» أن يكون لوبي القانونيين - الذي يقوده - وراء استبعاد النواب والجمعيات السياسية ورئيس جمعية المحامين عباس هلال من المشاركة في المؤتمر أو لجنته التحضيرية.
وكان رضي زكّي رئيسا للمؤتمر الذي نظمته أربع جمعيات معارضة (الوفاق، العمل الديمقراطي، العمل الإسلامي، التجمع القومي)، في تطور لافت لطريقة عمل رضي الذي اختار دعم المعارضة خارج دائرة الضوء.
ويؤخذ على رضي أنه لم يوقع عريضة نخبوية في تسعينات القرن الماضي تطالب بعودة دستور 1973، ما يطرح علامات استفهام على ترؤسه مؤتمرا دستوريا معارضا يطالب بالمطالب ذاتها. وهنا نص الحوار:
ما تقييمك للمؤتمر الدستوري الذي أنهى أعماله الأحد الماضي؟
- ناجح في هدفه أكبر مما كان متوقعا كما أراه. ومستوى المؤتمرين وطروحاتهم دلت على ولادة معارضة سياسية واعية وناضجة ومقرة بالنظام القائم، باعتباره نظاما ملكيا دستوريا، وليست معادية. وهذا في حد ذاته مكسب للدولة والمجتمع والحكومة أكثر منه كسبا للمعارضة التي كانت موجودة دائما، وبقدر ما تخنق تتمرد أكثر. ونتيجة الانفتاح النسبي والحريات النسبية ولدت المعارضة السلمية الصحية.
المؤتمر لم يفرز اصطفافا جديدا، فهو يرتكز على التيار الإسلامي الشيعي وحلفائه من الوطنيين، وهذا إخفاق في نظر متابعين.
- قبل الإصلاح كانت المعارضة ثورية دائما، وأصبحت الآن سياسية. وتم فرز المعارضين للحكومة وغير المعارضين، فالتجمعات السياسية التي شاركت في الانتخابات النيابية العام 2002، على رغم درجة معارضتها، لا يمكن أن تحسب مواقفها على أنها معارضة للحكومة، لأن الدستور الجديد لم يصغ باتفاق عام، وإنما صاغته الحكومة من جانب واحد، والذي وافق على الدستور لا يمكن أن يعتبر من ناحية قانونية أو سياسية معارضا للحكومة، فالدستور دستور الحكومة، أعدته لجنة اقتصرت عضويتها على وزرائها ولم تشرك أية اطراف أخرى.
ومع ذلك، فإن تحديد المعارضة وأحزاب الحكومة - إن صح التعبير - لم يفرز بشكل واضح حتى الآن، ولكي يتم ذلك، يجب أن يكون عندنا دستور عقدي يشارك الناس فيه، ويحسمه رأي الغالبية. والدستور الحالي لا يعطي صيغة للمعارضة الحقيقية بمفهوم الفقه الدستوري. إلى ذلك فإن مفهوم الحكومة والمعارضة غير متبلور.
معروف أنك أب روحي للقانونيين، ومستشار أساسي للجمعيات السياسية الأربع ولوبي الدستوريين من دون أن يكون ذلك في دائرة الضوء، فما الذي تغير هذه المرة لتظهر إلى العلن بثوب معارض وتترأس أكبر تجمع سياسي وفي قضية حساسة؟
- أنا لا أمارس العمل السياسي، واعتذرت عن المشاركة في اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدستوري، لكني كنت أبدي الرأي للمعارضة وسأبدي الرأي نفسه للحكومة لو طلبت. رأيي في دستور 2002 واضح وموثق ولا أتنصل منه. ورفضي التعديلات الدستورية واعتباري لها باطلة لا يتزحزح. وعندما جاءت الدعوة لعقد المؤتمر رحبت وكنت من المدافعين عن عقده.
إن حرصي دائما أن تكون المعارضة معارضة سلمية وقانونية، وأن لا تنزلق في مزالق التطرف السياسي، والفكر القانوني يضبط هذا المجال، وأنا والمحامين الذين اشتركوا معي غرضنا التعبير الحقوقي. وإن قبولي رئاسة المؤتمر كان للدافع ذاته وبهدف لعب الدور الموازن والموضح في المسألة الدستورية بجهدي المتواضع.
كنت وزملائك المحامين ولوبي الدستوريين المتشدد وراء الدفع بعدم مشاركة جمعيتي «الوسط العربي»، و«المنبر التقدمي» في المؤتمر الدستوري.
- أنا وزملائي لم ندفع بمشاركة أحد أو عدمه، وليس من شأني ذلك. هذا عمل الجمعيات وهي التي اتفقت مع من شارك، وبالعكس كان بودي أن يشترك الجميع بشرط فهم الغرض، بما في ذلك الحكومة والجمعيات المشاركة في البرلمان، لكن بشرط القبول بالضوابط من أن التعديلات الدستورية التي خرج بمعيتها الدستور الجديد غير قانونية.
ما تسميه ضوابط، يعتبر من الناحية العملية رفضا ضمنيا لمشاركة النواب والناشطين في الجمعيات المشاركة.
- ليس كل المشاركين يقبلون التعديلات الدستورية. وسبق أن صرح رئيس جمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة ورئيس جمعية المنبر الإسلامي النائب صلاح علي أن دستور 2002 ليس بالطموح المتوقع واعتقد ان لكل من جمعيتي الوسط العربي الاسلامي وجمعية المنبر الوطني التقدمي مواقف اوضح بهذا الشأن. ومراجعة برامج المرشحين تؤكد إصرار كثير منهم على إصلاح الخلل الدستوري.
لنفترض أن الجمعيات الأربع هي وراء عدم مشاركة هاتين الجمعيتين، ألا تراها مخطئة؟
- أنا لا أدري عن المناقشات الداخلية فيما بين الجمعيات الست، لكن لا أرى لوما على الجمعيات الأربع في عدم اشتراك الآخرين كما ان موقف الجمعيات الأخرى بعدم المشاركة موقف لهم فيه الحق طبقا لوجهة نظرهم.
ولماذا لم تتم دعوة النواب وأعضاء مجلس الشورى؟
- المسئولون عن المؤتمر لا يرون صفة النيابة في النواب بسبب عدم تسليمهم بصحة التحويرات الدستورية التي انتخبوا على أساسها.
من ناحية سياسية ألا ترى جدوى لمشاركة هؤلاء؟
- ليس لي جواب على هذا السؤال فلن أحلل الموضوع حتى أقيّمه.
لماذا عارضتم باعتباركم قانونيين مشاركة رئيس جمعية المحامين عباس هلال في اللجنة التحضيرية للمؤتمر؟
- أحترم عباس هلال وأقدره وهو صديق شخصي، لكن المسألة لا تتعلق بأشخاص سواء، هلال أو غيره، هذا ليس جوهريا».
يقال أن مكتب المحامي حسن رضي هو المنظّر الأساسي للمؤتمر الدستوري، ومع ذلك فإنك تكرر أنك لا تهتم بالسياسة؟
- القول بذلك شرف لا ندعيه، وهو قول مغلوط، وفوق طاقتنا، فالعمل عمل الجمعيات، ولست إلا واحدا من مستشاريهم المتعددين.
هل تتقاضى راتبا جراء تقديمك استشارات للمعارضة؟
- هذا الموضوع يخص المكتب وهو ليس شأن عام حتى اجيب على هذا السؤال.
لقد رفضت التوقيع على العريضة النخبوية في التسعينات، وهو ما يثير أسئلة بشأن تصدرك عملا سياسيا معارضا الآن؟
- لست مناضلا ثوريا، أنا رجل قانون أبدي موقفا قانونيا وأتصرف من هذا المنطلق. لست شجاعا أو جريئا لتحدي رجال الأمن، الأجواء الأمنية في ذلك الوقت لم تكن مشجعة، العمل الآن آمن، أما أيام أمن الدولة فلا. الآن أعمل مطمئنا، ويحمي عملي الأمن ولا يمنعه، وأنا لم أشترك في هذا المؤتمر إلا بعد تأكيدات أن مركز شرطة المنامة قد أبلغ ولم يعترض.
يبدو من حديثك أنك قريب من الحكم، ألا تخشى أن تتزعزع هذه العلاقة بعد ترؤسك للمؤتمر الدستوري؟
- أبدا، هذا سيعزز علاقتي بالحكم، لأنه يوضح موقفي من دون إخفاء، مع الحب المتواصل لرموز هذا النظام، ولأنني على الأقل جزء من معارضة واعية، وتشتغل تحت مظلة النظام.
ما سلبيات المؤتمر الدستوري وحركة المعارضة عموما؟
- الجمعيات الناشطة لها اصول في حركات كانت محظورة، وبالتالي عندما تكون محظورا تكون أكثر تشددا، فقد تلاحظ بعض التدخلات القاسية أحيانا، وهذا أمر طبيعي وكلما زادت أجواء الانفتاح والحرية ستختفي هذه المظاهر.
- ماذا أضاف المؤتمر إلى المشهد السياسي؟
لعل أهم ما أضافه هو تعليم وتبصير شعب البحرين بأنه يمكن أن تعمل المعارضة بأسلوب سلمي حضاري، وأسس هذا المؤتمر الآن لنوع من المعارضة التي سيحترمها الحكم قبل غيره، وإن بدت ردود فعل سريعة غير متوقعة. مع الأيام سيقتنع النظام بأن ما تمخض عنه المؤتمر عمل إيجابي بكل المقاييس، مع أن الكمال لله وحده.
هل تقصد أن الحكومة ستستجيب لمطالب المؤتمر؟
- أتكلم عن القيادة عموما، وليس الحكومة فقط، رموز النظام سيقتنعون بأن نتائج المؤتمر إيجابية. طال الزمان أم قصر ستقتنع القيادة بلزوم الإصلاحات، والنظر بجد في مسألة الحوار الذي طرحه المؤتمر كأسلوب للعمل، وليس أحسن من ذلك الأسلوب للوصول إلى حل للمسألة الخلافية.
لكن الحكم يبدو متشددا في المسألة الدستورية، ويرى أن أي حل يجب أن يمر عبر بوابة البرلمان؟
- طبيعي أن يبدأ الحكم بالتشدد ولا يمكن أن نلومه على ذلك. والعبرة بما يحدث في المستقبل، علينا أن نثق بحكمة القيادة وأن نتخلى عن سوء الظن المسبق الذي أضر ولم يفد بالمرة. حسن الظن يجب أن يكون، والعمل بروح الثقة المتبادلة والعزم والتصميم على المطالب والقائمة على أساس علمي وشرعي.
ما رأيك في المشاركة والمقاطعة، خصوصا إذا لم تحل المسألة الدستورية في المدى المنظور؟
- هذا ليس من شأني كما ذكرت. وعبرت عن ذلك منذ صدور دستور 2002، وقلت في ندوة قبيل الانتخابات النيابية بأني أبين رأيا قانونيا، وليس لي أن أدعو أحدا للمقاطعة أو المشاركة، بل سأرفع قبعتي للمشاركين لو استطاعوا أن يفلحوا في استرجاع الحقوق الدستورية التي سلبها دستور 2002.
من ناحية قانونية، هل المشاركة اعتراف بالدستور؟
- هذه مسألة خلافية. البعض يرى أن المشاركة اعتراف ضمني بالتعديلات الدستورية، والبعض الآخر يرى أن هذا تكتيك سياسي من أجل التغيير من الداخل، وهذا شأن السياسيين، وباعتباري شخصا قانونيا أرى أن التعديل الدستوري وما نجم عنه يفتقد الشرعية الدستورية من ناحية قانونية، وعليه فإن المؤسسات القائمة على اساسه فاقدة لهذه الشرعية.
يرى كثيرون أن مقررات المؤتمر تكرار لما هو معروف.
- هذا رأي لا يمكننا أن نمنعه. وعلينا أن نحترم الرأي الآخر اذا لم نتفق معه فالديمقراطية تعني ببساطة قبول وجود الآخر.
ما هي المخارج القانونية لما تسميه أزمة دستورية، وهل يمكن أن تتم من خلال مجلسي الشورى والنواب القائمين؟
- المخرج الأول والأخير والوحيد هو الحوار، كلما اسرع في البدء كان افضل فالحوار فقط يغير الانسان رأيه أو يعدله أو يهاجمه وليس بالعنف فعلا أو قولا
العدد 531 - الأربعاء 18 فبراير 2004م الموافق 26 ذي الحجة 1424هـ