يدّعي التقرير أنه يريد تحديث «الشرق الأوسط الكبير» من خلال دعم الديمقراطية وتشجيع الدول على الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، وتعديل نظام الرسوم الجمركية، وإنشاء مناطق تجارة حرة إضافة إلى مناطق رعاية الأعمال. فالتقرير يطرح الحلول العامة التي ذكرت وكتبت ونشرت مرارا في الصحف وتداولتها جامعة الدول العربية وقررت بشأنها سلسلة خطوات وإجراءات لم تنفذ حتى الآن. فالدول العربية مثلا أصدرت سلسلة مشروعات تناولت «السوق العربية المشتركة» في خمسينات القرن الماضي ونادت بضرورة توحيد السوق وإزالة العقبات الجمركية وفتح الأسواق على بعضها وتوحيد العملات في عملة واحدة قبل سنوات من اللقاءات الأوروبية. والآن وبعد مضي قرابة نصف قرن على الكلام العربي توصلت الدول الأوروبية إلى إنشاء سوقها الموحدة وعملتها الموحدة بينما الدول العربية لاتزال تعيد إنتاج الكلام في وقت تسجل الاقتصادات العربية المزيد من التراكم السلبي.
الكلام سهل بينما العبرة في التطبيق. فالتطبيق يحتاج إلى قراءات تعتمد على الإرادة والإمكانات والاستعداد لتنفيذ ما يتفق عليه في الجلسات وغرف الاختصاص. وهذه الإرادة وما تحتاجه من استعدادات وإمكانات غير متوافرة حتى الآن. فالمشكلة أساسا ليست في الصيغ النظرية وإنما في الإجراءات العملية التي تلاقي صعوبات فعلية في عدم وجود ثقة متبادلة وضغوط دولية وضعف في البنى الأساسية التي تزيد من تراجع الرغبة في مواصلة ما اتفق عليه. فالعجز الإرادي تعززه سلسلة موانع موضوعية لها صلة بالنظام الدولي الذي يقوم على سلسلة ترتيبات عمودية تعترض تأسيس أسواق إقليمية تدعم بعضها بعضا لمواجهة التنافس الذي تفرضه مؤسسات ضخمة وعريقة في الخبرة المالية والاستثمار والإنتاج والتصدير والتبادل.
تقرير مشروع «الشرق الأوسط» لا يضيف الجديد إلى القديم، بل هناك الكثير من المشروعات أقرّت في مؤسسات جامعة الدول العربية قبل ربع قرن وأكثر تعتبر أكثر تقدما من الأراء التي يطرحها كتبة التقرير. فهؤلاء الكتبة يتحدثون من موقع الاستعلاء وتصنيف الدول بين صالحة وفاشلة ويحاول تقديم الدروس انطلاقا من رؤية استراتيجية منحازة لـ «إسرائيل». فالتقرير يتحدث عن الحرية والديمقراطية ويعتمد على دراسة قدمها معهد «فريدوم هاوس» في العام 2003 وتقول إن «إسرائيل» التي تقيم «جدار الفصل العنصري» وتحتل أراضي الآخرين وترفض تطبيق القرارات الدولية هي البلد الوحيد في «الشرق الأوسط» ينتمي إلى لائحة البلدان الحرة بينما صنف أربعة بلدان أخرى بأنها «حرة جزئيا». والحرية في المعهد المذكور لا علاقة لها بالاستقلال والسيادة وإنما في حرية «التعبير عن الرأي والمساءلة». وبهذا المعنى يصبح موضوع احتلال فلسطين لا علاقة بـ «الحرية»، كذلك احتلال العراق وأفغانستان أو غيرها من بلدان محتلة أو مرشحة للاحتلال. فالحر هنا يعني الكلام وليس الاحتلال. ولهذا صنفت دراسة المعهد (فريدوم هاوس) دولة مثل «إسرائيل في لائحة «الحرة» بينما فلسطين المحتلة وحصار الشعب الفلسطيني داخل جدران «التفرقة العنصرية» فهي خارج اللائحة لأن دعاة الحرية هناك مجرد مجموعات «إرهابية».
مشكلات التقرير المرفوع إلى الدول الصناعية الثماني فيه ثغرات كبيرة وكوارث نظرية كثيرة. فهو مثلا يشكو من هيمنة الدول العربية على قطاع الإعلام والصحافة ولكن واشنطن لا تتردد في إطلاق محطات إذاعة وتلفزة بتمويل من الكونغرس الأميركي بذريعة أن الإدارة تريد غسل قلوب سكان «الشرق الأوسط الكبير» من الكراهية باعتبار أن تلك المسألة صادرة عن «الإعلام الموجّه» لا عن سياسة قذرة مارستها الولايات المتحدة طوال نصف قرن من الزمن. فالتقرير لا يتحدث عن تشجيع الغرب الأنظمة الفاسدة مقابل ضمانات سياسية باستمرارها أو ضمانات أمنية بحمايتها. وأيضا لا يتحدث عن إقدام الشركات الأميركية (النفط، الأسلحة، وغيرها) على تمويل الحروب لحسابات ربحية، أو دفع الرشاوى لعقد صفقات أسلحة بمليارات الدولارات لا تعرف الدول المسكينة كيف تستخدمها؟ أو ماذا تفعل بها؟
التقرير صغير الحجم ولكنه كثير الأخطاء بدءا من تسمية المنطقة بـ«الشرق الأوسط الكبير» وانتهاء بالخلاصات العامة التي ينتهي إليها وهي في معظمها قاصرة عن تطور الحوادث وتعتمد على أرقام ومعلومات غير دقيقة وبعضها غير صحيحة أو قديمة. وهي في مجموعها لا ترد على الأسئلة وتحديدا سؤال ما هو المقصود بمشروع «الشرق الأوسط الكبير» وماذا يعني جغرافيا وسياسيا وتاريخيا واقتصاديا. وهذا موضوع آخر لمواصلة الحديث
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 530 - الثلثاء 17 فبراير 2004م الموافق 25 ذي الحجة 1424هـ