نشرت الصحف، المشروع الأميركي المسمي «الشراكة مع الشرق الأوسط» الذي سيقدم إلى الدول الثماني في اجتماعهم المقبل في شهر يونيو/ حزيران، وهو المشروع الذي تحدث عنه رئيس الولايات المتحدة جورج بوش أكثر من مرة، وأعاد الحديث عنه وزير خارجيته كولن باول، على أمل أن تتبناه الدول الغربية في اعتباره خطة عمل مستقبلية تجاه دول الشرق الأوسط وشعوبه.
زبدة المشروع وفلسفته أن «عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، يهدد المصالح الوطنية للدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة واليابان (أعضاء نادي الثمانية)، وأن عدم الاستقرار هذا ناتج أساسا عن فشل التنمية في البلاد العربية».
والمشروع برمته يرتكز على تقريري التنمية اللذين صدرا في العامين 2002 و2003 من منظمة التنمية التابعة للأمم المتحدة، حول التنمية العربية، وذكرا بالتفصيل العقبات التي تواجه التنمية في البلاد العربية وربما بلاد الشرق الأوسط، وهي باكستان وإيران وتركيا (الجميع بلاد إسلامية).
الحرية والمعرفة وتمكين المرأة، ثلاثة مرتكزات يعتمد عليهما التقريران السابقان ويشير إليهما بإلحاح، وليس المقام هنا نقد أو حتى ترويج ما جاء في هذين التقريرين، فهما بوجه عام أجادا في مناطق وذكرا القصور في التطبيقات، كما أن التقريرين بحسب نصيهما، يفتقدان إلى الكثير من الأرقام والوقائع المؤكدة، على أفضل تعبير يمكن اعتبار التقريرين وما جاء فيهما من أرقام هما مؤشرات جيدة وجادة تشير إلى مناطق الضعف وإمكانات القدرة في المجتمعات العربية.
إلا أن الملاحظ على «مشروع الشراكة مع الشرق الأوسط» هو الآتي:
أولا: يبدو أن الإدارة الأميركية، وربما مدارس الفكر الغربي مازالت لم تحسم أمرها بالقول إن هذه المنطقة هي وحدة متكاملة، أم هي دول متفرقة لا يربطها رابط؟ وأقول لم يحسم الأمر لأن في بعض الوثائق نرى توجها للتعامل مع «المنطقة» بعربها وتركها وفوارسها، كمجموعة واحدة بينها هوامش مشتركة، وفي مكان آخر نرى أن هناك توجها للتعامل مع المنطقة على أنها وحدات متفرقة لا يربطها رابط.
المدرسة الفرنسية - في الغالب - توافقها المدرسة الإنجليزية، تقول إن هناك هوامش مشتركة بين هذا العالم المضطرب الذي اسمه الشرق الأوسط، وبعض التوجهات الأميركية ترى أن هناك وحدات سياسية فقط لا غير.
ما يهم هنا أن مشروع الشراكة وإن نظر إلى المنطقة على أنها مترابطة، لم يأت من بعيد أو قريب على الموضوع الأكثر حساسية، وهو الموضوع الفلسطيني.
يرى بعض متخذي القرار في الغرب أن «الموضوع الفلسطيني» هو قميص عثمان لكثير من الساسة العرب، وأنه لا يعنيهم بقدر استخدامه ذريعة لتأخير الإصلاح المنشود، ولو افترضنا هذا الافتراض، فإنه من الخطأ تجاهل الموضوع الفلسطيني في ضمير الناس، أو الرجل العادي (عربي أو شرق أوسطي). فعدم ذكر الموضوع بالمرة في الوثيقة المنشورة هو ضعف لها.
ثانيا: ان معظم البدائل التي تقدمها خطة الشراكة هي خطط وبرامج للمساعدة تثقيفية، مثل مساعدة النساء في فهم حقوقهن، أو تنظيم لقاءات لشرح طرق ووسائل تنفيذ الانتخابات العامة وتشجيع منظمات المجتمع المدني.
ثالثا: ان كل هذا جيد ومرحب به، ولكن بعد تجاوز الثقل النسبي للموضوع الفلسطيني فيما يحصل في الشرق الأوسط، نرى في موضوع «المعرفة» التي تشدد خطة الشراكة على أهميته، قصور في المعالجة، فالمعرفة اليوم هي في الغالب معرفة غربية، و هي ممتنعة على الإنسان العربي والشرق أوسطي المسلم بعامة.
فهناك عدد من الجامعات الغربية ذات التقنية العالية في التدريس ممنوع على العربي دخولها، وأعداد الطلاب العرب الذين يعودون أعقابهم من المطارات الغربية بحجة أو أخرى تبلغ آلاف المواطنين طالبي العلم، والأثمان العالية التي تتقاضاها مصادر المعرفة الغربية، كترجمات الكتب مثلا، تثقل كاهل المواطن العربي الفقير، بشهادة نص الشراكة.
أما اللغات الشرق أوسطية، مثل الفارسية والتركية والعربية، لا تجد من شركة بل جيتس إلا المعاملة الثانوية.
فاللغة العربية مثلا غير مخدومة في التقنية الغربية، ومايكروسوفت العملاقة التي تهتم بلغات الدنيا من أجل وضع برامج لها تستجيب لوسائل الاتصال الحديثة، تضع اللغة العربية في الدرجة الثالثة.
والأمر كذلك، فمن أين يأتي استيعاب المعرفة والتقنية الحديثة، إذا كان الشرق أوسطيون يُحرمون من كل ذلك؟ تزيد الطين بلة أيضا هذه القوانين الدولية التي تفترض أن من لديهم القوة والعلم يتساوون في تطبيق قوانين التجارة العالمية مع الفقراء في القوة والمعرفة.
لا جدال أن الكثير من القضايا التي طالب بها تقرير الشراكة هي قضايا تهم المواطن في الشرق الأوسط، وتهم أيضا المواطن العربي بالدرجة الأولى، مثل الحث على إقامة قضاء عادل عن طريق إصلاح النظام القضائي والإدارة القضائية، أو محاربة الفساد، وتشجيع التعليم على الإنترنت، وتشجيع وسائل الإعلام المستقلة.
إلا ان كل ذلك هو القياس بمسطرة غير المسطرة الموجودة في الشرق الأوسط، فمعظم البشر هنا في هذا الشرق المعني بالخطة الذين يعملون هم موظفون حكوميون، وقد أصبحت سطوة «الميري» كما يشير إليها الإخوة في مصر، سطوة قاهرة، تمنع أية استقلالية لطبقة وسطي فاعلة ومستقلة. لذلك، فإن الحديث عن «نبضات ديمقراطية» هو حديث يهتم بالشكل وليس بالمضمون، إذ إن الكثير من ممارسة الناس للتحلق حول صناديق الانتخاب، وحصول البعض على أرقام شبه نهائية، هو مدعاة للضحك المر لدى كثيرين، وليس ممارسة انتخابية بالمعني المراد.
فبناء تلك الطبقة عن طريق تشجيع القطاع الخاص المستقل هو الطريق الأسلم والأفضل للإصلاحات المبتغاة. وتوطين العقول ومنعها من النزوح إلى الخارج حتى لا تهدد سلامة الأمن الاجتماعي لدى الدول المضيفة، هو بإقامة مجتمع منتج، كل ذلك يمتنع جزء منه بسبب هجوم العولمة المدوي.
غير ذلك، فإن المطالبة بالإصلاح بهذه الطريقة بمثابة وضع العربة أمام الحصان، ومطالبته بعد ذلك بجرها!
مشاركة الدول الثماني في المشروع هو عودة إلى أوروبا، وهو مشاركة للعبء الذي تقوم به الولايات المتحدة، وقد فشلت محاولات كثيرة لوضع أوروبا في موضع الشريك النائم، وقد تفشل المحاولة الجديدة.
خطة الشراكة في مجملها هي خطة «تعليمية» كثير من نقاطها صالح ومرّحب به لدى المراقب الموضوعي، إلا أن ما سكتت عنه أكثر وأهمّ بكثير
إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"العدد 529 - الإثنين 16 فبراير 2004م الموافق 24 ذي الحجة 1424هـ