تحيرنا كثيرا!... إلى أين نرحل؟ وعن أي شيء نكتب؟ وفي أية قضية نتحدث؟ ذهب جمعٌ من الشعب إلى البرلمان... انتخبوا وأصبح لهم مرشحون والتزموا بما أريد لهم وبما قالته السلطة لهم. قالت لهم إن الدستور الجديد هو الحل وهرولوا إلى ذلك. قالت لهم: لا تدخلوا في صفقات «تجييش الشارع» وعليكم بالأطر السلمية وهو أن تلعبوا وفق إطار مجلس النواب، طالبوا بحقوقكم واستغلوا المواد الداعية إلى المساءلة واستغلوا عنصر الرقابة في ذلك... الخ.
كل ذلك فعله النواب. إذ ابتعدوا عن «تجييش الشارع» بل أخذوا يصرحون ضد المعارضة ولكن يبقى السؤال: ماذا فعلت السلطة مع من دخلوا البرلمان؟ حقيقة السلطة أحرجت النواب بدعمها اللامحدود للوزراء، فقد كان بإمكان النواب بعد قضية التأمينات أن يثبتوا قوتهم.
كما أن السلطة - للأسف الشديد - لم تقبل بأداء المقاطعين إذ ضيقت عليهم الخناق بحجة أنهم سيضعفون التجربة وسيسقطون الطاولة على البرلمان وفي الوقت ذاته باشرت العمل ذاته داخل البرلمان إذ فرضت قيدين على لجنة التجنيس والتفّت على الأصوات التي حاولت أن ترتفع مطالبة بالاستجواب، ولو بطريقة غير مباشرة، ما قد يؤدي إلى سحب الثقة.
إذا السلطة هي التي أعطت بعض الوزراء سبانخ «باباي» حتى وصل ملف التقاعد والتأمينات إلى ما وصل إليه.
والمراقب البصير لا يحتاج إلى عمق ذكاء لفهم بعض الرسائل التي بعثتها السلطة إلى كل من يطالب بسحب الثقة من الوزراء عندما راحت تمتدح وتثني وتلقي الزهور على محيا الوزراء الذين كان من المفروض أن يستقيلوا من مناصبهم على أقل التقادير.
إذن بهذا الموقف، السلطة وبخت المقاطعين وأخافت - عبر عدة إشارات منها إشارة رئيس البرلمان بالتلويح باحتمال حل المجلس - النواب. (راجع التصريحات الرسمية).
هنا أصبح الجميع في حال من الشك والحزن أيضا. فإن كانت السلطة تريد أن يؤمن الناس بمجلس النواب، فلماذا لم تدفع باستجواب أو سحب الثقة من الوزراء وراحت تربت على أكتافهم؟
كانت السلطة أمام فرصة ذهبية لا تعوض لو أنها ألقت الوزراء في محرقة الاستجواب وسحب الثقة ولكنها راحت تلقي الاتهامات جزافا بأن الناقدين المتوازنين لا يريدون إلا الفتنة وبث الفرقة والإساءة إلى سمعة البلد وفي الوقت ذاته راحت تلقي الكلمات والمواقف تجاه المقاطعين.
ولا يستطيع المراقب إلا أن يقول: إن السلطة أرادت أن تلعب بكل الأوراق وأن تمسك بجميع خيوط اللعبة وهذا الأسلوب هو من العوامل الأساسية في إضعاف البرلمان في عيون الناس وخصوصا بعد أزمة تقاعد وتأمينات جيت.
إن الواقع السياسي الذي نعيشه ينطبق عليه بيت الشعر الجميل «أنتِ مسبيّة على كل حال». فكلما حاول نائب أن يستخدم نفوذه خرج علينا الجميع بثقافة الاشتغال والانشغال لكن بمسميات جديدة إلى أن يموت الموقف ويسقط المضمون.
أصبحنا شبه معلقين «إن حزنت ضربناك وإن فرحت ضربناك» يا جماعة والله تحيرنا ماذا تريدون؟ إن نفخنا في النواب الروح وطالبنا باستجواب وصفنا بأننا أهل فتنة ونريد تشويه التجربة، وان سكتنا ولم نتفاعل مع البرلمان قالوا عنا: أنتم تريدون إضعافه عندما لا تراهنون عليه في الوقت الذي هم يضعفونه.
إذا كانت الحكومة جادة في الرهان على البرلمان فعليها إثبات ذلك بأن تفتح المجال للنواب لأن يستجوبوا الوزراء وأن يسحبوا الثقة منهم من دون أي عمل تحت الطاولة وأن تسعى إلى جرجرة كل وزير أو مسئول يثبت تورطه أو تجاوزه في أية قضية أما غير ذلك فيعني انها تدفع الناس من حيث لا تشعر باتجاه خيار المعارضة ورهان المعارضة من أن السلطة أمسكت بكل خيوط اللعبة.
وإذا كانت الحكومة جادة في الديمقراطية فعليها أن تفسح المجال لفتح كل ملفات الفساد وبقية الملفات
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 528 - الأحد 15 فبراير 2004م الموافق 23 ذي الحجة 1424هـ