انعقاد المؤتمر الدستوري في نادي العروبة (امس وامس الاول) بعد منع انعقاده في فندق الدبلومات ومنع حوالي عشرين ضيفا من دخول البحرين كان من الممكن أن يثير الوضع ويوتر الأجواء أكثر مما هو واقع الحال. ولعل الحكمة التي ميزت كثيرا من أنشطة المعارضة داخل البلاد هي التي سادت على رغم أن هناك من توقع انفلات الأمور.
رئيس المؤتمر حسن رضي ورئيسة اللجنة التحضيرية جليلة السيد ورؤساء الجمعيات الأربع (الشيخ علي سلمان والشيخ محمد علي المحفوظ ورسول الجشي وعبدالرحمن النعيمي) التزموا بلغة متوازنة طرحت أفكارهم ومبادئهم التي ينطلقون منها من دون أي تصعيد. وأوراق العمل التي قدمت بدا انها متعوب على بعضها ولذلك فهي تستحق القراءة والمتابعة.
ويبقى موضوعان وهما اللذان سببا الإشكالية، الأول موعد الانعقاد، والثاني دعوة ضيوف أعزاء (واصدقاء للبحرين) من الخارج. بالنسبة إلى موعد الانعقاد (14 فبراير/ شباط) فإن الحساسية الرسمية واضحة جدا. ففي هذا اليوم تود الدولة الاحتفاء بالتصويت على الميثاق الذي جرى في مثل هذا اليوم من العام 2001. وهو يوم شهد اجماعا تاريخيا ودخلت المعارضة بقوة لتأييده وتم اقناع الذين عارضوه (وأعلنوا أسباب معارضتهم له) تم اقناعهم بالتخلي عن ذلك الموقف. والذين قاموا بعملية الاقناع هم أطراف المعارضة لبعضهم البعض.
ثم وبعد ذلك انشغل الناس وانشغلت المعارضة في عودة المبعدين إلى البحرين والاحتفال بالافراج عنهم، وانشغلت المعارضة في أحاديث جانبية أدت إلى تفتيت الوحدة التي تميزوا بها أثناء فترة الانتفاضة التي بدأت في 1994. ومضت الشهور فيما تبقى من العام 2001 والساحة تتغير خريطتها بعد دخول أعداد كبيرة إلى الساحة السياسية وانشغال كثير من هذه الأعداد الكبيرة في «محاصصة» النفوذ.
في الوقت ذاته كانت لجنة حكومية شبه سرية تعمل على استصدار دستور معدل بحسب أحد التفسيرات لميثاق العمل الوطني. وهكذا صدر الدستور الجديد في 14 فبراير/ شباط 2002 وتغير النظام السياسي البحريني إلى الملكية وانتبهت القوى السياسية إلى أنها كانت بعيدة عن كل المداولات، بل انها لم تكن قد استعدت أو نظمت نفسها وأهلت من يمثلها للحديث باسمها مع الماسكين بزمام الأمور. واختلفت وجهة النظر بعد ذلك بين من دعا إلى المقاطعة وبين من قال بالمشاركة والعمل على تعديل الوضع وتوسيع دائرة الحوار لتشمل الدستور والأمور الحياتية الأخرى (كالفساد الإداري، والعدالة الاجتماعية، المساواة، البطالة، السكن... الخ) والتي لا تقل أهمية عن موضوع التعديلات الدستورية.
وتطورت الأمور إلى الدعوة إلى المؤتمر الدستوري. وبحسب بعض المقربين للقرار الرسمي فإن الممانعة ليست على انعقاد المؤتمر وإنما على توقيته وعلى دعوة اشخاص من الخارج. وبالنسبة إلى دعوة الأشخاص فإنه ليست هناك وجهة نظر معتمدة هنا أو هناك. ومثال على ذلك فإن إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون عاقبت حكومة حزب المحافظين البريطانية (قبل وصول حزب العمال بقيادة طوني بلير إلى رئاسة الوزراء العام 1997) وذلك لأن حزب المحافظين أرسل أشخاصا رئيسيين من صفوفه إلى أميركا لمساندة الحزب الجمهوري أثناء الانتخابات الأميركية. ولهذا السبب فقد كان كلينتون يفضل ألمانيا على بريطانيا ولم يتغير الأمر وتعود العلاقات البريطانية - الأميركية إلى وضعها الحميم إلا بعد زوال حزب المحافظين. وتعلم طوني بلير الدرس ولم يسمح لحزب العمال بارسال أي شخص لمؤتمرات الحزب الديمقراطي أثناء الانتخابات التي جاءت بجورج بوش الابن.
الحساسيات السياسية لا يمكن اغفالها إذن في مثل هذه الأوضاع، ولكن هذا ليس مبررا لمنع شخصيات كبيرة ومحترمة من دخول بلادنا وبالاسلوب الذي تم، وعلى الجهات الرسمية السعي إلى إصلاح الوضع مع ضيوفنا، فما حدث يعتبر إهانة لنا قبل أن يكون إهانة لأصدقاء البحرين
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 528 - الأحد 15 فبراير 2004م الموافق 23 ذي الحجة 1424هـ