انتهى أمس المؤتمر الدستوري لكن آثاره تبدو أنها لن تنتهي بانتهائه، إذ أصدر المؤتمرون عدة قرارات، وقدموا «رؤية مقترحة لتعديلات دستورية مقترحة غير ملزمة لأي من الأطراف» واعتبروا هذه الرؤية أساسا لأي حوار مع الحكم بشأن المسألة الدستورية، كما تم الاتفاق على تشكيل لجنة تناط بها متابعة الملف الدستوري وتضع برنامجا للعمل لمتابعة تنفيذ قرارات المؤتمر، وتحريك الملف الدستوري من خلال القنوات القانونية والسياسية السلمية محليا وإقليميا ودوليا، وقرروا إصدار عريضة شعبية وفقا لما صدر عن المؤتمر من قرارات، وأكدوا التمسك بالتعهدات الرسمية التي قدمها الحكم قبيل التصويت على الميثاق والتي تعتبر أساسا لعملية التصويت على الميثاق، وأكدوا الالتزام بالحوار كأداة لكل توافق سياسي، ودعوا الحكم إلى إجراء حوار بينه وبين أطراف المعارضة) .
الجفير - حسين خلف
اختتم المؤتمر الدستوري اعماله امس في نادي العروبة اذ اصدر عشرة قرارات في جلسته الختامية ووافقت عليها الشخصيات والجمعيات السياسية المشاركة وأمست ملزمة بها.
وتحدث في الجلسة الأولى من يوم أمس رئيس جمعية العمل الاسلامي الشيخ محمد علي المحفوظ الذي أكد في ورقته ان «الوطن لا يمكن ان ينهض الا من خلال رؤية سياسية حقيقية تعتمد المواطن كأساس لا يمكن تجاوزه في أية عملية تغييرية، ومن خلال اعتماد نظام السلطات المستقلة عن بعضها والقادرة على اتخاذ القرار».
وتلت ورقة المحفوظ ورقة للناشط السياسي والبرلماني السابق علي ربيعة، الذي تحدث عن السلطة التشريعية من منظور تجربة 1974م و1975م، وقال ان نسبة النواب المنتخبين في تجربة 1974م هي 68 في المئة، وكانت هذه النسبة سترتفع الى اكثر من 74 في المئة عندما يصبح عدد الأعضاء اربعين عضوا وذلك في الفصل التشريعي الثاني، وقد ترتب على المساواة بين عدد أعضاء مجلس النواب ومجلس الشورى في المجلس الجديد، وتطرق ربيعة بعد ذلك للفروقات بين تجربة 1974م، و2002م، وأكد ان الاشكالية السياسية هي في الأساس اشكالية دستورية وشدد على ان يبقى رأي المعارضة متمركزا على العودة الى الشرعية الدستورية.
ومن جانبه ألقى نائب رئيس جمعية التجمع القومي الديمقراطي حسن العالي ورقة تحت عنوان: «نحو برنامج عمل وطني للخروج من الاشكالية الدستورية»، وقال العالي: «ان على الجمعيات والمؤسسات والشخصيات العمل على تجسيد عناصر العمل الوطني»، والتي حددها بعدة نقاط منها: «التسمك بالمكتسبات الوطنية والدستورية لشعبنا، وتأكيد وحدتنا الوطنية، ومواصلة الدعوة الى فتح قنوات الحوار مع الحكم والتأكيد من خلال ذلك على الثوابت الدستورية ومبادئ ميثاق العمل الوطني، وان تستخدم الجمعيات الى جميع الوسائل والأساليب السلمية».
الأسقف الثلاثة
أما نائب رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي للشئون التنظيمية ابراهيم شريف فتحدث عن وجود ثلاثة أسقف للمجلس التشريعي كان أولها السقف التشريعي بحسب تعبيره إذ «قامت الحكومة باستباق أولى جلسات مجلس 2002 في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2002 فأصدرت خلال الشهور العشرة الأولى من ذلك العام 56 مرسوما بقانون منها 21 مرسوما بقانون صدرت في أكتوبر 2002 الذي جرت فيه انتخابات مجلس النواب وبذلك تجنبت الحكومة امكان الاصطدام مع المجلس في قضايا حساسة مثل المرسوم بقانون رقم 56 الذي يفسر المرسوم بقانون رقم 10 لسنة 2001 الخاص بالعفو العام. في حين تم إصدار 9 قوانين فقط منذ انعقاد أولى جلسات المجلس حتى فبراير/ شباط 2004 جميعها قوانين اقترحتها الحكومة، وفي حين بقيت مشروعات قوانين مقترحة من المجلس على قائمة الانتظار، كما تنص المادة 81 من الدستور الجديد على ان «تعطى الاولوية في المناقشة دائما لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة»، وتؤكدها المادة 18 من اللائحة لمجلس النواب، وموضوع «أولوية الحكومة» امر يرد في أكثر من موضع، إذ تشير المادة 37 من اللائحة الداخلية «لأولوية الكلام في اجتماعات اللجان لممثلي الحكومة»، وقد حولت الحكومة للمجلس مشروعات قوانين غالبيتها محدودة الاهمية (ما عدا قوانين الموازنة والقروض)، ولا يستطيع المجلس بحسب نص مواد الدستور والقانون ان يحدد جميع أولوياته التشريعية، إذ يقدم الاهم على المهم. وخلال دور انعقاده الاول لم يقترح المجلس اي مشروع قانون، ويبدو أن بعض النواب يدركون صعوبة اصدار القوانين بحسب الدستور الجديد الذي يسمح للحكومة بحسب نص المادة 92 بالتحكم بصوغ مشروعات القوانين وتأجيلها اكثر من عام واحد، الأمر الذي يفسر جزئيا لجوءهم خلال دور الانعقاد الاول إلى الموافقة على 13 اقتراحا برغبة (اقتراحات غير ملزمة للحكومة) من مجموع 51 اقتراحا تمت مناقشته او احالته الى لجان، ومثل هذه الاقتراحات لا تتطلب الا أسابيع قليلة لمناقشتها واقرارها، ويمكن لأي نائب ان يرفع عتب ناخبيه بتقديمه طلباتهم للحكومة بشكل اقتراح برغبة.
والغريب ان بعض هذه الاقتراحات ذات كلفة مالية تستدعي تغيير الموازنة (التي لم تقر حتى نهاية أبريل/ نيسان 2003) وكان من الاجدى طرحها كتعديلات على الموازنة اثناء مناقشتها بدل صيغة الرغبات غير الملزمة».
وأضاف: «حدد الدستور أيضا دور المجلس النيابي في الشئون المالية في الباب الخامس منه، وقد أضعف دستور 2002 دور ممثلي الشعب، ليس بسبب اشتراطه موافقة مجلس الشورى المعين على قانون الموازنة (أو المجلس الوطني - المؤلف من اجتماع المجلسين - في حال اختلاف المجلسين) فقط، ولكن بالاشتراط ايضا على ان تعديل مشروع الموازنة يحتاج الى موافقة الحكومة فأدخل بذلك الحكومة طرفا في التشريع، إذ تنص المادة 109 (ب): «ويجوز ادخال أي تعديل للموازنة بالاتفاق مع الحكومة». وهذا النص يسلب المجلس حتى تعديل مشروع الموازنة ما لم تقبل الحكومة بهذا التعديل، اي انه يشرك الحكومة في التشريع، لذلك اضطر المجلس للتفاوض مع الحكومة للحصول على موافقتها للقيام بخفض طفيف على موازنة الدفاع، وقد تقدمت الحكومة في يناير/ كانون الثاني بثلاثة مشروعات قوانين تحمل صفة الاستعجال (بحسب المادة 87 من الدستور الجديد التي تجيز للحكومة ان تطلب من مجلس النواب النظر بصفة مستعجلة خلال 15 يوما في مشروعات تنظم موضوعات اقتصادية او مالية)، وافق المجلس على مشروعين ورفض الثالث بسبب عدم توافر المعلومات الكافية بحسب ما قال بعض اعضاءه في حين وافق مجلس الشورى على المشروعات الثلاثة بالاجماع، وبحسب نص المادة 87 كان على المجلسين الاجتماع في جلسة مشتركة للمجلس الوطني للتصويت على المشروع موضوع الخلاف بينهما. ولكن الحكومة ارادت على ما يبدو تجنب الصدام الاول بين المجلسين الذي سيرجح رأي الحكومة مقابل النواب الأمر الذي سيثبت للناخبين صحة ما تقوله المعارضة بأن مجلس الشورى وضع لمصلحة الحكومة ولسلب الشعب سلطاته التشريعية. لذلك لجأت الى حيلة مشكوك في دستوريتها، اذ أعادت مشروع القانون بعد ان ألغت صفة الاستعجال الأمر الذي أثار خلافا دستوريا داخل المجلس انتصر في نهايته رأي الحكومة. والحقيقة أن أي من المشروعات المطروحة لا يحمل صفة الاستعجال، اذ ان الحكومة قامت فعلا بترتيب عملية الاقتراض مع المصارف قبل موافقة المجلس الوطني عليها كما ان بعض هذه المشروعات موجود في أدراج الحكومة لأكثر من 3 أعوام، والمادة 87 التي اقحمت في الدستور تجعل من السهل على الحكومة وضع صفة الاستعجال من دون ابداء المبررات».
وتحدث شريف بعد ذلك عن السقف الرقابي بحسب تعبيره اذ قال: «مضى ثلاثون عاما منذ ان نص أول دستور للبلاد على انشاء ديوان للرقابة المالية يكون ملحقا بالمجلس الوطني وثلاثة اعوام منذ التصديق على الميثاق الذي نص على انشاء ديوان للرقابة المالية، وأكثر من عام ونصف منذ صدور قانون ديوان الرقابة المالية في 3 يوليو/ تموز 2002. وعلى رغم كل هذا المتسع من الوقت فإن الديوان لم يقم بأي دور في أي من قضايا الفساد المطروحة على الساحة مثل البنك البحريني السعودي، والاوقاف الجعفرية ومناقصة الموانئ وملف التأمينات، وعلى رغم ان القانون اضعف صلاحية الديوان في بعض احكامه مثل استثناء المصروفات السرية للأمن والدفاع عن رقابته (مادة 4) وعدم خضوع الوزراء للمساءلة أمامه (مادة 12) فإن أهم نواقص القانون تبعيته للمجلس الوطني كما تنص المادة 97 من دستور 1973 أما علاقته بمجلس النواب فتنحصر في تقديم ومناقشة التقرير السنوي عن كل من الحساب الختامي للدولة والحسابات الختامية للجهات الخاضعة لرقابته (المادة 19) لذلك فليس من حق المجلس النيابي إلزام الديوان بالتدقيق أو المراجعة أو التحقيق أو التفتيش على أي من مؤسسات الدولة وشركاتها التابعة. ولم يكتف قانون الرقابة المالية بإهدار حق الشعب في الرقابة على الحكومة بنزع أهم أسلحة الرقابة للمجلس النيابي في يد الديوان - الذي يلحق السلطة التنفيذية - وهو الحق في اخضاع المجلس النيابي المنتخب لرقابته.
لقد كان واضحا في موضوع التحقيق في ملف الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد الصعوبات التي عانتها لجنة التحقيق بسبب عدم وجود طاقم يساعدها في البحث والتحليل، ما استدعى تمديد عمل اللجنة الى الحد الاقصى المسموح به وهو 8 شهور. ولا يمكن بهذه الطريقة ان يقوم المجلس بأكثر من تحقيقين في العام الواحد بينما يستطيع ديوان الرقابة لو كان تابعا للمجلس ان يقوم بعدد كبير من التحقيقات بشكل روتيني او بطلب من المجلس ويضع ما يحصل عليه من حقائق واستنتاجات امام تصرف المجلس بدلا من السلطة التنفيذية».
وأشار شريف الى وجود سقف ذاتي شاء المجلس ان يضع نفسه فيه.
رؤية تعديلات مقترحة
وقدم بعد ذلك كل من الناشط عزيز أبل، والحقوقي عبدالجليل العرادي «رؤية مقترحة للتعديلات الدستورية التي نظمها ميثاق العمل الوطني وهي غير ملزمة لأي طرف». وتركزت الرؤية على البند الأول من استشرافات المستقبل من ميثاق العمل الوطني عن مسمى الدولة، وأيضا ما يخص السلطة التشريعية واستحداث نظام المجلسين.
وخلصت الرؤية التي صاغت موادا قانونية مقترحة تحصر مسألة اصدار القوانين في مجلس النواب تحديدا وان يصدّق عليه الملك بعد ذلك، وحددت الرؤية المحكمة الدستورية وحدها جهة مختصة بالفصل في الطعون الخاصة بانتخابات مجلس النواب.
كما اقترحت الرؤية انه يحق «لكل نائب من النواب ان يوجه الى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصهم»، وأعطت أحقية مجلس النواب لوحده في سحب الثقة من الوزير بغالبية الأصوات.
وفي مسألة اقتراح تعديل الدستور جعلت الرؤية من حق عشرة من النواب التقدم باقتراح لتعديل الدستور.
وحصرت الرؤية دور مجلس الشورى في إبداء الرأي والمشورة فيما يعرض عليه من مشروعات بقوانين تحال اليه من مجلس النواب، ولا يكون له حق في عملية إقرار أي قانون، كما جعلت من شروط عضوية مجلس الشورى، أن يكون العضو بحرينيا بصفة أهلية، وأن يكون كامل الأهلية، وألا يقل عمره عن أربعين سنة ميلادية، وألا يكون من أقارب الملك حتى الدرجة الرابعة، وألا يكون خسر في أي من الانتخابات، أي من مجلس النواب أو المجالس البلدية، وتكون مدة العضوية في مجلس الشورى ست سنوات، على أن يتم إبدال نصف الأعضاء كل ثلاث سنوات.
كما أشارت الرؤية إلى الكثير من التغييرات على نظام مجلس الشورى وعلاقته بمجلس النواب.
وعن الحلول المقترحة للتوافق على الرؤية المقترحة مع الحكم قال المحامي محمد أحمد إن الآلية المقترحة هي «سلطة تأسيسية منشأة يتم التوافق من خلالها على التعديلات الدستورية»، واعتبرت مصادر مطلعة أن هذا المقترح يعبّر عن مرونة من قبل المعارضة إذ إنها لم تتمسك بالمادة 104 من دستور 1973م بشكل صارم، وقد عبّر عزيز أبل عن هذا التوجه حينما قال: «قمنا باستبعاد فكرة تقديم صيغة صارمة لتعديلات دستورية، وقدمنا مشروع رؤية قابلة للحوار».
وفي ختام المؤتمر أكد المؤتمرون على الالتزام بالحوار كأداة لكل توافق سياسي، ودعوا الحكم إلى إجراء حوار وطني مع أطراف المعارضة بما يلبي متطلبات الإقرار الشعبي وتكريس السيادة الشعبية باعتبارها مصدر كل السلطات.
وتمسك المؤتمر بمبدأ أن يكون أي تعديل للدستور النافذ منذ ديسمبر 1973 تعديلا تقدميا بما يعزز المشاركة الشعبية في الحكم ويطورها وفقا لميثاق العمل الوطني، وبما يحقق المبادئ المعمول بها في الملكيات الدستورية بما في ذلك مبدأي التعددية السياسية والحزبية وتداول السلطة.
كما قرر المؤتمر تكليف الجمعيات المنظمة له بتشكيل لجنة متابعة تناط بها مسئولية متابعة الملف الدستوري ووضع برنامج عمل لمتابعة تنفيذ قرارات واستكمال الرؤية المقترحة للتعديلات الدستورية.
وقرر المؤتمرون تبني عريضة تؤكد ما تعاقد عليه شعب البحرين والأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (طيب الله ثراه)، منذ الاستقلال والمكرس في المادة (1) من دستور 1973 والالتزام بما نص عليه ميثاق العمل الوطني المقر من قبل شعب البحرين يومي 14 و15 فبراير 2001.
وتمسك المؤتمر بالتعهدات الرسمية الصادرة عن رموز القيادة السياسية والرموز الهامة قبيل التصويت على الميثاق وعلى رأسهم جلالة الملك وسمو ولي العهد وسعادة رئيس اللجنة العليا لإعداد الميثاق، والتي تعتبر أساسا لعملية التصويت على الميثاق
العدد 528 - الأحد 15 فبراير 2004م الموافق 23 ذي الحجة 1424هـ