تحدثت الصحف العبرية عن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الذي أبلغه إلى مراسلين إسرائيليين بشأن خطته تفكيك مستوطنات يهودية في قطاع غزة. وموافقته على إجراء استفتاء عام عن مشروعه، الأمر الذي اعتبر من قبل المراقبين محاولة منه للالتفاف على المعارضة الشديدة لخطته داخل أحزاب اليمين ووسط تكتل «ليكود».
فقد واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون تهديدات شركاء الائتلاف من اليمين بالانسحاب من حكومته وغضب المستوطنين وأنصارهم ردا على خطته تفكيك مستوطنات يهودية في قطاع غزة، بطرحه إمكان إجراء استفتاء شعبي حيال مقترحاته بعد أن كان لوّح لخصومه بانتخابات مبكرة وحكومة ائتلافية مع «حزب العمل» الذي سارع إلى الترحيب بخطة شارون، التي شكك أيضا حلفاؤه وخصومه على حد سواء في نيته تنفيذها واعتبروها محاولة للهروب من الأزمة السياسية التي تعصف بـ «إسرائيل» ومحاولة للتغطية على مسلسل الفضائح التي تهز رئيس الوزراء الإسرائيلي، والتي سيخضع في إطارها إلى أول استجواب رئيسي من الشرطة. لكن هناك من يعتبر ان خطة شارون ستتحول أمرا واقعا إذا حظيت بدعم الرئيس جورج بوش خلال لقائهما المقرر في غضون أسابيع.
وكان شارون قد ألقى بقنبلة ثانية جاءت عبر مصادر مقربة من رئاسة الحكومة، أعلنت ان شارون ينوي نقل بلدات عربية إسرائيلية إلى السيادة الفلسطينية مقابل ضم «إسرائيل» مناطق في الضفة الغربية، وهكذا عنون ألوف بن في «هآرتس» مقالته تحت عنوان «غزة مقابل الضفة الغربية»... وكان شارون قد أبلغ «هآرتس»، و«معاريف»، و«يديعوت أحرونوت»، نيته تنفيذ خطة إخلاء غالبية المستوطنات في غزة وأربع مستوطنات في الضفة.
وقال في حديث إلى «هآرتس»، ان «حالة الفراغ الناشئة، بسبب الفلسطينيين لا يمكن أن تستمر... ولذلك أعطيت التعليمات بالتخطيط لنقل سبع عشرة مستوطنة في قطاع غزة تحوي سبعة آلاف وخمسمئة نسمة إلى إسرائيل». وإضافة إلى ذلك سيتم إخلاء ثلاث مستوطنات تمثل «إشكالية» بحسب قوله من شمالي الضفة الغربية. والمستوطنات «التي لن نكون فيها في إطار التسوية الدائمة».
وقال شارون إن ذلك لن يتم «بين عشية وضحاها». وأوضح شارون في مقابلة مع «معاريف»، أن ما دفعه إلى هذه الخطوة هو الاضطرار. «فالخيار لدينا ليس بين الجيد والأحسن، وإنما بين السيئ والأسوأ».
ووجهت الصحف العبرية الكثير من الانتقادات إلى «سياسة شارون الملتوية» وتحدث الجميع عن محاولة شارون الهروب من قضايا الفساد التي تلاحقه خصوصا ان بقاءه في منصبه بات على المحك لكن ما أجمع المعلقون الإسرائيليون عليه هو ان شارون يهدف من وراء إخلاء غزة من المستوطنات، الحصول على دعم أميركي لسيطرة الدولة العبرية على الضفة الغربية، كما جاء في افتتاحية «هآرتس»... وبقي من رأى ان خطوة شارون إذا ما نفذت سترفع عن كاهل الخزينة الإسرائيلية أعباء مالية كبيرة، وبحسب المستشار الاقتصادي في «هآرتس»، فإن تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، سيرفع عن كاهل الخزينة الإسرائيلية أعباء مالية كبيرة، لأن مجموع المخصصات لمستوطنات قطاع غزة، تكلف الحكومة الإسرائيلية 20 في المئة من مجمل موازنة الدفاع الإسرائيلية.
وأشار ألوف بن في «هآرتس» إلى ان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، أعلن انه يؤيد فكرة إجراء استفتاء بشأن إخلاء المستوطنات في قطاع غزة. وأوضح بن، ان الفكرة هي ثمرة المبادرة التي أطلقها النائب في تكتل ليكود ورئيس لجنة الكنيست للشئون القانونية والعدلية مايكل إيتان، التي تقترح إجراء استفتاء شعبي بشأن أي قرار بإخلاء مستوطنات إسرائيلية خارج الخط الأخضر.
وأجرى بن، حديثا مقتضبا مع إيتان، أشار فيه إلى انه بعد إعلان شارون تأييده إجراء الاستفتاء، تفاوتت ردود فعل اليمين الإسرائيلي والمستوطنين بين الغضب الشديد والعدائية الواضحة وحتى الألم. لكنه أضاف ان عددا قليلا من النواب حاولوا نزع الشرعية عن الخطوة التي اعتبروها محاولة لحرف النظر عن التحقيقات القضائية التي تطال رئيس الوزراء وأبناءه. ومن هنا يرى إيتان، ان من حق شارون أن يطلق مبادرة دبلوماسية جديدة، ويجب أن يُسمح له القيام بذلك لكن ليس من دون غطاء شرعي واسع قد يضمنه له الاستفتاء خصوصا إذا كانت المبادرة تعني اقتلاع آلاف الأشخاص من منازلهم.
واعتبر جدعون ساميت في «هآرتس» انه في ظل غياب أية خطوات دبلوماسية وأية أدلة على إمكان تحقيق نوايا رئيس الوزراء ارييل شارون، وبالتالي غياب أي تقدم على صعيد الحرب على ما وصفه بالتمرد الفلسطيني، فقد العالم ثقته بشارون. واستنتج ان ارييل شارون، سيبقى الزعيم الذي لا يمكن تصديق تعهداته حتى لو أعلن نيته تفكيك المستوطنات في قطاع غزة. لذلك فمن الضروري إجراء انتخابات في «إسرائيل» لاختيار خلف لرئيس الوزراء الحالي.
وتابع ساميت، بأن ثمة أسبابا أخرى لإجراء انتخابات ألا وهي التحقيقات التي تجرى بشأن تورط شارون في قضايا فساد. ورأى ساميت ان الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة لانتشال «إسرائيل» من الوضع التي هي فيه اليوم أي المهاترات السياسية التي أثقلت كاهل الدولة والغدر والخيانة التي يمارسها المسئولون الإسرائيليون، وقضايا الفساد التي تلاحق كبار الزعماء في الدولة، والتفاوت الواضح بين نتائج استطلاعات الرأي وبين السلوك الملتوي لشارون على الأرض.
واعتبر يوسي فيرتر في «هآرتس» ان إجراء استفتاء في «إسرائيل»، حول إخلاء المستوطنات في غزة، سيؤكد الدعم الشعبي لهذه الخطوة، غير انه لن يكون حلا لمشكلات رئيس الوزراء الإسرائيلي، التي تبدأ بقضية الرشا التي تضع بقاء شارون في منصبه على المحك، وتنتهي بوحدة الحكومة التي باتت أمرا صعبا جدا في المرحلة الراهنة.
وقبل إجراء الاستفتاء ثمة عقبات كثيرة على شارون تخطيها، يعلق فيرتر. فعليه أولا أن يتخطى عقبة لقائه مع الرئيس الأميركي في واشنطن، إذ يطلب موافقة الأخير على خطة فك الارتباط. وعليه ثانيا أن يتخطى عقبة الاستفتاء المصغر الذي سيجرى داخل تكتل «ليكود». وأخيرا يبقى عليه أن يتخطى عقبة مؤتمر تكتل ليكود، الذي سيعقد نهاية الشهر الجاري وسيتم خلاله التصويت على قضايا حزبية تأسيسية تهدف إلى تقييد تحركات شارون كزعيم للتكتل وكرئيس للوزراء.
ولفت فيرتر، في ختام مقالته إلى ما قاله أحد الأعضاء في تكتل «ليكود»، من ان شارون يلجأ إلى عملية سياسية لاستخدامها في قضية قانونية. موضحا ان شارون يحاول أن يؤثر على اليسار الليبرالي والنائب العام لمنعه من خلع رئيس الوزراء من منصبه. وكتب ألوف بن في «هآرتس»، مقالة تحت عنوان «غزة مقابل الضفة الغربية» اعتبر فيها ان تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، هذا الأسبوع بشأن خطته لإخلاء المستوطنات في غزة وبعض المستوطنات النائية في الضفة الغربية، دليل على سياسة شارون المتعرجة. مذكرا أن كلمات هذا الأخير في الصيف الماضي عن أهمية الوجود العسكري الإسرائيلي في غزة، وخطر الانسحاب من القطاع، لايزال يسمع صداها حتى اليوم.
واستنتج ان شارون قد غيّر رأيه في ما يتعلق بالوجود الإسرائيلي في غزة، وهو يمهد بذلك لزلزال سياسي في «إسرائيل». غير ان بن استدرك بأن هذا لا يعني ان شارون قد غيّر وجهة نظره الاستراتيجية، فالهدف من وراء إخلاء غزة، هو الحصول على دعم أميركي لسيطرة «إسرائيل» على الضفة الغربية. ولهذا السبب تضيف «هآرتس» أوفد شارون، مستشاره لشئون الأمن القومي، غيورا إيلاند، إلى الولايات المتحدة، لرسم الحدود الأمنية لـ «إسرائيل» إلى حين إيجاد شريك فلسطيني للتفاوض معه. وليس بعيدا عن هذا التحليل، جاء موقف توماس فريدمان في «نيويورك تايمز»، لكنه عرّج أيضا على ما حصل في عملية التبادل مع «حزب الله»، ليؤكد ان سياسة شارون تفيد بأن اللجوء إلى القوة كما يفعل «حزب الله» و«حماس» يؤتي ثمارا مع «إسرائيل» أما اعتماد سياسة معتدلة فلا يدر شيئا. واعتبر انه من غير المفاجئ أن يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، خطة لإخلاء قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، لأنه اللاعب الوحيد «المتحرك» على الساحة العربية الإسرائيلية بعد أن وضع اللاعبين الرئيسيين أي رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات والرئيس الأميركي جورج بوش، في الإقامة الجبرية.
وأوضح فريدمان، ان عرفات محاصر في المقاطعة في رام الله، أما بوش، فيحاصره اليهود والمسيحيون المؤيدون للوبي اليهودي ونائبه ديك تشيني، المستعد دائما لتنفيذ أوامر شارون. والسياسيون الذين يصرون على ألاّ يمارس بوش، ضغوطا على «إسرائيل»، خلال فترة الانتخابات. وتابع فريدمان، انه نظرا إلى كون شارون اللاعب الوحيد فقد رأى انه مجبر على التحرك من أجل تغيير الموضوع الرئيسي الذي يشغل بال العالم ألا وهو فضيحة الفساد التي تلاحقه من جهة، ومن أجل إرضاء جمهور الناخبين الذين سئموا الوضع الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين من جهة أخرى.وأضاف فريدمان، ان قرار إخلاء غزة هو جزء من خطة أوسع لإقامة دولة فلسطينية على 50 في المئة من الضفة الغربية وقطاع غزة واحتفاظ «إسرائيل» بما يتبقى من الأرض. في المقابل لاحظ فريدمان، ان شارون استبعد عرفات، إلاّ انه لم يبذل أي مجهود من أجل تمكين الشخصيات الفلسطينية المعتدلة أمثال محمود عباس ومحمد دحلان ما خلق فراغا في غزة والضفة الغربية لجأت إلى سده حركة «حماس» والمجموعات الإسلامية الأخرى. وتابع الصحافي الأميركي ان شارون وافق على إطلاق 400 معتقل فلسطيني ضمن عملية تبادل الأسرى بين «إسرائيل» وما وصفها بميليشيا «حزب الله» الإسلامية، في حين لم يوافق على القيام بخطوة مماثلة مع أي زعيم فلسطيني معتدل. واستنتج فريدمان، ان الرسالة الضمنية التي أطلقها شارون، خلال عملية تبادل الأسرى، تفيد بأن اللجوء إلى القوة كما يفعل «حزب الله» و«حماس» يؤتي ثمارا مع «إسرائيل» أما اعتماد سياسة معتدلة فلا يدر شيئا.
وخلص إلى ان انسحاب «إسرائيل» من غزة، وأجزاء من الضفة الغربية سيؤدي إلى إحكام سيطرة «حماس» على هذه المناطق أو اندلاع حرب أهلية. وكتبت «نيويورك تايمز» افتتاحية تحت عنوان «غزة أولا». واعتبرت ان خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي لنقل المستوطنين من قطاع غزة، إلى «إسرائيل»، بمثابة منعطف طرق. مشيرة إلى انه حتى لو أعلن شارون شروط جديدة لتنفيذ الخطة أو استقال بسبب الفضائح التي تلاحقه، فإنه سيكون على الأقل قد وضع الجدل الإسرائيلي السياسي على الطريق السليم. فمهندس المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة قد أعلن على الملأ ان بعض المستوطنات يجب أن تختفي.
وذكّرت بأن شارون، قد أطلق تعهدات في السابق ولم يقم بأي شيء من أجل تنفيذها، غير انها اعتبرت ان خطته الجديدة واضحة بشكل كافٍ. مشيرة إلى ان تضمين الخطة فقرة تتعلق بنقل اليهود من غزة إلى «إسرائيل» جاء نتيجة إدراك رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن مجموع السكان العرب في «إسرائيل» والأراضي المحتلة بدأ يساوي مجموع السكان اليهود في المكان نفسه لذلك فإن الطريقة الفضلى للمحافظة على طابع «إسرائيل»، كدولة ديمقراطية يهودية هي الانسحاب من الأراضي الفلسطينية.
غير ان الصحيفة الأميركية أسفت لأن خطة شارون، تنص على الانسحاب من غزة وبعض المناطق في الضفة الغربية وحسب. فشددت الصحيفة الأميركية، على انه لن يكتب للدولة الفلسطينية أن تستمر إلاّ إذا تم الانسحاب من كامل الضفة الغربية وقطاع غزة. وختمت مذكّرة بأنه حين ناقش حزب العمل الإسرائيلي اتفاق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تم اعلان «غزة أولا» قبل الانتقال إلى موضوع الضفة الغربية، مستنتجة أن خطة شارون، لن تنجح إلاّ إذا كان المقصود بها «غزة أولا» قبل الانتقال إلى الضفة الغربية.
ولم يغب التعليق على الجانب الاقتصادي من مشروع شارون فقد أكد درور تسابان (مستشار اقتصادي) في «هآرتس» ان تفكيك المستوطنات الإسرائيلية في قطاع غزة، سيرفع عن كاهل الخزينة الإسرائيلية أعباء مالية كبيرة. وأوضح ان الأموال التي تصرف للمجلس المحلي في غزة، بلغت العام الماضي حوالي 100 مليون شيكل، أي ثلاثة أضعاف المبالغ التي تصرف للمجالس المحلية الأخرى. وأضاف ان الحكومة ترسل مبالغ إضافية إلى المستوطنات في غزة، عبر قنوات أخرى غير المجلس المحلي، فيصل مجموع المخصصات لقطاع غزة، وحدها ما بين 80 و100 مليون شيكل سنويا على الصعيد المدني وحده.
أما على الصعيد الأمني فتكلف المستوطنات في غزة الحكومة الإسرائيلية حوالي 400 مليون شيكل سنويا أي ما يعادل 20 في المئة من مجمل موازنة الدفاع الإسرائيلية. إلى جانب ذلك، أشار تسابان، إلى ان حوالي ألف عامل في غزة، توقفوا عن العمل بسبب العمليات العسكرية ما شكل خسارة بقيمة 150 مليون شيكل سنويا. ويكون مجموع الكلفة التي تتكبدها الحكومة الإسرائيلية بسبب الوجود الإسرائيلي في القطاع، حوالي 600 مليون شيكل سنويا. ويخلص تسابان، إلى ان الانسحاب من غزة، سيوفر على الخزينة الإسرائيلية جزءا كبيرا جدا من هذه المبالغ لأن كلفة إيجاد مساكن بديلة لمستوطني غزة، ستكون ضئيلة جدا مقارنة مع كلفة وجودهم في غزة
العدد 526 - الجمعة 13 فبراير 2004م الموافق 21 ذي الحجة 1424هـ