فجأة، وبعد حكمة من قبل الطرفين (الرسمي والمعارض) استمرت فترة، تغيرت الأخبار أمس بشأن انعقاد المؤتمر الدستوري. الموقف الرسمي قال إنه ليس ضد الانعقاد ولكن يجب الحصول على رخصة بحسب القانون، وموقف المشرفين على المؤتمر يتحدث عن مناورة حكومية للإلغاء. أصحاب الفندق ليست لديهم الرغبة في أن يكونوا طرفا في الموضوع وطلبوا ترخيصا من المنظمين يتسلمونه مع الساعة الثامنة مساء أمس وإلا فإن المؤتمر لن يعقد في الفندق. ان التصرف الرسمي اتسم بعدم الحكمة في آخر يوم قبل الانعقاد خصوصا فيما يتعلق بارجاع الضيوف.
أن الدستور أساس الدولة، وتضيق الدائرة كلما ارتبط الأمر بالدستور، سواء كان دستورا فرضه الواقع، أو دستورا جاء بعد عملية سياسية توافقية. مع كل ذلك فإن كثيرا من الناشطين في ميدان السياسة يتعاملون مع الدستور سواء وافقوا عليه أم لم يوافقوا عليه، وإذا قرروا العمل خارج الدستور فإنهم في دائرة سياسية مختلفة لها خاصيتها الحرجة.
هذا لا ينطبق فقط على البحرين، وإنما على كل مكان آخر. ففي لبنان هناك الكثير من الأحزاب ممن يرفض الدستور اللبناني الذي فرضه الفرنسيون وفرضوا أن يكون الرئيس مارونيا، ورئيس الوزراء سنيا، ورئيس مجلس النواب شيعيا. هذا الدستور المفروض على أرض الواقع كان الإشكال الأساسي في تاريخ لبنان الحديث، والحرب الأهلية كانت لها أسباب عدة من بينها الخلاف على الدستور والأعراف الدستورية أو ما يسمى بـ «الامتيازات المارونية» التي تشترط تسلم الموارنة رئاسة الجمهورية والجيش والمراكز الحساسة والاستراتيجية. ولكن اللبنانيين عادوا مرة أخرى وبعد اقتتال أهلي إلى «اتفاق الطائف» الذي جمع الأطراف و اختتم أعماله من دون أن يعدل الأعراف الدستورية التي فرضتها فرنسا. وهكذا دخلت الأطراف اللبنانية مرة أخرى لعبة السياسة وأصبح لأطراف مهمة ومعارضة (مثل حزب الله) دور رئيسي من خلال التوافق الوطني والعمل داخل الدستور اللبناني الذي فرضه واقع فرنسي استعماري.
إيران أيضا تواجه مشكلات دستورية، والمحسوبون على السيد محمد خاتمي يريدون إصلاح مواد دستورية أساسية، ويعتقدون أن عددا من المواد فرضتها الحال الإيرانية الثورية في العام 1979م وأنها بحاجة إلى إعادة صوغ. مع ذلك فإن خاتمي يصرُّ على العمل من داخل الدستور لتغييره، وهناك آخرون يحسبون هذا الموقف ضد خاتمي.
هذا الحوار يدور في البحرين حاليا، بين من يرى أن الدستور الجديد الذي فرضه الواقع أصبح واقعا ويجب التعامل معه والسعي إلى تعديله من خلال الأنظمة المتوافرة حتى لو كانت العملية صعبة. وهناك من يقول إن التغيير الدستوري يجب أن يحدث بحسب دستور 1973، وبالتالي فإن الاتجاهين انعكسا على طبيعة العمل السياسي البحريني. الجهات الرسمية اعتبرت الدستور خطا أحمر، والجهات التي قاطعت الانتخابات ترد بأن الدستور لم يأتِ بحسب ما تطلبه دستور 73 ولابد من تعديله على ذلك الأساس.
بين هذا الطرح وذاك يدور الحديث مع تصريحات من مختلف الأطراف، والبحرين - كمجتمع واقتصاد - تنظر إلى ما يدور وتراقب الأمر والأمل يحدو الجميع في أن يسود التسامح والعمل السلمي غير التصعيدي
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 526 - الجمعة 13 فبراير 2004م الموافق 21 ذي الحجة 1424هـ