مبادرة «المنبر التقدمي» بشأن إطلاق آليةٍ للحوار بين الدولة والمجتمع، تنم عن روحٍ وطنيةٍ جامعةٍ وشعورٍ عالٍ بالمسئولة، تجاه البلد.
الأجمل تلك اللهجة الرصينة المتواضعة التي غلّفت المبادرة، سواء في خطاب الناطق الرسمي باسم المنبر فاضل الحليبي حين استضافته «الوسط» مع آخرين في ندوتها الأسبوع الماضي، أو في خطاب الأمين العام حسن مدن في تصريحاته أو مقاله أمس. فالرجلان كرّرا أن هذا النهج ليس قصرا على المنبر وحده، بل هو نهج قطاعات واسعة من المجتمع، حريصة على أن تسود البلاد حالة التوافق والاستقرار.
مدن لم يعتبر نفسه وسيطا وإنما جزء من المشهد السياسي، وبالتالي ردّ على من غمز جمعيته للعبها دور «الوسيط»، بقوله إننا نمتلك رؤية وموقفا هدفه مصلحة الوطن، وبالتالي فالحوار مكسبٌ لكل القوى البحرينية الخيّرة. وركّز على التمسك بالثوابت الدستورية، وترشيد الخطاب السياسي واحترام هيبة الدولة ورموزها، والسعي لتطوير القوانين بوسائل النضال المشروعة، ورفض جميع مظاهر العنف والعنف المضاد. وبينما عبّر عن نبذه لممارسات الحرق والاعتداء على رجال الأمن، اعترض على الاستخدام المفرط للقوة أو الممارسات التي تمس بكرامة الانسان البحريني.
خطاب عقلاني متوازن، لا تمتلك إلا أن تحترمه وتدعو إليه، لأنه يهدف إلى تغليب الحوار على الحلول التصعيدية التي جرّبناها عقودا فما زادتنا إلا آلاما وتأخرا وتردّي السمعة في مجال انتهاك حقوق الإنسان.
أمام هذا الخطاب العقلاني المتزن، يبرز خطابٌ آخر تحريضي، ينبذ الحوار، ويصرّ على التصعيد والتشدّد، يبدأ بالتشكيك في الحاجة أصلا لحوار، وينتهي بطرح نظريات ذات روح عنصرية، تذكّرنا بمنظّري «البوير» وكهنة حقبة الابارتهايد في جنوب أفريقيا، الذين كانوا يتخيّلون أنفسهم نوعا يمثل خلاصة الجنس البشري الأبيض، وأن الأفارقة مجرد جنسٍ من العبيد، لا يصلحون إلاّ لزرع المحاصيل الزراعية وكنس الشوارع.
هذه النظرية العنصرية الشاذة سقطت سقوطا مدويا في جنوب أفريقيا، بفضل النضال السلمي الطويل الذي قاده الوطنيون في جنوب أفريقيا، وأصبحت الآن فصلا كئيبا من التاريخ المقيت في الذاكرة البشرية، لا يتشرف أحدٌ بالدفاع عنه أو تبريره.
من يقرأ التاريخ الجزائري، سيصطدم بالشريحة العنصرية الشاذة نفسها، ففي حرب الاستقلال عن فرنسا، كانت الحرب في الميدان الثقافي على أشدها، ففي مواجهة دعوات الحرية كان بعض المثقفين العنصريين الفرنسيين يروّجون لنظريات التفوّق العرقي، فالجزائريون دمويون متخلفون وشرسون، ولابد من دراستهم ضمن الأجناس البربرية التي لا تستحق غير القتل والسحق تحت جنازير الدبابات والمدرعات. تلك حقبةٌ قد مضت، وأصبح مثقفو حقبة الاستعمار الفرنسي في مزبلة التاريخ.
اليوم... البحرين أمام دعوةٍ عقلانيةٍ معتدلة، يطرحها عددٌ من رجالاتها بقلوبٍ لم تدنّسها الأحقاد أو المصالح الشخصية والفئوية، وبالمقابل هناك دعوةٌ عنصريةٌ تحرّض للإمعان في نهج الصدام ولغة العنف والعنف المضاد. وبدل الدعوة إلى حلحلة المشكلات العالقة التي يئن منها المجتمع، والالتفات لحل قضايا الاقتصاد السياسي، التي تغذي الاضطراب والقلاقل الاجتماعية، يتم تشطير البلد إلى بلدين، والعقيدة إلى دينين، والمجتمع إلى فئتين، تتويجا لأبشع نظريات العنصرية الانثروبولوجية: «مساجدنا» و»مساجدكم»... وهنا «مربط العنصريين الجدد»!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2350 - الثلثاء 10 فبراير 2009م الموافق 14 صفر 1430هـ