العدد 525 - الخميس 12 فبراير 2004م الموافق 20 ذي الحجة 1424هـ

أين وصلت المسافة بين الدولة الخليجية والمواطن؟

على خلفية منتدى التنمية الخليجي الخامس.

عبدالله العباسي comments [at] alwasatnews.com

منتدى التنمية الخليجي الخامس الذي عقد فيما بين 14 و 16 يناير/ كانون الثاني 2004 بفندق الخليج في المنامة طرح تساؤلات كثيرة أهمها: إلى أي مدى تمكن المشاركون من مقاربة وضع الحلول؟ إلى أي مدى كان المشاركون يمثلون الشريحة القادرة على فهم مشكلات المنطقة؟ ما الورقة التي أثارت جدلا أكبر من غيرها؟ وإلى أي مدى تمكنت هذه الورقة من تشخيص الوضع الخليجي؟ ربما توصل الإجابة على هذه الأسئلة المواطن الخليجي إلى التعرف على صورة قد تكون واضحة لما جرى في المنتدى ومدى ما يشجع على تحقيق طموحاته. لا شك في أن هذه النخبة التي شاركت في المنتدى جميعها تنتمي إلى عناصر وطنية بارزة لعبت دورا من موقعها في خدمة الوطن مع تفاوت في النسب في مراحل مختلفة، فعندما كانت ترتفع إلى مواقع المسئولية كما جرى لعدد منهم ممن اعتلوا كرسي الوزارة مثل علي فخرو وزير الصحة والتربية في مرحلة ما وكذلك أحمد الربعي الذي أصبح هو الآخر وزيرا للتربية في الكويت ووزير التخطيط السابق في دولة الكويت كذلك سليمان المطوع وغيرهم، فهؤلاء عطاؤهم وحماسهم الوطني كان يختلف مع اختلاف مواقعهم لأن صاحب القرار في دول الخليج يكون الحاكم ودورهم أشبه باستشاريين على رغم أنهم يديرون وزارات مختلفة، قال لي مرة أحد الوزراء البارزين في دولة خليجية ثرية «ترى لا تغتر فينا» لأن صلاحية وزير في دولة فقيرة مثل موريتانيا في التصرف خلال المؤتمرات أكبر بكثير من صلاحياتنا، فنحن نعود في كل صغيرة وكبيرة إلى الحاكم كي يتخذ القرار خصوصا إذا كان الأمر يرتبط بالقضايا المالية، ولو طبقت هذه النظرية على دول الخليج فمعنى هذا أن عطاء هذه العناصر وطنيا يختلف وهي خارج حلبة النظام لكن الأهم من هذا أن معظم العناصر المشاركة هم من العناصر التقليدية السياسية المعروفة بأن عقليتها لم تتغير وهم قيادات الستينات والسبعينات لا تنظر إلى الحل إلا من خلال زوايا متقاربة ومن هنا فهم يدورون ضمن حلقة واحدة ويكررون الأفكار نفسها وهم متفقون على عدة نقاط من أجل التغيير ومواجهة التحديات فها هو علي فخرو ينطلق في حلوله من منطلق الفكر الذي يحمله مذ كان عضوا في القيادة القومية وهو ضرورة التركيز على منعطفين أساسيين هما الديمقراطية ووحدة مجلس التعاون الخليجي من منطلق شعار البعث «وحدة، حرية، اشتراكية». وهناك اتفاق ضمني أن التيار الديني المتشدد وراء كثير من العراقيل وخصوصا أنه كان ربيب هذه الأنظمة على أساس انه لم يكن يشتغل بالسياسة ومكانه الدائم المسجد إلى أن تم تحريكه فخيب ظن هذه القيادات التي أعطته كل الحريات وأغلقتها في وجه القوى الديمقراطية والليبرالية إلى يوم خرجوا من قمقمهم فصار من المستحيل إعادتهم إليه على رأي والناشط السياسي جاسم مراد. ورأى الناشط السياسي الكويتي أحمد الديين ان على السلطات الحاكمة الخليجية أن تتخلى عن أسلوب تفكيرها، المهم أن المجتمعين قاربوا جميعا بل تمكنوا من وضع أصابعهم على الجرح وتمكنوا من كشف الخلل في النظام الخليجي، وكانت ورقة محمد عبيد غباش أكثر الأوراق أهمية وجدلا لدى المشاركين التي طرحها تحت عنوان «سلطة أكثر من مطلقة: مجتمع أقل من عاجز» وهو كاتب وأكاديمي إماراتي بارز منذ السبعينات. ويجب الاعتراف بأن هذا البحث من بين البحوث القليلة الجادة التي لم تعتمد فقط على التحليل التقليدي الذي يطرحه عادة الكثير من القيادات السياسية التقليدية، فقد خرجت من تلك الشرنقة الضيقة إلى الكشف والتتبع بدقة لدى الكثير من المحللين السياسيين عن الانظمة الخليجية والأسباب التي تجعلها لا تتجاوب مع المشاركة الشعبية، واستشهد بمجموعة من آراء المفكرين الذين توصلوا إلى إجابات مقنعة وحقيقية. وقد سعت ورقة غباش إلى تسليط الضوء على خصوصية النظام الاجتماعي في دول مجلس التعاون وفهم آلية عمل السلطة السياسية فيه، ثم التحولات التي لحقت بها لتكون ما هي عليه اليوم ومن بين المطروح في هذه الدراسة ان ظهور النفط أدى إلى ولادة مجتمع يتمتع بغالبية سكانية على باقي المناطق، وذلك نتيجة الهجرة الداخلية الواسعة من المناطق البدوية - الزراعية إلى المدن ثم انصهارهم داخلها. ويتضح من الورقة الفرق بين نظرة النظام الخليجي ونظرة الشعوب تجاه الثروة النفطية، ففي الوقت الذي يرى الطرف الأول أن النفط وبقية الثروات ملك له وإن ما يقدمه للشعب هو مجرد عطايا من دون فرض ضرائب عليهم، يرى الطرف الثاني أن هذا النفط وهذه الثروات موارد طبيعية مملوكة للمواطنين كافة. وترى الدراسة أن كل نظام اجتماعي أينما كان هو بناء ليس خالدا ويتعرض بمرور الوقت للعوامل غير المواتية، وهو لذلك بحاجة إلى أن يعاد ترميمه وبناؤه باستمرار، وبحسب رأي فيريرو أن السبب يعود إلى أن مبدأ الشرعية الذي يقوم عليه النظام الاجتماعي هو شيء وقتي عابر لا يملي إرادته إلى ما لا نهاية. ومن بين النقاط الواردة في الدراسة الكشف عن أسباب ضعف المجتمعات، وهو أن هذه الأعداد الضخمة من قوى العمل الخارجية، عربية كانت أم أجنبية التي فتحت هذه البلدان أبوابها لها هي التي همشت المجتمع المحلي سياسيا عبر إزاحته من مواقع الإنتاج التي يمكن من خلالها أن يحدث صراعا اجتماعيا أو سياسيا. وبين ما تراه الدراسة هو أن الأدبيات السياسية تكاد تجمع على أنه من المتعذر أن يستمر نظام حكم من دون دعم داخلي من طبقة اجتماعية أو إثنية أو طائفة تسند الحكم في ا لداخل وتوفر له الشرعية. وتوصلت الدراسة إلى نتيجة مهمة للغاية إذ أو ضحت أن الدولة الخليجية أصبحت منكشفة أمنيا لاعتمادها شبه التام على غيرها وهي معرضة لضغوطات قد تكون كارثية من الدول الداعمة لها، ومن الدول التي تستورد منها اليد العاملة التي أصبحت اثنتان منها دولا نووية، والانكشاف الاقتصادي صار باديا للعيان من جراء الاعتماد على تصدير النفط الخام الذي قد يواجه بدائل طاقة منافسة من جراء تحولات وتقدم تكنولوجي ليسا في الحسبان، والانكشاف باد للعيان كذلك بسبب الإيكولوجيا الخليجية الشديدة الحرارة والشحيحة المياه والمفتقدة للأراضي الخصبة. وتنتهي الدراسة إلى السؤال الذي يجب طرحه، ثم ماذا بعد؟ يقول الباحث اننا لنحدد واقع الحال الخليجي في المستقبل القريب من المهم لنا أن نرى ما يحدث بالضبط في هذين الحقلين، حقل الضمانات الأمنية الأجنبية المقدمة لدولنا التي تواجه مطالب في المشاركة السياسية، وحقل استعادة الشعوب الخليجية لمواقعها في سوق العمل التي تمت إزاحتها منها، ومن خلال الرصد لهذين الحقلين سنستطيع أن نحدد بدقة إن كانت هناك فرص حقيقية للتحول إلى الديمقراطية. ومما لم تقله الدراسة نقاط اعتبرها مهمة للغاية منها: إن العقول لا تتغير بالمواقع الجغرافية والأوضاع الإنتاجية الجديدة في الغالبية وإلا لانتهت الأخلاقيات الجاهلية بعد مجيء الإسلام وتهذيب الأخلاقيات الجاهلية مثل عمليات الثار واعتبار المرأة أقل مستوى من الرجل بل الخجل من تواجدها مع المجتمع الذكوري لدى الكثير من العرب ومع ذلك نرى تلك الأخلاقيات باقية حتى في هذا القرن. كذلك فإن كثيرا من القيادات الخليجية أصبحت ذكية إذ صارت تناور وتحاول طرح ديمقراطيات معينة ترضي بعض الشعب وتحاول اقناع الدول الصديقة. لقد كان المنتدى على رغم عدد من الدراسات الجادة التي قدمت فيه فإنه لم يتمكن من وضع حلول حقيقية تكشف الدور الذي يجب أن يلعبه المثقفون الخليجيون والمشاركون من أعضاء المنتدى للتعجيل ببلوغ المواطن الخليجي أهدافه. وكم كنت أتمنى من هؤلاء أن يؤكدوا ضرورة إعطاء صفة الاستعجال للمطالب الشعبية، صحيح أن الأنظمة الخليجية ومنها البحرين تمكنت أن تخطو خطوات نحو الديمقراطية ومحاولة لا بأس بها نحو إفساح المجال للمجلس النيابي لمحاسبة الفساد وما تصريح جلالة الملك قبل أيام إلا ضوء أخضر لأعضاء المجلس ليستمروا في محاسبتهم للجهات المتجاوزة فيما يرتبط بخطر إفلاس صندوقي التقاعد والتأمينات الاجتماعية، وهو خطوة جادة نحو إعلان الحرب على الفساد، على الطريق الطويل لخلق دولة لها عراقتها وقوانيها وضبطها وربطها. وما دخول المملكة العربية السعودية على خط الإصلاح وإعلان الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي بأنه لا يترك لأحد المجال أن يقف في وجه الإصلاح مع عدم تركه لأن يقفز البعض في الظلام إلا تأكيد أن مخاضا جديدا سيحدث في هذه الدول ولكي يأتي المولود معافى وفي وقته المناسب ومن دون الحاجة لعملية قيصرية. على شعوب المنطقة ألا تتوقف عن قرع الطبول حتى لا تترك مجالا للتوقف عن المسيرة الإصلاحية وأخذ استراحة ليعاودوا تفكيرهم، فالأميركان لا صدقية لهم ومع ذلك فإن من مصلحتهم أن يتم تحجيم الفقر ويتم إعطاء هامش لا بأس به من الحرية لتتنفس الشعوب العربية وخصوصا في منطقة الخلي

العدد 525 - الخميس 12 فبراير 2004م الموافق 20 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً