إن دور أجهزة الاعلام المختلفة وخصوصا الإذاعة والتلفزيون المتوافرين في كل بيت واللذين اصبحا يبثان على
ان الاستعمار الاستراتيجي كان له دور في تغيير معالم الحضارة العربية والإسلامية في الوطن العربي، فطيلة فترة الاحتلال عمل المستعمر على إنشاء النظم السياسية والأجهزة التشريعية والمؤسسات التعليمية والإعلامية على النمط الغربي وكانت له في هذا أهداف واضحة فعمل على استبدال الاستعمار العسكري بالاستعمار الثقافي والفكري فالأول ينتهي برحيل العسكر أما الثاني فله الديمومة والاستمرارية ويعمل على استيعاب الشعوب في منهج الثقافة الغربية. من أخطر وسائل وآليات التغيير الثقافي التي لجأ لها المستعمر هي الإعلام بكل أنواعه وجميع مستوياته، هذه السياسات التغريبية الاستيعابية نجحت وساعد على نجاحها الانفتاح العالمي والتقدم المذهل في وسائل الاتصال إذ تساقطت الحدود الجغرافية والسياسية وتسابق أصحاب الأيديولوجيات في ميدان الإعلام مستخدمين أحدث الوسائل للوصول إلى قلوب الجماهير وعقول الناس. أهم المرتكزات التي استند إليها الإعلام الغربي في نجاحه هو المشاركة الفاعلة للمرأة بنمط معين ومنهج مدروس ونتائج محسوبة وفقا لفلسفة الحياة العصرية في المجتمع الغربي معتمدة على رفع شعارات مثل الحرية والمساواة، لذلك نرى أصحاب الحاجات من سياسيين واقتصاديين وتجار وأصحاب المذاهب والعقائد المختلفة في خضم المنافسة لأجل الربح السريع والعائد المادي عملوا على توظيف خصائص الجمال والفتنة لدى المرأة وأهملوا خواصها الإنسانية الأخرى وأصبحت صورتها في الإعلام مرهونة بالفائدة المادية، ففي مجال الدعاية والإعلان تصور النساء اما ربات بيوت ينحصر اهتمامهن في الاحتياجات المنزلية أو عنصر اغراء جنسي يضفي على البضاعة المعروضة جاذبية أكثر للإيحاء باقتنائها، وتكونت لدى المرأة بالتالي قناعات عملت على صوغ شخصيتها وتركيبتها النفسية وتعتمد أساسا على مقاييس الشكل والجمال.
انعكاس المرأة في الإعلام
أ - صورة المرأة في الإعلام العربي: إن مكانة المرأة في المجتمعات العربية تتباين من بلد عربي إلى آخر، ان معظم الأفكار السائدة عن المرأة سواء في عقلية الرجال أو وسائل الإعلام المختلفة تتناقض تماما مع الموقف المعلن لغالبية الدول العربية، فتجد بعضها يعلن انحيازه المطلق إلى حقوق المرأة كافة ثم تفاجأ بها تأتي بسلوكات من شأنها ترسيخ مفاهيم التبعية وتثبيت صورة المرأة بوصفها كائنا ضعيفا يشغل الترتيب الثاني في سلم المجتمع. مواقف مؤسسات الإعلام العربية تتباين بدورها في النظرة للمرأة، فهناك من ترى ظهور المرأة في وسائل الإعلام متعارضا مع تقاليدها وربما مع التعاليم الإسلامية غير أن الدول التي تملأ الدنيا طنينا بالحديث عن حقوق المرأة تتورط هي الأخرى في ترسيخ مفاهيم تنال من الحقوق الأساسية للمرأة العربية. إن صورة المرأة العربية وحقوقها أصبحت منذ حوادث 11 سبتمبر/ أيلول سلاحا في يد بعض وسائل الإعلام الغربية التي تنشر الأفكار المغلوطة عن المرأة لتشويه أمة بكاملها، وبالتالي فإن أية محاولة لتحسين صورة الإسلام والمسلمين لا بد أن تبدأ من الصورة المغلوطة المرسخة في أذهان الغرب وعبر تقديم نموذج للمرأة الواعية المتحضرة كاملة الحقوق من دون الإخلال بالعادات والتقاليد العربية والإسلامية. ب - صورة المرأة في الإعلام عامة: يمكن تصنيف صورة المرأة في الإعلانات إلى أربعة نماذج هي: المرأة التقليدية، والمرأة الجسد، والمرأة الشيء، والمرأة السطحية، هذه النماذج الأربعة تعمل على تشويه صورة المرأة وتنتقص من قيمتها كإنسان فاعل له دور في الحياة غير الدور الترويجي المؤسف، كما تساهم في تعزيز النزعة الاستهلاكية لديها على حساب الروح الإنتاجية الواجب أن تسود عقل ووجدان المرأة وتحكم سلوكاتها، وتقدم هذه النماذج قدوة سيئة للمراهقات في المجتمع وتكرس مفاهيم خاطئة عن الأعمال المميزة التي يمكن أن تمارسها المرأة وتكسب من ورائها المال الكثير وخصوصا أن العاملات في الإعلان يحققن ثروات طائلة من هذا العمل. هذا الاختلاف في صور المرأة لم يمنع من تشكيل ملامح وسمات عامة لصورة المرأة في الإعلامين المرئي والمسموع في العالم العربي، فمن السمات الغالبة على صورة المرأة أن جميع وسائل الإعلام تركز على المرأة في الفئات الاجتماعية الميسورة أو المرأة في المدن وبعض المهن كالطبيبة أو حتى البائعة في المحال التجارية، وذلك من دون التطرق إلى بعض الشرائح النسائية المشاركة بفاعلية في مناقشة قضايا مجتمعها أو حتى المرأة التي تقطن الأحياء الشعبية داخل المدن الكبرى ومناقشة همومها وقضاياها الخاصة. ج - صورة المرأة كإعلامية: المرأة الإعلامية العربية تتأخر كثيرا عن مسيرة الرجل الإعلامي العربي على رغم أنها بدأت في هذا المجال مبكرا ولكنها لم تتقدم بخطوات كبيرة، ويحتل عدد بسيط من النساء مواقع قيادية في أجهزتنا الإعلامية العربية واثنتان أو ثلاث يترأسن قنوات تلفازية لكن من دون أن نلحظ تغييرا أو تأثيرا فيما تبثه هذه القنوات ويصل الأمر إلى ان تصبح القيادية الإعلامية رجلا أكثر من الرجل في تناوله التجاري للمرأة. كما إن ظهورها على أجهزة الإعلام المختلفة انما هو وفقا لتقاليد الثقافة الغربية شكلا ومضمونا، فالمعايير التي يتم بموجبها اختيار المرأة للعمل في مجال الإعلام لا تقوم على قيم ومبادىء المجتمع العربي وليست مستوحاة من البيئة العربية بل خاضعة للمعايير الغربية ويتم اختيار النساء المتمدنات أكثر من نساء الريف، وذلك ربما يرجع إلى ابراز نساء يرتدين أزياء أنيقة ولا يتقيدن بالزي الإسلامي المحتشم ولا بأسلوب المخاطبة الوقور الذي يلائم المرأة المسلمة. حتى الموضوعات المطروحة تهمل القطاع الأعظم من النساء العربيات في الريف والبادية. رابعا: التحديات التي تواجه انخراط المرأة العربية في العمل الإعلامي: من المؤكد أن مشاركة المرأة في العمل الإعلامي تصطدم بالكثير من المعوقات، من جملة ذلك ما يأتي: أ - المعوقات الاجتماعية: ان المجتمعات العربية مازالت مجتمعات ذكورية تمنع على المرأة ممارسة أعمال بعينها وتراها الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى حماية ورعاية من الرجل الزوج أو الأب الذي يحدد مساحة مشاركة المرأة في الحياة العامة، المجتمعات الذكورية تنظر إلى مسألة أمن المرأة باعتباره مسئولية الرجل على رغم أن الواقع يؤكد أن أمن المجتمع كله مسئولية الطرفين. ب - المعوقات السياسية: ان تدني مشاركة المرأة في العمل الإعلامي يعود إلى أن المؤسسات الإعلامية تعمل وفق السياسات الإعلامية للدول فهي لا تقدم على توظيف غير النساء المتمدنات من سكان المدن على وجه الخصوص معتبرة أن ذلك يرجع إلى أن الصورة التي تريد هذه المؤسسات أن تعكسها عن المرأة هي صورة المرأة التي ترتدي الثياب الأنيقة المتحضرة بالمفاهيم الغربية المتعارضة في أحيان كثيرة مع التقاليد والمبادئ الإسلامية. ان المرأة على رغم كل ما اكتسبته من حقوق على مر التاريخ مازالت مهمشة في مشروعات التنمية البشرية التي تنهض بها الدول العربية، فمازالت المرأة غير متساوية تماما مع الرجل في الفرص المتاحة أمام الطرفين على أرضية الكفاءة والقدرة ومازالت منقوصة في الحقوق السياسية فهي بعيدة عن مراكز القيادة وصنع القرار، إن تقرير التنمية البشرية الصادر العام 1995 أكد أن المرأة في مختلف دول العالم لا تحظى بالفرص نفسها المتاحة أمام الرجل وهو ما ينعكس على ممارستها لحقوقها السياسية والاقتصادية على وجه الخصوص إذ تشغل المرأة نحو 12 في المئة من المقاعد البرلمانية و14 في المئة من المناصب الإدارية والتنظيمية. ج - المعوقات الاقتصادية: المرأة هي الأفقر في العالم، إذ تمثل 75 في المئة من فقراء العالم البالغ عددهم 3,1 مليارات، لندرة الفرص المتاحة أمامها وبذلها أعمالا غير مأجورة تستنزف ما يزيد على 75 في المئة من وقتها.
كيف نعزز دور المرأة الإعلامي؟
أ - على المستوى الفردي: بداية لابد من التسليم بأن جزءا من الغبن الواقع على المرأة إعلاميا تساهم فيه شخصيا بتساهلها في حقوقها وتباطوئها في رد فعلها واكتفائها بمقعد المتفرج السلبي بدلا من المشاركة الفاعلة. فمن أجل أنسنة صورتها عليها أن تضحي ربما بقليل من وقتها لتدفع بعجلة التنمية والتغيير. وقبل هذا على المرأة أن تؤمن بقدراتها وإمكاناتها وتعتز بخصوصيتها الجميلة كامرأة ولا تتنكر لها كخصوصية منتقصة. فإعلاؤها لقيم الحب والخير والجمال لا ينقص من رجاحة عقل المرأة، وخفضها جناح الذل والرحمة هو مصدر تحليق الجنس البشري. كما ان على المرأة أن تؤمن بأنها من خلال أي موقع يمكنها أن تسهم في التغيير. ب - على المستوى الأهلي: يجب أن تعنى الجمعيات الأهلية وخصوصا النسائية بهموم وقضايا المرأة وتشكل أوراقا ضاغطة على الحكومات لتغيير سياساتها الإعلامية، وعليها خلق شبكة معلومات جيدة عن كل المنظمات والجمعيات الأهلية المعنية بشئون المرأة أو تدرجها ضمن اهتماماتها.
تكوين رابطة للإعلاميات العربيات
منظمة المرأة العربية يجب أن ترفع التوصيات الآتية إلى مجلس وزراء الإعلام العرب: توفير مساحة لبرامج توعوية جادة للمرأة عن حقوقها القانونية والمدنية وتشجيع إشراكها في الحوارات والمناقشات. - اعطاء المرأة الفرص لتولي مناصب قيادية إعلامية. - اشراك المرأة في صوغ الاستراتيجية الإعلامية. - تشجيع المرأة على الانخراط في برامج التدريب والتأهيل الإعلامي. ج - على المستوى الحكومي: على الحكومات أن تهتم بالتنمية الشاملة لشعوبها، وذلك في المجالات الآتية: في مجال تنمية الموارد البشرية: إحداث أي تغيير في أي نمط من أنماط السلوك الاجتماعي يتطلب إحداث تغيير مواز في مفاهيم أفراد المجتمع، وذلك يتطلب إحداث تغيير جوهري وأساسي في أدوار المؤسسات التربوية في المقام الأول ثم المؤسسات الإعلامية إذ تتكاملان مع بعضهما بعض في غرس المفاهيم والثقافات الإنسانية. لذلك يجب الاهتمام بتأهيل وتدريب الكادر الإعلامي من النساء لكي لا ينحصر دورهن في الربط والتقديم والدور الإعلاني فقط وهذا يشكل الخطوة الأولى في دمجها في خطة التنمية.
في مجال التنمية الاقتصادية
ويتم ذلك بإحداث تغييرات جوهرية في الهياكل الاقتصادية للمجتمع بهدف إحداث معدلات نمو متزايدة للاقتصاد القومي إلى جانب التغييرات اللازمة للنمو الاقتصادي. وضع استراتيجية إعلامية في ظل شريعتنا السمحاء: إن المجتمع العربي والمجتمع المسلم مجتمع رسالي يحتاج إلى وضع فقه للعمل الإعلامي مستمد من القرآن الكريم ومن تراث الحضارة العربية والإسلامية ويكون في الوقت نفسه أنموذجا يستوعب فلسفة الحياة العصرية ويلبي حاجات المجتمع. وقد أرسى القرآن الكريم مبادئ وقيما تخدم المصلحة العامة للمجتمع وتدخل في صميم العمل الإعلامي وهي الأمانة وتحري الدقة في نقل المعلومة والصدق في الحديث والبعد عن الابتذال في المظهر والحديث والمقال. تجب إعادة النظر في الاستراتيجية الإعلامية لدولنا، ماذا نريد كأمة عربية، أنريد اعلاما متطورا يلعب دوره كسلطة رابعة أم نريد اعلاما خاضعا يستخدم لتخدير الشعوب واشغالها عن قضاياها المصيرية. إننا عندما نطرح إشكال المرأة العربية والإعلام تطرح علينا أسئلة كثيرة ومتعددة... هل اعلامنا يطرح ويتناول حقيقة أوضاع النساء في بلدنا بما يكفي من الجرأة والموضوعية من قبيل / العنف ضد النساء / الاستغلال الجنسي / البطالة المؤنثة / الفقر والأمية / الخ. إن استراتيجية الإعلام العربي يجب أن تتجه نحو الأسرة العربية التي أصبحت تعيش في زمن العولمة وينبغي ألا تقتصر على مجرد تحسين صورة المرأة أو إتاحة مساحة لا بأس بها لصوتها أو تقديم هامش يعبر عن قضاياها ويطالب بحقوقها، بل لابد أن تقوم هذه الإستراتيجية على مبدأ أن المرأة تمتلك قدرة على التأثير الخلاق في بناء المجتمع المتطور الذي ننشده وهي الأقدر على تفهم واستيعاب القضايا التربوية التي يقوم عليها بناء الأجيال المقبلة
العدد 525 - الخميس 12 فبراير 2004م الموافق 20 ذي الحجة 1424هـ