العدد 524 - الأربعاء 11 فبراير 2004م الموافق 19 ذي الحجة 1424هـ

الفقر وحرية التجارة مرة أخرى

محمد الاسباط comments [at] alwasatnews.com

مع سيادة مبادئ السوق في زمن حرية التجارة التي تستهدف تحقيق الأرباح فقط بغض الطرف عن البعد الاجتماعي لعمليات التجارة والاستثمار دعت مؤسسات دولية وأهلية «غير حكومية» في مختلف بقاع الأرض إلى ضرورة تبني شعار «أنسنة اقتصاد السوق الحر»، ولكن مازالت هذه «الأنسنة» غائبة غياب الماء في السراب.

وفي هذا السياق حمل تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2002 تحليلا دقيقا لمفهوم فقر الدخل والفقر الإنساني، ليطور المفهوم التقليدي القاصر للتنمية بمعنى النمو الكمي إلى المفهوم الواسع للتنمية النوعية بمعنى التنمية الإنسانية (human development)، وعلى رغم هذا التطور المتسارع والعميق والشامل مازال بعض الاقتصاديين في الدول النامية ومنهم النافذ في مواقع اتخاذ القرار حبيسا في المفهوم الكمي والضيق للتنمية الذي ساد في سنوات الخمسينات إذ يرون التنمية في النمو الاقتصادي الكمي ووتيرة نموه الرقمية فقط لا غير.

والفقر من منظور التنمية الإنسانية متعدد الجوانب أيضا، فانعدام الدخل أو فقر الدخل ليس إلا مظهرا واحدا من مظاهر الفقر الإنساني، ولكن الحرمان يمكن أن يقع أيضا في ميادين أخرى، حياة قصيرة أو معتلة، عدم معرفة القراءة والكتابة، المنع من المشاركة، الشعور بعدم الأمان الشخصي... إن الفقر الإنساني أعم من فقر الدخل.

ومفهوم تنمية الموارد البشرية الذي طغى في الماضي على مفهوم التنمية وجعله محدودا وقاصرا بحيث لا يرى في الإنسان إلا مدخلا من مدخلات الإنتاج المادي والتنمية المادية، وغياب مفاهيم الفرص والمشاركة تماما، والتركيز على الإنتاج المادي في مفهوم التنمية كل ذلك قاد الباحثين في التنمية الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني الى ابتداع مفهوم رأس المال الاجتماعي والمستثمرين الاجتماعيين وهو مفهوم ظل بعيدا عن دائرة وعي الذين يطابقون بين التنمية والنمو الاقتصادي الكمي.

ومقولة الحاكم المستبد العادل التي طغت وهيمنت في السبعينات على دول العالم الثالث وخصوصا الإفريقية والعربية مستهدية بتجربة المعسكر الاشتراكي لتبرير النظم الشمولية والقهر السياسي كشفت معطيات الواقع والممارسة أن تلك الدول وأنظمتها الشمولية وحكامها المستبدين لم يحققوا العدالة الاجتماعية بل جعلوا الحكم حكرا عليهم فصارت على أيديهم الدولة حارسة لمصالح المستبدين. وبعيدة عن الدولة الاجتماعية الراعية الخادمة للشعب، فكان أن نهبت النخب السلطة وجعلت منها وسيلة وأداة لنهب ثروات الشعوب، وأدت تلك التجارب الى البحث المتعمق في العلاقة بين الديمقراطية والتنمية الإنسانية فخلصت النتيجة إلى أن هذه العلاقة موجبة.

ومفهوم التنمية الإنسانية يشمل ضمن ما يشمل الانتفاع بعائد التنمية والفرص والخيارات الاقتصادية والمشاركة وتعظيم رأس المال الاجتماعي، وبذلك يكون الرباط المنجز لتحقيق شعار «أنسنة حرية السوق» قد توثق بين التنمية والمشاركة في صنع القرار ومحاربة الفقر بمعناه الأعمق

العدد 524 - الأربعاء 11 فبراير 2004م الموافق 19 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً