العدد 524 - الأربعاء 11 فبراير 2004م الموافق 19 ذي الحجة 1424هـ

عبدالرحمن منيف... الإنسان الذي عرفته

المنامة - عبدالنبي العكري 

تحديث: 12 مايو 2017

عبدالرحمن منيف توفي في دمشق، هكذا جاء الخبر كالصاعقة، نعم توفي في الغربة في دمشق بعيدا عن الوطن، بعيدا عن الأهل، وإن كانت أم عزة هي في محل الوطن وإن كانت دمشق لم تبخل عليه بحضنها الدافئ، وتداعت إلى نفسي آلام الغربة المبرحة. فلقد تنقل عبدالرحمن منيف في المنافي العربية، عمّان التي شهدت طفولته وصباه، ثم دمشق إذ عاش شبابه قبل أن يتابع مسيرة الترحال الطويلة التي أخذته إلى بلغراد، ثم بيروت، ثم بغداد. لكنه يبدو أن الوطن العربي لم يعد يتحمله فحمل رحاله إلى باريس البعيدة إذ عاش مع اخوة المنفى كالباهي محمد ومحمد حربي وحسين زهوان والمئات من العرب المهجرين. عاد منيف مرة أخرى للوطن الكبير إذ استقر في دمشق التي توفي فيها.

عرفت منيف وأنا مثله منفي، في عدد من محطات منفاه القسري. تعرفت عليه في بغداد في العام 1977، وكان رئيس تحرير مجلة «النفط والتنمية»، وجدت فيه إنسانا مختلفا عن الكثيرين من العرب الذين كانوا يعتاشون حينها في بغداد. وظف امكاناته العلمية كدكتور اقتصاد النفط، في رفع مستوى وسوية المجلة بحيث تبوّأت مكانة مرموقة، لم ينافق النظام القاسي، وكان همه جزيرة العرب التي عزّ عليه العيش فيها. ولم يقصّر في مساعدة المناضلين الذين تقطعت بهم السبل بعد انهيار المشروع الثوري في المنطقة.

باريس كانت المحطة الثانية التي التقيته فيها بصحبة الباهي محمد الذي كتب عنه «عروة الزمن الباهي». غادر بغداد التي لم تعد تتحمل المناضلين الصادقين وكان في وضع صعب جدا، لا جواز سفر، لا مصدر معيشة، يعلم الله كم كان يعاني ولكن بصمت وكبرياء، ولن أنسى بضعة من الشرفاء الذين ساهموا في تجاوزه لذلك المأزق.

المحطة الأطول التي عرفته فيها كانت دمشق منذ بداية الثمانينات حتى رجوعنا إلى البحرين في فبراير/ شباط 2001. لقد احتظنتنا دمشق العروبة، كما احتظنت الآلاف من العرب الذين تقطعت بهم السبل، طريدين من أوطانهم، وهنا أود أن أسجل كلمة عرفان الى دمشق الأبية ولإبن دمشق البار الرئيس الراحل حافظ الأسد لموقفهما المبدئي، باحتضان أي عربي يلجأ إليهما وعيشه آمنا مطمئنا على رغم الضغوط الهائلة التي مورست عليهما، لتسليم أو طرد هؤلاء المناضلين.

توطدت العلاقات بيننا كبحرينيين والفقيد وعائلته. أم عزة التي كابدت مع (أبوعزة - أبوعوف كما يدعى تحببا) وأبنائه الذين تنقلوا معه في المنافي. كنا نزورهم ويزوروننا ونجد فيهم في غربتنا أهلا، ويجدون فينا أعزاء، نتبادل الهموم ونقتنص ساعات الفرح القليلة بهذه المناسبة أو تلك. كان أبوعوف متابعا دقيقا لأوضاع المنطقة ومهموما بهمومها. وعلى رغم ضنكه لم ينحن، كان مطلوبا منه فقط أن يتقدم برسالة الى ولي الأمر، لتعاد له حقوقه، لكنه كان يردد دائما «هم الذين سلبوني هذه الحقوق ويجب أن يرجعوها من دون منّة».

في ظل هذه المكابدة أبدع منيف أجمل الروايات العربية، حين عبرنا الجسر، قصة حب مجوسي، النهايات، عالم بلا خرائط، مدن الملح، مدن السواد، قصة الزمن الباهي، شرق المتوسط، شرق المتوسط مرة أخرى. والكثير من الدراسات في الديمقراطية والأدب والفن. وعلى رغم كل ما كتب عن أدب منيف، فإنه منارة شاهقة لقد ترجمت رواياته إلى الانجليزية والفرنسية والاسبانية وغيرها، وكتبت عن أعماله أطروحات دكتوراه في عدد من جامعات العالم.

ماذا أقول عن تكريم منيف، لقد كرمه العالم في باريس ولندن ومدريد أما في الوطن العربي، فباستثناء جائزة سلطان العويس التي جاءت متأخرة لم يحظ بما يستحق. قبل اسابيع تحدثت مع الشيخه مي الخليفة لاستضافة عبدالرحمن منيف في منتدى الشيخ إبراهيم، وفعلا وافقت من دون تردد، وتم الاتفاق مع «أبوعزة»، وحدد موعد 3 مايو/ أيار، ليلتقي بمحبيه من جزيرة العرب، لكن القدر كان أسرع. عندما أخبرت الشيخة مي بالخبر الفاجع شهقت شهقة المفجوع وهكذا غادرتنا يا اباعوف ونحن لم نوفك حقك





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً