العدد 524 - الأربعاء 11 فبراير 2004م الموافق 19 ذي الحجة 1424هـ

الفكر الإسلامي وقضايا الإصلاح والتجديد

جديد المفكر زكي الميلاد

القطيف - حسن آل حمادة 

تحديث: 12 مايو 2017

عُرِف المفكر السعودي زكي الميلاد بأنه متخصص في الدراسات الإسلامية، وباحث في الفكر الإسلامي والإسلاميات المعاصرة، إذ صدرت له في هذا السياق مجموعة من المؤلفات، وها هو يؤكد لنا مرة أخرى اشتغاله بهذا الموضوع كمجال اختصاص إذ أصدر أخيرا عن المركز الثقافي العربي (المغرب/بيروت، 2004م) كتابه الجديد بعنوان: (من التراث إلى الاجتهاد... الفكر الإسلامي وقضايا الإصلاح والتجديد).

يشير المؤلف في مقدمته، كون كتابه هذا يضم الدراسات والكتابات التي أنجزها منذ سنة 1998م، ومعظمها كان مقدما لندوات وحلقات دراسية وأكاديمية، قام بتنظيمها والإشراف عليها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، في إطار برنامجه البحثي بشأن دراسة تجارب حركة الإصلاح والتغيير. ويلمح الميلاد إلى أنه خطط لهذه الدراسات بالشكل الذي يجعل منها عملا ممنهجا ومتناسقا يخرجها من كونها دراسات متفرقة جمعت وضمت إلى بعضها وخرجت في كتاب، فقد أضاف إليها - يقول - دراسات أخرى أعدت لاستكمال وإحكام التناسق المنهجي، والانتظام التاريخي، وترابط النسق الموضوعي قدر الإمكان.

ويحاول هذا الكتاب أن يتتبع أزمنة فكرية تنتمي إلى أربعة عصور أو مراحل تاريخية... زمن ينتمي إلى العصر الوسيط، وزمن ينتمي إلى العصر الحديث، وزمن ينتمي إلى عصر ما بعد قيام الدولة العربية الحديثة، وزمن ينتمي إلى تحولات العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وقد شهدت هذه الأزمنة - بحسب الميلاد - تحولات عميقة أثرت على مسارات الفكر الإسلامي وغيرت من اتجاهاته ومسلكياته ومرجعياته. ففي العصر الوسيط حصل تحول في مسلكيات الفكر الإسلامي السني مع ظهور ابن تيمية إذ ساهمت حركته الفكرية والاحتجاجية في الحدّ من تطور وتأثير حركة الشيخ الغزالي الفكرية. وفي العصر الحديث ظهرت نزعة إصلاحية عبر عنها السيدجمال الدين الأفغاني بمفهوم الجامعة الإسلامية، وقد مرت هذه النزعة بأطوار وتحولات بعد غياب الأفغاني مثل فيها الشيخ محمد عبده طورا أساسيا في تحريك هذه النزعة وتجديدها، وفي تحولها إلى منحى آخر يعطي الأولوية للأبعاد والتكوينات الفكرية والتربوية، وهي النزعة التي تبلورت وتحددت فيما بعد وعرفت بنزعة الإصلاح الديني. كما مثل فيها الشيخ عبدالرحمن الكواكبي طورا مهما، وكان الشيخ محمد رشيد رضا آخر حلقات وأطوار هذه النزعة الإصلاحية التي تحركت بجهوده نحو المنحى السلفي!

ومع قيام الدولة العربية الحديثة تشكلت ملامح جديدة في مسلكيات الفكر الإسلامي غلب عليها التشبث بالهوية والخوف من اختراقها أو الإحاطة بها. وقد ظهرت في هذه المرحلة محاولات إصلاحية وتجديدية يتحدث الكتاب عن ثلاث منها تنتمي إلى بيئات متعددة، هي محاولة السيدمحمد باقر الصدر في العراق، والشيخ مرتضى المطهري في إيران، والشيخ محمد مهدي شمس الدين في لبنان.

أما في العقدين الأخيرين من القرن العشرين فقد تغيرت فيهما ملامح واتجاهات ومسلكيات الفكر الإسلامي، بين حقبة الثمانينات التي غلب عليها الاندفاع وذهنية المواجهة والصدام، وبين عقد التسعينات وبالذات في النصف الثاني منه، إذ شهدت بعض خطابات الفكر الإسلامي مراجعات وتقويمات ونقديات في المفاهيم والمسارات والمناهج، كان من نتائجها التأكيد على مبادئ العقلانية والاعتدال والوسطية، والانخراط في عمليات التجديد الديني، إذ دفعت الفكر الإسلامي نحو مسلك جديد.

ولأن جميع هذه المحاولات التجديدية كانت تنطلق من قاعدة التواصل مع التراث، والانتظام في مرجعياته، لذلك كان من الضروري الحديث عن التراث في إطار كيف نفهمه؟ وكيف نتعامل معه؟ كيف نفهمه؟ هو السؤال المعرفي، وكيف نتعامل معه؟ هو السؤال المنهجي.

والنظر إلى التراث ليس بقصد الاستغراق فيه، أو الاكتفاء به، والانقطاع عن العالم والعصر، وإنما الاستلهام منه وهضمه واستيعابه والإضافة عليه، والقدرة على تجاوزه أيضا... والتجاوز ليس بمعنى إهمال التراث أو رفضه والانقطاع عنه، وإنما الإضافة عليه بالتطوير والتجديد وتقديم ما هو أفضل وأرقى منه. وعملية التجاوز هذه هناك من يصطلح عليه بالتجديد أو المعاصرة أو الحداثة، أما الميلاد فيفضل مصطلح الاجتهاد الذي يعتبره المفهوم الإسلامي الفعَّال إذ يعادل مفهوم الحداثة عند الغرب، وهو بحاجة إلى اكتشاف جديد!

فصول الكتاب جاءت في (320) صفحة من القطع الكبير، وتوزعت حسب الآتي:

الفصل الأول: الفكر الإسلامي في العصر الوسيط... من الغزالي إلى ابن تيمية.

الفصل الثاني: السيدجمال الدين الأفغاني وتطور الفكر الإسلامي الحديث.

الفصل الثالث: الشيخ محمد عبده ولإصلاح الفكر الديني.

الفصل الرابع: عبدالرحمن الكواكبي وفلسفة النهضة والاستبداد.

الفصل الخامس: الشيخ محمد رشيد رضا ومآلات الفكر الإسلامي الحديث.

الفصل السادس: السيدمحمدباقر الصدر وبناء التصور الإسلامي الشامل.

الفصل السابع: الشيخ مرتضى المطهري وإحياء الفكر الديني.

الفصل الثامن: الشيخ محمد مهدي شمس الدين وتجديد الفكر الديني.

الفصل التاسع: إشكال التراث بين المعرفة والمنهج.

الفصل العاشر: الحداثة والاجتهاد... هل تود حداثة إسلامية؟

الفصل الحادي عشر: الفكر الإسلامي الجديد، ملامح وقضايا.

وكما يلحظ القارئ؛ فإن الكتاب قد تميز بدراسته لتجارب رجالات الإصلاح والتجديد في الفكر الإسلامي بعيدا عن التصنيفات المذهبية المعمول بها من قبل بعض الباحثين، إذ اعتدنا منهم الكتابة عن الشخصيات التي تنتمي لمذهب ما، أو مذاهب معينة! وهذا لعمري هو الداء الذي تجاوزه بجدارة الميلاد، وقد سجل بذلك نقطة تحسب لمحاولته الرائعة هذه، وإن غابت عن كتابه - بطبيعة الحال - أسماء كبيرة لها بصماتها وإسهاماته - التي لا تخفى على ذي لب! - في حركة الإصلاح والتجديد بما يخص قضايا الفكر الإسلامي، ولا ندري عن سبب غيابها شيئا، عدا إشارة من قبل الكاتب لكون معظم هذه الدراسات المنشورة هنا قد قدمت لندوات وحلقات دراسية، وهي جملة قد لا تشفع للكتاب حين نعلم أن بعض ما نشر لم يقدم بناء على طلبة من جهة أو مؤسسة!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً