العدد 524 - الأربعاء 11 فبراير 2004م الموافق 19 ذي الحجة 1424هـ

الشعر: فن وإبداع

المنامة - تقي محمد البحارنة 

تحديث: 12 مايو 2017

مناسبة هذا القول... قطعة من الشعر قرأتها في «الوسط» الأخير، يدور معناها حول محاولات نظم الشعر وملابساتها.

يحسب الداخل الى دنيا الشعر، أن هذا العالم الغريب هو بمثابة «فرصة تتيح له متعة الروح، حين تحلق على أجنحة الخيال، وأنه سيحظى بالسعادة، ودفء الحب، وسحر الجمال، وفوق ذلك بأعجاب القراء. ولعل ذلك، في أول أمره... كذلك. ولكن الثمن الذي يقتضيه التمرس بالشعر والاجادة فيه ليس باليسير.

وكما يبدو، فإن شياطين الشعر، أو بنات الشعر - على وصف الاقدمين... أو ملكة الشعر الفنية - على قول المحدثين، لا تتنزل على كل قلب... وهي ربما تغالي في ثمنها مغالاة الحسناء في مهرها... وهل من ثمن أغلا من انشغال القلب والفكر، ومعاناة الصبر في استخراج المعاني واصطياد الكلمات، واستجداء أوزان الخليل بن أحمد وقوافيه، أو الوقوف طويلا على أبواب سيبويه!

ذلك هو مما ينطبق على الشعر الكلاسيكي الموروث، والذي أصبح في مسمى هذا العصر الشعر العمودي، أو شعر التفعيلة، الخ... وقد قيل قديما إن من شروطه لمن يروم أن يبرز فيه، أن يكون حافظا جيدا للشعر، بحيث يجري على لسانه ما لا يقل عن عشرة آلاف بيت من الشعر، وأن يكون ملما بلغة الشعر ومفرداته، وبعلوم العربية وآدابها، وأن يتمتع أيضا بقسط وافر من الخيال المبدع... وتلك لعمري وصفة ولاشك مكلفة.

ولكني أعلم أيضا، أن من أصحاب المحاولات الشعرية، من استطاع الدخول الى (الحلبة) دون أن يتجرع شيئا من مرارتها، ثم اجتازها (أو خُيل له ذلك) وكأنه يقول للآخرين: «تفاءلوا بالشعر... تجدوه».

تعالوا معي الان نسأل بعض الشعراء، في أمر تجاربهم في الشعر، وما قالوه في ذلك. روى «عكرمة» - من العهد العباسي - قصيدة جميلة زعم أنها «يتيمة» ولم ينسب لقائلها يقول فيها الشاعر وهو في غاية السعادة من أمره:

وكنت اذا ما أردت القريض

تخبرني الجن، أشعارها

أروم صعاب قوافي القريض

حتى تذل، فأختارها

قواف يوردها صاحبي

إلي... وأكفيه إصدارها

ذلك شاعر قديم. ولدينا شاعر حديث يذهب الى النقيض من ذلك، وهو الشيخ عبدالحسين الحلي، الذي يبدو غير مرتاح، فهو يتهكم على الخليل بن أحمد بما اخترع من قواف وأوزان، إذ يقول:

... ولو أن القريض يصبح بستانا

فما فيه نخلة ذات غلة

أنا والله لا ارى الشاعر الفطحل

يجني بالشعر غير المذلة

ليس ينفك حائرا لو تراه

لم تخله الا غريقا بوحله

قلل الله منه كل كثير

وكفانا بوافر العز، ذله

وأرانا (بحوره) غائضات

وقوافيه غائصات برمله

وأعاريضه، تقطع أوصالا

ومنها (الروي) يعدم وصله

ليراها (الخليل) وهي تماثيل

من السود، في البرية مثله

وإن جاز لي أن أضيف شيئا مما قلته، قلت ما يلي:

لا أنظم الشعر إلا عن طواعية

ولا اقول بأني شاعر العرب

إن أمني الشعر أدنيت الوساد له

وإن تناءى، تناءى غير محترب

تخذته لي خلا، إن صفا فله

مني الوصال، وقد يجفو بلا سبب

والشعر إن جاء كرها فهو منتقص

وإن اتى طائعا... يأتيك بالعجب

على أني أخشى - بل أتوقع - بعد كل ما ذكرته عن محاولات نظم الشعر، أن يظن القاريء، أنني ادعو الى انصراف محبي الشعر عن محاولة نظم الشعر، وليس الأمر كذلك. بل الأولى أن أحثهم على المثابرة بإصرار وعناد، ولكن مع استيفاء مقومات الشعر في الشكل والمضمون. وسأختم هذا الفصل بمداعبة مع (بنات الشعر) لاعود اليه في فصل قادم - بهذه الابيات:

شغلت بالشعر عن الشعر

فسل (بنات الشعر) عن أمري

سايرتها في كل ما تشتهي

رضيت بالقيد وبالأسر

أعطيتها جهدي وفني فما

جادت بإحسان ولا شكر

سكبت أفراحي على خدها

فازهرت في وجنة السطر

ذوبت أحلامي على جفنها

من كل طيف غامض السر

ألبستها الاثواب قد وشيت

أطرافها بالانجم الزهر

تسحب فوق الغيم اذيالها

وتكتسي من زبد البحر

حتى اذا مرت أمامي وقد

تألقت... بالوشي والعطر

ناشدتها: ما أنت؟ قالت إذا

أردت أن تعرف سل غيري





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً