العدد 524 - الأربعاء 11 فبراير 2004م الموافق 19 ذي الحجة 1424هـ

الاختزال والتجريد... سمة لحضارات بلاد الرافدين

أكثم عبد الحميد:

النحت اجتراح آخر للروح وليس الشكل فحسب، هو ذهاب نحو تقمص تلك الروح المنشغلة بصراخها وسكونها الأبدي ربما، وبين الحالين يقف الفنان متأملا المساحات البور فيهما محاولا ما قدّر له ذلك أن يعمّر القمين بالاستمرار والمضيّ لتأكيد حال من الدهشة تعتري العالم فيقتنصها هو بروحه القلقة.

اشار الفنان السوري أكثم عبد الحميد الى توافر قطع فنية بالمتاحف البريطانية تستوحي الكثير من مقاييس التشكيل والتعبير كالاختزال والتجريد للحضارات القديمة خصوصا حضارات ما بين الرافدين. وكان بيت الزايد لتراث البحرين الصحافي أقام معرضا لأكثم عبد الحميد يوم الأحد الموافق 25 يناير/ كانون الثاني الماضي عرض فيه مجموعة من المنحوتات الخشبية التي بدا فيها تأثره واضحا بالترميزات الفنية للحضارات القديمة.

وعلى هامش معرضه الفني الذي نظم في بيت الزايد لتراث البحرين الصحافي كان لـ «الوسط» لقاء بالفنان السوري أكثم عبدالحميد، إذ شدد على أهمية فن النحت، وعلى جمالياته التي تنبع من الأصول الفنية الغنية برموزها وأساطيرها.

نفرد اللقاء هنا:

من الملاحظ قلة المشتغلين بفن النحت، بينما الأعمال التشكيلية تشهد حضورا كبيرا، ما سبب ذلك؟

- يروى أن شخصا قصد «بوذا» سائلا اياه أن يعلمه النحت، فقال له بوذا اذهب فتعلم الرسم والفلسفة والموسيقى، ثم ائتني لأعلمك النحت. هذه الحكاية تعبر عن مدى أهمية فن النحت وصعوبته، فالكثير من الفنانين يهربون من النحت الى التشكيل، لذلك ليس مستغربا أن نجد قلة من الفنانين فقط يعتمدون النحت في أعمالهم.

ولكن مواد النحت مواد ثرية، فالخشب مثلا مادة غنية للغاية؟!

- صحيح أن الخشب مادة غنية بحضورها، ولكن النحت على الخشب غير النحت على الحجر، ذلك أن الخشب تكمن صعوبته في ادخال الآلات فيه، فهو محتاج الى عمل يدوي أكبر، فقد أسلخ من عمري ثلاثين ساعة في عمل نحتي على الخشب فأكتشف نخورا داخل الجسم الخشبي فلا أجد أمامي الا تركه. وتكون صعوبة العمل أكبر فيما لو أعتمد الجسم بالكامل وهو الأمر الملاحظ في أعمالي، فأنا لا أترك للشكل النحتي فرصة احتوائي، لذلك من المهم جدا بالنسبة إلي أن تكون فكرة العمل منتهية في ذهني. لكل ذلك يبتعد الكثير من الفنانين عن النحت مفضلين الأعمال التشكيلية.

البعض رأى في معرضك تركيزا على الانسان ألغى الكثير من لمسات التزيين؟

- برأيي أن الفن مرتبط بالانسان، لأن أول عملية ابداعية وهي الرسم على جدران الكهوف كانت تحكي الطبيعة وهموم الانسان، هكذا أرى الفن وأؤمن به، فأي ابعاد للفن عن هموم الانسان معناه أن يتحول العمل الفني الى مجرد تزيين وهذا ما أرفضه.

والبعض رأى فيه تأثرا كبيرا بالحضارات القديمة وحضارة الرافدين خصوصا؟

- عندما أنهيت دراستي في كلية الفنون الجميلة، ذهبت الى بريطانيا للتخصص، فكنت حريصا على زيارة متاحفها، والتأمل في الأعمال الفنية، فشد انتباهي أن أجمل هذه الأعمال كانت تلك الأعمال التي تحكي مفردات التشكيل والتعبير لحضارات الرافدين وبلدان الشام، كما أنني شاهدت هناك اختزالا وتجريدا في بعض القطع الفنية يعادل ما توصلت إليه أهم المدارس الأوروبية، وأتصور أنه لو قدر الله لهذه الحضارات أن تستمر من دون انقطاع لكان حريا بها أن تغير العقل الجمالي.

وهل ينسحب الأمر الى الأساطير أيضا؟

- لقد استفدت غاية الافادة من الأساطير، فأسطورة مثل أسطورة جلجامش أسطورة تعبر بمفرداتها عن الانسان وحياته وختامه، وهي توازي بل تتفوق بروعتها على أجمل أساطير الغرب، فالأساطير تخلق الكثير من الأحلام، أحلام تعبر عن استمرارية الحياة وعن الطفولة.

فما سبب كل هذا الحضور للمرأة في أعمالك؟

- اعتمادي على المرأة كمفردات فنية تأتي من ايماني ومعرفتي بأنها عبر التاريخ كان لها دور مهم في المعارف والدين، فجسدها مرتبط بعلم الفلك والولادة والموت والأمومة وبغيرها من المفردات الفنية الجميلة، كما أن لجسمها انحناءات أقرب الى أغصان الشجر.

ولكن مسحة الحزن والوجوم لا تفارق وجوه منحوتاتك؟

- مسحة الحزن والوجوم ليست متعلقة فقط بهذه الأعمال، فنحن نجد في حضاراتنا ومواويلنا هذه المسحة، ولكنه الحزن الجميل الفعال وليس الحزن المتفاعل فقط، وهذا الحزن هو الذي أعتمده في وجوه أعمالي، كما أنني أعتمد العين المثلثة وهي عين أمي.

جميع الأعمال الموجودة في المعرض متوسطة الحجم، فهل كل أعمالك متوسطة الحجم؟

- عملت على جميع الأحجام الصغيرة والكبيرة والمتوسطة، وفي سورية أعمال ضخمة كثيرة لي، ولكن عند التفكير في معرض خارج بلدك تواجهك مشكلة النقل لكل هذه الأعمال الضخمة، لذلك ارتأيت التوسط باختيار الأعمال المتوسطة.

وهل تعتمد المقاييس الغربية أم الشرقية في أعمالك؟

- ان المدارس الأوروبية خلقت نتيجة الفلسفة الحالية لهذه الشعوب، فهي اذا غريبة عن فكرنا وقيمنا، وأتمنى من جميع نقادنا أن لا يعتمدوا على مقاييس هذه المدارس، فنحن لنا مقاييسنا ومدارسنا المستمدة من تراث انساني عظيم، فاعتماد الفنان «جياكو» مثلا في نسبة الرأس للجسم، لم تكن مستمدة الا من الحضارة الفينيقية التي تعتمد في نسبة الرأس للجسم واحد على عشرة، وكذلك الأمر في اقتراب الرأس من الأكتاف.

وهل وجدت ما أثار استغرابك في البحرين بوصفك فنانا؟

- عند رؤيتي للأختام الأسطوانية التي لا تتجاوز السنتيمترات بمتحف البحرين الوطني، تساءلت مندهشا عن الموهبة الكبيرة التي استطاع بها هؤلاء الملاحين تشكيل هذه الأختام المتناهية في الصغر. حقا أن شعب البحرين شعب عريق ذو حضارة تمتد الى أكثر من أربعة آلاف سنة





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً