العدد 523 - الثلثاء 10 فبراير 2004م الموافق 18 ذي الحجة 1424هـ

ماذا تقول أرقامك يا سيدضياء؟

فليُخرِج «الزارَ» من بيته أولا!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ذهب احدهم للدراسة في بلد خليجي محافظ، وعاد إلى قريته بعد عام، وكان اول مشروعات الإصلاح التي اقترحها على أبناء قريته: علينا أن نعمل على تحرير المرأة، وتخليص النساء من ممارسات «الزار»! أحد الحضور انبرى له قائلا: إن نساءنا لا يمارسن الزار، فاذهب إلى أمك واخواتك وخلّصهن من الزار.

ما ذكّرني بهذه القصة الدعوة التي سمعناها قبل فترة، تدعو إلى وضع ميثاق شرف للصحافيين، وكأن القيود تنقصهم! ومادامت المسألة في طور «الطبخ» فينبغي الإعلان عنها ليعرف الناس ما يجري في المطابخ الخلفية، لما له من انعكاسات على ما تحقّق من تغيرات ايجابية في حياتهم الاجتماعية والسياسية، مهما اختلفت وجهات النظر بشأن مداه.

المشكلة الكبرى في اقتراح «ميثاق الشرف» الجديد للصحافيين ان البعض ينطلق من فرضيةٍ غريبةٍ جدا، وهي ان المطلوب من الصحافي أن يخرج من جلده وانتمائه وايديولوجيته ليكتب ما يُراد منه وُيملى عليه! ولو طبّقت هذه التصورات «الستالينية» الغبية لتحوّلت كل الأقلام إلى أغنامٍ سائبةٍ في البرية!

معضلةٌ ليس لها إلا السيدضياء!

المنطق البديهي يفرض على من يدعو إلى التخلص من ممارسات «الزار» البحث في زوايا بيته أولا، ثم يمد عنقه إلى بيوت الآخرين! ومن كان بيته من زجاج فلا يقذف الآخرين بالحجارة كما يقول المناضل الأنجلوأميركي توم بين رحمه الله!

والعدل يقتضي أيضا أن يصلح الإنسان شأنه قبل دعوة الآخرين إلى ذلك، فإذا كان لا يدرك آثار ما يختاره من مانشيتات «فاقعة» على اقتصاد البلد وهز الثقة بالوضع العام وما يثيره من بلبلة الشارع بهذه الطريقة، فعليه أولا أن يحاسب نفسه على ما اقترف.

الأرقام المشكوك فيها التي تصدّرت الصفحات الاولى في الأيام السابقة تستدعي المحاسبة والسؤال عن المصدر، ومدى دقتها، ومن أين جيء بها، فمن حقنا كمواطنين أن نسأل، ومن الواجب على من روّج هذه الأرقام أن يدلنا على المصدر الموثوق، وإلا فإن العالم اليوم لا يصدّق الطنطنات.

الأرقام الرسمية التي سيقرأها الناس اليوم أو غدا، والمأخوذة من الإدارة الرسمية المختصة بالهجرة والجوازات، تقول ان حركة السفر في فترة عيد الأضحى هذا العام شهدت زيادة قدرها 8408 مقارنة بالفترة نفسها من أضحى العام الماضي، وبالأرقام: ارتفع العدد من 184755 إلى 193163، فمن أين جاء الرقم الآخر؟

لكن...إذا كانت بعض الأقلام تمارس عملها على طريقة «الزار»، فمن الأصلح المطالبة بإخراجه منها، وخصوصا ان آثار صرخاتها وتشنجاتها تزعج البلد برمّته!

ومن وحي التجارب القريبة والبعيدة، نرى من الصعب أن ننتظر الأرقام الصحيحة من الجهات التي روّجت تلك الأرقام المريبة، وبالتالي ليس لهذه المعضلة إلا السيدضياء، وأملنا به كبير بموافاتنا بالأرقام التي تكشف الغث من السمين!

إخراج «الزيران»!

مرة أخرى، إخراج «الزار» يبدأ من البيت أولا. وتذكيرا: ذهب أحد أبناء الدار إلى العراق بعد سقوط حكم البعث، وعاد بتحقيقٍ صحافي غير مسبوق معلنا لشعب البحرين ان نظام صدام كان «مضطرا» لإبادة الأكراد في الشمال، وإبادة الشيعة في الجنوب، في وقتٍ كان العالم يشاهد المقابر الجماعية والأفلام الوثائقية لصنيع صدام في مدن الشمال والجنوب.

وأن ينصّب أحد المسكونين نفسه ناطقا رسميا وحيدا يدافع عن «وجود» و «مستقبل» جماعة كبيرة من الناس، ويدأب على النفخ في أبواق الإثارة الطائفية والاستفزاز «الإثني»، يعمل كالحداد أمام الكير، دون أن يرفّ له ولا لمن حوله جفن، ثم لا نسمع عن ميثاق شرف يدرأ عن الوطن رياح السموم.

مُوَلوِلَةٌ أخرى دأبت منذ عشرة أشهر على الندب والنواح المفجوع، بعد أن شقّت جيبها ونشرت شعرها، وأخذت تصيح بالويل والثبور وعظائم الامور، وسكبت أنهارا من الدمع السخين على فقيد الامة وفارسها صدام حسين. العالم نساه ونسى بطولاته الورقية منذ اقتيد من جحر الفئران، إلاّ هذه العاشقة الولهى التي مازالت ناشرة الشعر مشقوقة الجيب... تراها فتتذكر تلك الغجرية التي وصفها الروائي الفرنسي الكبير فيكتور هيغو في رائعته: «أحدب نوتردام»أو «البؤساء»! وما اكثر البؤساء! ما أكثر البؤساء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 523 - الثلثاء 10 فبراير 2004م الموافق 18 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً