تحتفل إيران اليوم بذكرى مرور ربع قرن على الثورة. ومثل كل مناسبة لابد من مراجعة دفتر الحسابات وقراءة موازين الربح والخسارة لمعرفة المسار الذي تتجه إليه الأمور في المستقبل.
عموما يمكن القول إن كفة الربح في ميزان الحسابات هي الراجحة. فإيران اليوم بمختلف المقاييس أفضل مما كانت عليه قبل 25 سنة، وأفضل مما كانت عليه قبل عشر سنوات. فالاتجاه العام هو التقدم على مختلف المستويات سواء في نسبة توزيع الثروة، أو نمو طبقة وسطى طامحة نحو المزيد من التجديد، أو على مستوى الانجازات التي حققتها في حقول متعددة من التنمية البشرية أو التقنية أو الاقتصادية.
وسياسيا إيران اليوم أفضل من السابق في حال تجاوزنا الأزمة التي تمر بها الآن وكان بالامكان تجنبها لو نظرت الاطراف إلى المسألة بمنظار التسامح والرؤية المشتركة لمصالح الدولة والمجتمع. فالأزمة الأخيرة شوشت على النموذج الدستوري الذي حرصت طهران على تطويره ضمن مداخل قانونية مضبوطة... إلا أن التشويش لا يعني أن القيادة الإيرانية باتت عاجزة عن التكيف مع المستجدات وابتكار الحلول التي تساعد على احتواء عناصر الأزمة.
هذا الكلام لا يعني أن إيران على أفضل حال وأنها في وضع لا تشوبه شائبة. فنجاح النموذج له صلة بالمقارنة بظروف المنطقة المحيطة به. والنجاح في هذا المعنى يخضع للمعايير النسبية قياسا لما هو حاصل في الدول المحيطة بإيران. وبهذا المعنى تعتبر إيران هي الأفضل وليس بالضرورة أن يكون هذا «الأفضل» هو المرتجى أو الهدف النهائي.
فتحت سقف «الأفضل» هناك الكثير من المحاذير والمخاوف منها وعليها. وحين يجري الحديث عن محاذير ومخاوف فهذا لا يعني انتقاصا من النجاحات بل محاولة للتنبيه من مخططات تُتداول ضدها بين مجموعة الشر التي تتحكم بالقرار الأميركي في «البنتاغون». فهذه المجموعة وضعت أمامها سلسلة أهداف تعطلت بعض حلقاتها بسبب فشل الاحتلال ميدانيا في أفغانستان والعراق. ولكن الفشل الميداني لا يعني بالضرورة فشله السياسي وتراجع البنتاغون عن مشروعها الاستراتيجي.
واشنطن حتى الآن لم تتخل عن مشروعها ولكنها مالت بعد الاحباطات المتكررة إلى إغلاق بعض أوراقه وملفاته بانتظار ظروف مناسبة وفي ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية التي ستتضح معالمها في نوفمبر/ تشرين الثاني. وبعد ذلك يكون لكل حادث حديث.
ومن الآن إلى تلك الفترة لابد من الانتباه حتى لا تفتر الهمة وتعود الاطراف المتخاصمة داخل إطار الدولة إلى التدافع من دون احترام لقواعد الدستور ومستلزماته.
المسألة الداخلية مهمة في تقرير العلاقات الخارجية. ولا يكفي القول إن مختلف الاطراف متفقة على دعم القضية الفلسطينية ورفض التحالف المجنون بين واشنطن وتل أبيب. فالاتفاق الآن لا يعني أن المسألة الداخلية غير مرتبطة بالتطورات الدولية والتحولات الاقليمية المجاورة لإيران. بل يمكن القول إن ما حصل في أفغانستان والعراق من تغييرات جذرية له صلة أو على الاقل له تأثيراته القوية على توازنات القوى الايرانية.
فما حصل في أفغانستان والعراق يمكن تكراره في إيران ليس وفق السيناريو نفسه (حصار وحرب واحتلال) بل من خلال أدوات ووسائل أخرى تتناسب مع طبيعة المجتمع وتركيبة الدولة.
هناك الكثير من الأوهام صدرت عن مؤسسات بحوث ورصد مالت إلى القول إن طهران ارتاحت نفسيا وسياسيا بعد سقوط حكم «طالبان» في كابول ودولة صدام في بغداد وإنها أفضل من السابق من الناحية الاستراتيجية.
هذا التحليل قائم على مجموعة أخطاء مدمرة. صحيح أن طهران قبل ثلاث سنوات كانت منزعجة من حكم «طالبان» بسبب اختلاف نموذجه وتحرشه الدائم من خلال الحدود (أقليات، وطوائف، وعمليات تهريب) إلا أن «طالبان» لم تشكِّل في يوم من الأيام خطرا استراتيجيا أمنيا على سيادة إيران واستقلالها كما هو قائم الآن بعد الاحتلال الأميركي لأفغانستان.
وصحيح ايضا أن طهران قبل سنة كانت متضايقة من نظام صدام ومزاجه وتقلباته وعدم ثباته على موقف إلا أن نظامه المحاصر منذ أكثر من 12 سنة كان في وضع ضعيف لا يسمح له بتهديد أمن إيران وسيادتها واستقلالها كما هو الخطر الاستراتيجي القائم الآن على حدودها من جهة العراق. نظام صدام مزعج لكنه لم يتطور إلى درجة تسمح له بتهديد إيران وتدمير انجازاتها أو على الأقل تعطيل حقها في التقدم والتطور.
الاحتلال الأميركي للعراق وأفغانستان وضع إيران أمام منعطف استراتيجي كبير يهدد قوتها وإمكانات تواصل نموها لتحقيق الاستقلال الاقتصادي بعد أن نجحت في انتزاع استقلالها السياسي. فالمخاطر ازدادت وبالتالي أصبحت المخاوف على إيران أكثر من السابق وخصوصا حين تتطور الخلافات على مسألة داخلية كان بامكان مراجع الدولة تجنبها في وقت تبدو فيه في أمسِّ الحاجة إلى التضامن والتكاتف لدرء الاخطار التي تحدق بها من شرقها إلى غربها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 523 - الثلثاء 10 فبراير 2004م الموافق 18 ذي الحجة 1424هـ