لم نكن ندري أن هناك من يعشق «الفن» في البحرين إلى درجة الجنون. ولم نكن نعلم أن هناك من هو مستعد للرقص على أنغام الطبول الافريقية على طريقة الهوتو والتوتسي حتى لو اضطر إلى الكذب والتزوير. ولم نكن نتصور أن هناك من يمارس «التهويل والتحشيد والتجييش» في كتاباته ثم يهرب كالبدوية التي قيل فيها «رمتني بدائها وانسلت»، وفوق ذلك يطالب بالاجتماعات لوضع الضوابط الاخلاقية للصحافة في البحرين وتوقيع ميثاق شرف! وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بتوسعة مجالات الاستثمار وفتح الأبواب أمام اتفاقات التجارة الحرة، نرى هذه الحملات تصبّ في اتجاه دفع رؤوس الأموال الأجنبية إلى الهروب، بسبب هذا الطرح المهوّل للأمور.
مدفعية الكاريكاتير!
فطوال أسبوع كامل وشعب البحرين يقرأ مع تناوله قهوة الصباح الافتتاحيات «الصاخبة» والمقالات «التحشيدية»، حتى «مدفعية» الرسوم الكاريكاتيرية دخلت الميدان في اللحظات الأخيرة من المعركة! الكتائب جاهزة، و«الفدائيون» متأهبون على الدوام، والكل في انتظار الأوامر لشن الهجوم! المطلوب فقط تحديد «العدو» الارهابي المفترض، ليلعلع الرصاص. بعد ذلك يطالب من يطالب بوضع ميثاق شرف للصحافيين الذين لا يحترمون الناموس!
وطوال أسبوع كامل كان المتابع يسأل والحيرة تتملكه عمّا وراء هذا الدخان الكثيف، ويعقد الخوف لسانه جراء هذا التحشيد الغريب، حتى يظن أن هناك تراجعا عمّا تم الاتفاق عليه بين الجميع، أو التلويح بالهراوات القديمة. ولم تتضح الصورة أو جزء منها على الأقل إلاّ بعد قراءة الإعلان المنشور أمس الأول.
كانت الحملة مركّزة إلى درجة تجعل المرء يذهب بعيدا وراء الخيال، فيتصوّر ان وراءها اهتزازا حقيقيا أصاب اقتصاد البلد، كيف ونسبة الإشغال في الفنادق تدنت - ويا للهول والفاجعة - من 106 إلى 72 في المئة! وما أثار القلق هو انتحاء الحملة «الذكية» جدا طريق الهجوم على الجمعيات التي سيّست البلد، حتى نقلت السياسة إلى بر الصخير، فحسبنا انها «هجمة استباقية» على طريقة الرئيس الملهم جورج دبليو بوش، لكن عندما ظهر الاعلان الذي تتوسطه صورة المطربة المحبوبة نجوى كرم معشوقة الجماهير في البحرين بطل العجب!
المشاركون في الحملة الذكية «غير الترويجية» فاتهم -سهوا أو عمدا - ان الموسم موسم حج، وأن هناك 12 ألف بحريني على الأقل قصدوا بيت الله الحرام، ولم يخرجوا للسياحة هنا أو هناك. فخلط الأوراق ليس من الشيم التي تقتضيها مواثيق الشرف، حتى يحسب هذا العدد ضمن الهاربين من البحرين التي حوّلها البعض إلى جحيم، لأنهم نقلوا السياسة إلى الطبيعة العذراء في الصخير!
لا عزاء لنانسي!
ثم ان من المخجل حقا أن تتكشف الأمور عن انه لم يكن وراء كل هذه الحملة غير تمهيد الأرضية لمطربة «فضائية» ستشارك في حفل قادم. ومهما يكن رأي الإنسان في هذا النوع من «الفن» فانه لن يطرحه على الملأ، ولكن أن تنبري كبار أقلام البلد وتدبج الافتتاحيات في تنسيق دقيق للأدوار، ويعقد مؤتمر صحافي لوزير مرموق ليتحدث عن دبي والكويت فيما يغمز من قناة بلدنا الحبيب البحرين، فذلك ما سيسجّله مؤرخو الصحافة في هذا البلد بكثير من الريبة والشكوك، لما نعيشه هذه الفترة ويتوقفون عند مفارقاتها طويلا.
كلمة أخيرة من شغاف القلب لابد من البوح بها: أهلا وسهلا ومرحبا بالمطربة المحبوبة المحظوظة نجوى كرم في البحرين التي ستجد من ضمن عشاقها ومريديها مراهقين في الستين، والعزاء للمطربة الفاضلة سيئة الحظ نانسي عجرم، فكانت تستحق ما هو أفضل مما لاقته من صدود في البرلمان دفعت ثمنه الإشارة الضوئية المسكينة عند مدخل قرية «الديه»! ولا عزاء لنانسي مرة أخرى، فهي لم تحظَ باستقبال إعلامي حافل، واستنفار ضخم للكتائب دائمة الاستنفار تمهيدا لحفلتها الموعودة. وكل عامٍ والفن بألف خير
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 522 - الإثنين 09 فبراير 2004م الموافق 17 ذي الحجة 1424هـ