العدد 522 - الإثنين 09 فبراير 2004م الموافق 17 ذي الحجة 1424هـ

العراق... وبعثة التقصي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ما النتائج التي يمكن أن تستخلصها بعثة تقصي الحقائق التي أرسلتها الأمم المتحدة إلى العراق برئاسة الأخضر الإبراهيمي؟

عنوان مهمة البعثة هو البحث في إمكانات نقل السلطة من الاحتلال إلى العراقيين قبل نهاية يونيو/ حزيران المقبل. والمسألة التي تريد البعثة التركيز عليها هي بحث إمكانات إجراء انتخابات في مختلف الأراضي العراقية تسفر عن تشكيل هيئة شرعية منتخبة تحظى بثقة الشعب وتستطيع قيادة الدولة (المنهارة) إلى الاستقلال والسيادة.

عنوان مهمة البعثة كبير لأنه يواجه صعوبات ميدانية نتيجة التفكيك الذي ضرب الدولة بعد الحرب وما أسفرت عنه من عمليات نهب وسرقة والغاء للمؤسسات السابقة.

إلى الصعوبات الميدانية هناك صعوبات سياسية ناتجة عن الشكوك المتبادلة الموجودة بين مراكز القوى والمرجعيات والهيئات الفرعية التي تشكلت في الشهور العشرة الأخيرة. عدم الثقة هذه تشكل ثغرة سياسية في القرارات (التوصيات) التي ستخرج بها بعثة التقصي. فإذا قالت البعثة إن الظروف غير مناسبة لإجراء انتخابات فهناك فئة سياسية سترفض التوصية متهمة البعثة بالانحياز. وإذا قالت إن الظروف مؤاتية فهناك فئة سياسية سترفض التوصية بذريعة أن البعثة ليست محايدة في تصوراتها.

مهمة بعثة التقصي صعبة فهي من الصعب عليها أن تختار الوجهة أو تحدد الهدف إذا كانت القوى الفاعلة في المجتمع غير قادرة على الالتقاء والتفاهم على صيغة دستورية تحصن البلاد من الغزو الخارجي وتحميها من الاختراق والتفكك.

مهمة البعثة صعبة وستزداد صعوبة وربما تحولت موضوعة الانتخابات إلى حقل للتجارب السياسية تنجذب إليه مختلف القوى الأهلية إلى إضراب داخلي يزيد من تفكك العراق وربما يدفعه إلى حال من التشرذم إلى دويلات ضعيفة غير قادرة على الحياة من دون اسناد خارجي ومساعدات دولية وإقليمية.

إلى ذلك يمكن إضافة العامل الأقوى الآن في توازنات العراق وهو دور الاحتلال وخطته في منع تكاتف القوى التوحيدية الأهلية وعزلها عن بعضها حتى لا تقوم للعراق قائمة في حال قررت واشنطن الانسحاب إلى قواعد عسكرية ومهابط طيران ومراكز الحدود استعدادا لأوامر جديدة تنتظرها من واشنطن بعد انتهاء عاصفة الانتخابات الرئاسية.

المرجع الديني السيدعلي السيستاني اتهم الاحتلال بالابتزاز والتحريض على الطائفية ووضع البلاد أمام أحد الخيارين أما القبول بالاحتلال أو الانجرار نحو الحرب الأهلية.

هذه التهمة صحيحة. فالاحتلال يريد أن يحول انسحابه إلى مشكلة أهلية وبداية اصطراع على السلطة والنفوذ. والمشكلة الأكبر تكمن في أن الاحتلال أخذ يهدد الآن بالانسحاب مستفيدا من اختلافات وجهات النظر السياسية والمخاوف المتزايدة من احتمال تطور الاختلاف إلى نوع من الاقتتال الداخلي. ولا شك أن موضوع الانسحاب الأميركي قبل توصل المراجع والفرقاء والهيئات إلى تفاهم وطني مشترك على اتخاذ إجراءات موحدة سيؤدي (وهذا احتمال مرجح) إلى نشوء ما يشبه الفراغ الأمني في وقت لا يملك العراق قوة تسمح له الامساك بالأمن والسيطرة على الوضع.

الفراغ الأمني (السياسي في النهاية) هو موضوع الابتزاز الذي يهدد الاحتلال بطرحه كخيار على الشعب العراقي في حال فشلت الولايات المتحدة في ضمان وجودها كقوة وحيدة ومهيمنة على بلاد الرافدين. والفراغ يعني عمليا محاولة استدراج مختلف الفئات التي يتشكل منها المجتمع سياسيا وطائفيا إلى تصادم أهلي بسبب تنافس القوى وازدحامها لتعبئة الفراغ المحتمل قيامه في حال انسحبت قوات الاحتلال إلى داخل مناطق الحدود وتمركزت في المطارات والقواعد العسكرية.

الولايات المتحدة تلعب الآن في العراق لعبة خطرة، فهي بعد أن خالفت كل القواعد السياسية الدولية وانفردت بقرار الحرب بالضد من العالم تريد الآن تحويل انسحابها بعد فشلها الميداني إلى حرب ابتزاز يتقاتل أهل البلد فيها على التركة السياسية. وقصد واشنطن من اللعبة الخطرة شديد الوضوح فهي تهدف إلى الانسحاب إلى داخل البلاد لتراقب المواجهات الأهلية المحتملة بانتظار أن تحين الفرصة لتجديد عودتها ثانية بطلب من الأمم المتحدة وربما من القوى السياسية العراقية المرهقة من كثرة تصادمها وتخابطها.

تواجه بعثة تقصي الحقائق برئاسة الابراهيمي صعوبات كثيرة إلا أنها تستطيع انقاذ الشعب العراقي من كارثة أهلية في حال توصلت إلى اتفاق مع مرجعياته الفعلية يشتمل على نقاط واضحة تبدأ بإعادة الملف العراقي إلى الأمم المتحدة والتفاهم على استبدال القوات الأميركية بقوات دولية مشتركة (القبعات الزرق) تكون مهمتها الأولى منع الاحتراب وتصادم مراكز القوى والاشراف على إجراء انتخابات نزيهة بعيدا عن تدخل قوات الاحتلال. فأميركا لا تريد الخير للعراق والأمم المتحدة ليست البديل ولكن الوقائع تفرض التفكير بخطة ميدانية مؤقتة ترفع الاحتلال وتمنع الاحتراب الأهلي وهذا لا يتم إلا بمساعدة دولية شرعية. وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجه بعثة التقصي فهل تنجح؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 522 - الإثنين 09 فبراير 2004م الموافق 17 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً