الغاء حق الترشيح في دورة تالية كان الأساس السياسي للأزمة الناشبة الآن في البرلمان الإيراني. وهذا الالغاء فتح باب النقاش مجددا على طبيعة الدستور الذي يوزع الصلاحيات على هيئات متوازية تراقب بعضها بعضا تجنبا لحصر الصلاحيات في دائرة واحدة. فالنقاش الآن انتقل من صيغة التعادل في الصلاحيات إلى نقد القوى المكلفة بممارستها، وبالتالي التشكيك في صوابية القرارات وانحيازها إلى نوع من التصنيف الذي يجد فيه البعض محاولة اقصاء طرف من حقه التنافس على مقاعد يعود للناخب تحديد الأشخاص المؤهلين لاحتلالها.
لا شك في أن قرارات مجلس صيانة الدستور أثارت ردود فعل فسرها البعض انها تجاوزت صلاحياته بينما رأى البعض الآخر أنها مجرد خطأ في التقدير. ويرجح أن تكون كذلك.
هذا الخطأ في التقدير فتح الباب أمام الأزمة وأضعف من صدقية اختيارات المجلس وأعطى ذريعة قانونية للنواب للاحتجاج على صلاحيات مجلس وظيفته حماية الدستور لا معاكسة توازن القوى التي يتألف منها المجتمع.
الخطأ في التقدير كان نقطة ضعف لمجلس الصيانة ونقطة قوة للنواب الأمر الذي يفسر طبيعة الهجوم الذي قاده البرلمانيون من الرفض إلى الاستقالة وأخيرا إعلان المقاطعة، في مقابل تراجع مجلس الصيانة وإقراره بتسرعه واضطراره إلى إعادة النظر في الكثير من قراراته السابقة ثم إعادة الاعتبار إلى بعض من حرمهم من تكرار الترشيح. وبمجرد أن يوافق مجلس الصيانة على الغاء الحظر على 250 مترشحا والسماح لهم بالمشاركة في الترشيح والانتخابات فمعنى ذلك أنه أخطأ ووضع الكثير من علامات الاستفهام على صحة قراراته وحياديته في ميزان العدالة. فالمشكلة الآن باتت معكوسة واحتمال تطورها نحو المقاطعة الشعبية، وليست السياسية فقط، أصبح واردا أكثر من السابق.
لا شك في أن المقاطعة مسألة سيئة وتدل على ضعف في الوعي السياسي، وفي بعض الدول تعتبر مخالفة قانونية لأنها تعطل إمكانات الاختيار والمفاضلة بين مترشح وآخر. فالدول المتقدمة تميل دائما إلى نظرية الاستقطاب وان الحياة السياسية لا تستقيم من دون وجود معارضة وحق الاختيار بين «لا» و«نعم».
المقاطعة سيئة إلى درجة أزعجت الرئيس محمد خاتمي الذي لخص موقفه بسلسلة تصريحات تعكس وعيه الدستوري الراقي، فهو استنكر قرارات مجلس صيانة الدستور ولم يعترض على صلاحياته التي هي جزء لا يتجزأ من الدستور الذي يقوم على فكرة تقاسم (توازن) الصلاحيات، وهو وافق على إجراء الانتخابات في 20 فبراير/ شباط الجاري لأن تأجيلها يطرح إمكانات تعطيلها ولكنه أكد عدم عدالة الدورة في اعتبارها عطلت حرية الاختيار على الناخب الإيراني وحقه في التصويت لاتجاهات ليست بالضرورة متطابقة في مواقفها، ولكنه رفض المقاطعة ودعا الناس إلى الاقتراع.
هناك أزمة سياسية وهي لا شك كبيرة وكان بالإمكان تجنبها ولكنها حتى الآن لاتزال مضبوطة تحت سقف القانون فهي لم تكبر لتطاول الدستور ولكنها ليست قليلة وأكبر من أن تكون مجرد أزمة برلمانية. فالأزمة موجودة وحتى الآن هناك إمكانات متوافرة لاحتواء عناصرها وضبطها دستوريا في الفترة المتبقية من اليوم إلى 20 فبراير
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 521 - الأحد 08 فبراير 2004م الموافق 16 ذي الحجة 1424هـ