العدد 2712 - الأحد 07 فبراير 2010م الموافق 23 صفر 1431هـ

محطات نضالية وإنسانية في حياة أحمد الشملان (2 - 2)

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

المحطات النضالية

 

المناضل الثوري الصادق هو الذي يدمج ويوّحد بين التنظير والعمل الميداني، فمثلما هو قادر على استشراف المستقبل عبر التحليل والتشخيص السياسي والفكري والفلسفي، هو قادر بنفس المستوى إن لم يكن أكثر، في تنفيذ المهمات الميدانية الخطرة والتي يتراجع في تنفيذها بعض السياسيين المنّظرين فقط.

وأحسب بأن الشخصية الكارزماتية (القيادية) التي تنخلق لشخصيات وزعماء أحد أهم تكوينها قناعة الجماهير وقواعد الحزب بتوازن السلوك لدى هذا القائد السياسي بين النزاهة وصدق القناعات وشجاعة الطرح وصلابة الموقف من جهة، وبين رؤية هذه الجماهير بقدرة القائد على تنفيذ المهمات الخطرة.

ومن جانب آخر يكشف التاريخ البشري وتاريخ الثورات والتحولات السياسية في أي مجتمع بأن دور الفرد في التاريخ لن يبرز، إلا لدى هذه الشخصيات الكارزماتية التي لها أدوارا ملموسة في تغيير مجرى التاريخ مع جماهير الشعب وقواه الثورية.

ومن واقع الشهادات التي سجلها رفاق أحمد الشملان في هذا الكتاب تنكشف هذه السمات القيادية لأحمد الشملان من جانب، ودوره المؤثر في المحطات السياسية من جانب آخر. فهو الذي رسم ونفذ خطة هروب عبدالله الزياني أحد أعضاء حركة القوميين العرب العام 1964 من البحرين بعد أن تمكن الأخير الهروب من سجن القلعة وأخفاه في منزله ومن ثم تهريبه بلباس والدته وجوازها إلى دبي ومن ثم إلى بغداد، حيث أصبح فيما بعد الصوت البحريني في إذاعة بغداد يقدم من خلالها تقارير عن يوميات انتفاضة مارس/ آذار 1965 المجيدة.

كما كان للشملان الدور الأساسي مع رفاقه عبدالله مطيويع وقاسم حداد والمرحومين عمر الشملان وعيسى رشدان في تنفيذ خطة تفجير دوريتين للشرطة بقنبلة يدوية أثناء انتفاضة مارس.

بجانب اعتماد الحركة الثورية الشعبية والجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي المحتل عليه سواء في تنفيذ المهمات داخل أراضي ظفار المحررة أو التخطيط لتفجير ثورات في عمان الداخل مع كوكبة من المناضلين، فضلا عن سرعة قدرة الشملان على المشاركة في القيادة المركزية لجبهة التحرير واعتماد الجبهة عليه في الكثير من المحطات سواء أثناء المجلس الوطني وقيادته للعديد من الفعاليات أو في محطته السياسية في التسعينيات إبان مرحلة العريضة الشعبية.

وفي السجون التي عاش فيها الشملان كان الصمود والتحدي وعدم الاعتراف هو بوصلته، وكان خير وسيلة للدفاع هو الهجوم، حيث كان الوحيد من المعتقلين الذي يبدأ منذ اليوم الأول من الاعتقال في شن هجوم من الشتم على المخابرات، بل كان يحرض ذاته أمام أية لحظة ضعف ويشحن معنوياته بالمزيد من الصمود لمواصلة حقده على المستعمر ويوظف حتى النمل التي كانت تعيش معه في الزنازين في معركته فيتخيل بأنها ترفض أكل خبز السجن لأنها تمتلك عزة النفس!


محطات التحولات الفكرية والسياسية

 

كشف الكتاب عن بعض المحطات التي كانت غامضة بعض الشيء لدى بعض السياسيين، ومنها محطة انتقال أحمد الشملان من الجبهة الشعبية إلى جبهة التحرير، فقد حسم الكتاب التسلسل التاريخي لهذا التحول وأسبابه التي بدأت بمراجعة الشملان الفكرية والسياسية وبالأخص بشأن مسألة الكفاح المسلح لعموم الخليج وعدم قناعته بهذا الطرح، وبالموقف المتشدد ضد الاتحاد السوفياتي السابق والانحياز الكبير لدى الظفاريين للفكر الماوي الصيني، بجانب أسباب تنظيمية أخرى، وقد روى الكتاب وعبر شهادات عديدة بأن قرار استقالته من الحركة الثورية الشعبية والجبهة الشعبية كان قرارا ذاتيا وليس من تأثيرات وتحركات بعض كوادر جبهة التحرير داخل السجون أو خارج البحرين، حيث جاء كل ذلك لاحقا وبعد أن حسم الشملان ذاتيا قراره هذا.

وأحسب بأن كشف هذا الأمر مهم للتاريخ ورد اعتبار للمناضل أحمد الشملان الذي لا يليق بشخصيته المعروفة لزعم أن تحركات أفراد وتأثيراتهم هي التي غيرت قناعاته، بقدر مراجعة فكرية جادة من قبل عقل مفكر وقارئ ومحلل منذ شبابه قادر على حسم خياراته الفكرية ومن ثم السياسية.

بيد أنني مازلت مترددا من حسم هذه المسألة معتقدا أن هناك أسبابا أخرى لدى الشملان للتحول الذي جرى في حياته السياسية وانتقاله من الشعبية إلى التحرير، فهناك عدد ليس بقليل سواء من كوادر الحركة الثورية الشعبية والجبهة الشعبية أو من كوادر اليسار العربي كانوا لا يؤمنون بصحة أطروحة الكفاح المسلح في عموم الخليج العربي والوطن العربي، ولا يؤمنون بالمطلق بصحة البؤر الثورية، ويؤمنون بصحة النضال السلمي في بعض هذه البلدان لغياب عوامل عديدة تحتاجها أية ثورة مسلحة، وكانوا لا يؤمنون بالخط الماوي الصيني بالمطلق، وينظرون للاتحاد السوفياتي السابق كدولة اشتراكية لديها العديد من التجارب الرائدة ويتحفظون على بعض مواقفها السياسية والفكرية، ولكنهم لم يكونوا يؤمنون بالانتقال من اليسار الماركسي إلى الشيوعية التي كانت تقودها موسكو.

ولذا أعتقد من الأهمية البحث بعمق أكبر في هذا الجانب، ليس فقط لكشف الغموض وإنما لتكون دروسا للأجيال الشابة الراهنة والقادمة وتعزيزا لقيم ديمقراطية هي طبيعية في المجتمعات ذات الأحزاب العريقة، بأن انتقال الكادر والأفراد من حزب لآخر مسألة طبيعية، بل وضرورية في بعض الأحيان، حيث أن الإنسان الديمقراطي ينظر للحزب كوسيلة لتحقيق غاياته السياسية والفكرية، وإذا ما أصبحت الوسيلة لا تحقق غاياته فمن الطبيعي أن يبحث عن وسائل أخرى تحقق له تلك الغايات، أو أن المرء عندما يغير قناعاته فمن الطبيعي أن يغير وسيلته (حزبه).

كما كشفت شهادات رفاقه بأن هذه الشخصية المناضلة كان منذ وجوده في الحركة الثورية الشعبية والجبهة الشعبية ولغاية انخراطه في جبهة التحرير وحتى مرحلة العريضة الشعبية كان رجلا ذا موقف ورؤى سياسية وفكرية ثابتة وواضحة وغير انتهازية من جانب، وكان جريئا في طرحها دون تردد وبوضوح، فهو لم يتردد أن يعلن مواقفه السياسية من مسألة الكفاح المسلح وضرورة التخفيف من الهجوم على الاتحاد السوفياتي السابق حتى في الاجتماعات المركزية للحركة الثورية الشعبية والتي كان فيها الشملان وحيدا في مثل هذا الطرح وبالتالي كان النقد مركزا عليه لدرجة كبيرة واتهم أكثر من مرة بالتحريفية.

وهو بالمقابل لم يتردد في موسكو أن يجادل رفاقه في جبهة التحرير عن انحيازه للتحولات الجارية في الحزب الشيوعي اللبناني ورفضه لصنمية وتقليدية مواقف الحزب الشيوعي السوري، الأمر الذي كان يثير جدلا لدى بعض الرفاق في جبهة التحرير بأن أحمد الشملان مازال يحمل الموروث القومي القديم.

وفي التسعينيات، كان الشملان معارضا للأصوات التي خرجت في صفوف اليسار ومنها جبهة التحرير بعدم جدوى التحالفات مع التيار الإسلامي، حيث كان له الدور الحاسم ابتداء في نص العريضة الشعبية ورفضه لبعض الدعوات بإلغاء الفقرات المتعلقة بالتيار الإسلامي، حيث كانت بوصلة الشملان متجهة نحو تحقيق المطلب الديمقراطي والدستوري وليس صوب تفجير خلافات ثانوية تحرف الصراع الأساسي.

وأخيرا أحسب بأن أحمد الشملان في جميع تحولاته الفكرية من الفكر الناصري إلى القومي واليسار القومي والماركسي وأخيرا للفكر الشيوعي التقليدي، بقي مخلصا لجملة من الثوابت الوطنية والحزبية فهو الوطني المدافع عن حقوق شعبه وهو الحزبي الذي احترم معايير وضوابط حزبه، وهو القومي الذي لم يتضعضع في الدفاع عن قضية العرب الأولى (فلسطين) ولم يتراجع عن مناهضة السياسات الأميركية في المنطقة العربية.

ويبقى في تاريخ المناضل أحمد الشملان محطات أخرى وشهادات رفاق مازالوا مترددين في كشفها لتضاف إضاءات جديدة في تاريخ مناضل ارتبطت حياته بتاريخ وطن بكامله.

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 2712 - الأحد 07 فبراير 2010م الموافق 23 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً