إن حَبَلت السياسات الأميركية القاسية بـ «جنين الحرب» فإن بطنها لن يُتِمّ شهره التاسع بالتأكيد. وإن شاءت الأقدار عكس ذلك، فإن المؤكّد هو أن المولود سيكون «خَدِيجا». بل الأكثر، حين تضعه ستكون عافيتها مهترئة، وشعورها بالإثم عارم وكأنها أنجبت سفاحا.
ما ذكرته صحيفة النيويورك تايمز قبل أيام حول نشر القوات الأميركية لثماني بطاريات صواريخ في أربع دول عربية خليجية، ولقِطَع عسكرية تراقب الساحل الإيراني ليست ترفا، لكنها أيضا ليست مشروعا جديا ينتظر ساعة الصفر. هو تزمين متعمّد مع أحداث إقليمية أخرى.
الموضوع مضى عليه أزيد من سنة في شكله الحالي، وستين سنة منذ أن أصبحت بعض دول المنطقة في شراكة دفاعية مع واشنطن، وبالتالي فهي «تطوير لإجراءات متخذة منذ عقود» كما قال وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة خلال لقائه بوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون.
مواقف دول المنطقة لا تدفع باتجاه التوتر أبدا. الموقف البحريني واضح في هذا المجال. بل إنه وفي أتون الإعلان عن ذلك كان وفد اقتصادي بحريني يُجري مباحثات خامسة في طهران بشأن الغاز. قطر بدورها أرسلت وليّ عهدها سمو الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني إلى طهران، وأجرى مباحثات على أعلى المستويات هناك.
عُمان، قالت على لسان أمين عام وزارة خارجيتها بدر بن حمد البوسعيدي بأن «موقف سلطنة عُمان ثابت ولا يقبل المزايدات من أحد أو على أحد أو الدخول في محاور وتحالفات ضد أية دولة»، مؤكدا أن «سلطنة عمان لا تسمح باستخدام أراضيها للقيام بأية عمليات عسكرية أو غيرها ضد أية دولة في المنطقة».
القضية هنا إذا هي حول توظيف الخبر وتزمينه من جانب الأميركي دون غيره. وهو جزء من التغذية المستدامة من قِبَله للضغط على طهران بهدف فتح ملف أو إغلاق آخر. وهي عادة في الدبلوماسية الدولية تُعمِلها حين تضيق بها الخيارات السياسية الناعمة، ويُصبح سعر الزمن معها ذا كلفة باهضة.
قد تسمع بأن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن يقول في الخامس من يوليو/ تموز 2009 بأن «من حقّ «إسرائيل» أن تُدافع عن نفسها في مواجهة التهديدات الإيرانية، وأن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تمنعها من ذلك» لكن أصلُ ذلك منسوخ بفعل سابق ولاحق.
وقد تسمع الجنرال تشاك وولد يقول في أغسطس الماضي «إذا فشلت الدبلوماسية والضغوط الاقتصادية فإن الهجوم العسكري الأميركي ضد إيران سيكون الخيار المتاح والمعقول» لكن ذلك ليس جوهر السياسات الحالية للولايات المتحدة في المنطقة.
فالسياسات تؤمّن قَدْرا من السِّلم، وقَدْرا آخر من المناورة، وقَدْرا ثالثا من التكتيك، وقَدْرا رابعا من المصالح. لكنها في النهاية لا تصنع الحرب إلاّ بمجموع ذلك. وهو أمر ليس بغريب، مادامت الحرب ذاتها تُنتج السلم، ويُنتج الأخير صنفا آخر من الحرب وإن بدَت بأطوارها المختلفة.
جزء من التصريحات، وجزء من مفاعيل السياسة والعسكرتاريا هي مُلكٌ للحظة وظروفها. وهي قد تُطلق لتعديل مسار، أو لتعضيد موقف، أو لاجتراح فرز، أو لصناعة أجواء ضاغطة باتجاه نقطة مُحدّدة ترفدها مجموعة متعددة ومتباينة من الخطوط.
يُمكن فهم ذلك بين الحين القريب والآخر البعيد ضمن مسطرة ممتدة من المواقف. قبل أيام قال مدير وكالة الاستخبارات الأميركية دنيس بلير كلاما يفيد بأن واشنطن وسط هذا الزحام من المواقف أصبحت ضمن خطّ «القبول الأوّلي» بإيران مختلفة، حتى ولو كانت باتجاه غير تقليدي، فضلا عن اتخاذ موقف عسكري ضدها.
بلير قال «إن التقدم الذي تحرزه إيران في تخصيب اليورانيوم، يؤيد الاستنتاجات التي وردت في تقديرات الاستخبارات الأميركية، والتي تفيد بأنها تمتلك القدرة الصناعية والفنية والعلمية التي تمكنها من إنتاج أسلحة نووية في السنوات القليلة المقبلة، إذا اختارت أن تفعل ذلك، ولكننا لا نعلم إذا كانت إيران ستقرر في نهاية الأمر صنع أسلحة نووية».
بالتأكيد ليس ذلك تسليما أميركيا مطلقا بإيران نووية، لكنه إقرار بأنها سياسة شراء الوقت، والمشي بجانب الهاوية التي اتبعتها الدبلوماسية الإيرانية، ساقت الدول الغربية لأن تصل مع طهران للمرحلة التي يكون فيها البرنامج النووي الإيراني «رادعا بالشّك» وبقاء قرار عسكرته أو تمدينه بيد الساسة الإيرانيين الذين يتحكّمون بتوقيت الإعلان.
أعود لدنيس بلير الذي كان يتحدث أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي وأسترجع ما قاله أمام اللجنة بشكل حرفي: «إيران استعدت لعقوبات دولية جديدة مُحتملة، عبر تحديد مصادر تزوّد بديلة ممكنة للبنزين ومنها الصين وفنزويلا».
هذا الحديث لأهم مسئول استخباراتي أمني يعني أنه يُقرّ اليوم بما جاءت به اللجنة التشريعية بالكونغرس قبل أكثر من عام والتي توصّلت إلى نتيجة مفادها أن العقوبات المفروضة على إيران منذ العام 1988 لم تُفلح في لَجْمِ توسّع عملها التجاري والاستثماري في مجال الطاقة الأحفورية.
يُدرك الأميركيون أن أوضاعهم، وكذلك ظروف المنطقة لا تحتمل قَدَمَا آخر من التدافع. ثم ان الخصم (وهو الأهم) يفرض منطقه على المعركة. ليس بالضرورة من خلال ما يملكه من عتاد، وإنما عبر جغرافيته، وعلاقاته الدولية، وموقع خاصرته من الإقليم، وهل هي رخوة أم صلبة.
المنطق يقول، بأنه وحين تستطيع واشنطن (أو حتى الكيان الصهيوني) احتواء القِطر الجغرافي الواقع ضمن النصف الجنوبي للمنطقة المعتدلة وسط القارة الآسيوية في خط العرض 25 درجة إلى 39 درجة شمال خط الاستواء (وهو موقع إيران)، فإن المشورة العسكرية تُصبح هنا: بادروا بالضربة فورا. لكن ذلك الاحتواء لن يتحقّق.
والمنطق يقول أيضا، بأنه وحين تستطيع الطائرات الأميركية اجتياز ما بين 950 – 1400 ميل، وتأمين محطّات منقولة للتزوّد بالوقود، وقيام الغارة الأولى باستهداف 1000 هدف كامل الدسم داخل الأراضي الإيرانية، بينها معامل المياه الخفيفة في بوشهر، والثقيلة في أراك، وسلاسل أجهزة الطرد المركزي، فإن المشورة العسكرية أيضا لا تكون إلاّ نعم، فلتنطلق الطائرات وتقصف أهدافها. لكن الأمر غير ذلك تماما.
وحين تكون التكنولوجيا الأميركية قادرة (بعد الضربة) على أن تُوقِف «تسرّب مادة اللودين 131 وسترونتيوم 90 وسيزيوم 137» التي ستتسرّب من المنشآت النووية الإيرانية لكي لا تتعرّض منطقة الخليج العربي للخطر المميت، فالرأي العسكري هنا: أن الضربة مأمونة، لكن في ذلك تفاؤل معتوه لن يضمن أدنى مستوى من الأمان البيئي.
هذه حقائق وليست هراء، ولأنها كذلك فمن الصعوبة بمكان تخيّل ما يُضادها من القول. الأكثر من ذلك هو الإدراك، أن جميع الأطراف لا تحتمل وقوع شيء غير ما هو قائم. فلا إيران تحتمل هجوما من الولايات المتحدة، ولا الأخيرة تحتمل نعوشا جديدة وموازنات مالية ثقيلة في ظل الأزمة المالية.
أعود إلى رأس القول. لا تُوجد مؤشّرات حقيقية لقيام ضربة عسكرية باتجاه طهران، رغم أنها خيار يطرحه الأميركيون على الطاولة بين الفينة والأخرى. وربما كانت تصريحات الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، ووزير خارجيته منوشهر متّقي قبل أيام حول قبول إيران تبادل اليورانيوم مع الغرب يُفنّد آخر ما بقي من ظنّ حول ذلك.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2712 - الأحد 07 فبراير 2010م الموافق 23 صفر 1431هـ
التحليل في مكانه
تحليل الكاتب موفق ومميز
تحيه للوسط
لمن يطبل للامريكان
لانتمنى ضربة امريكية لايران بسبب بسيط جدا
ان من يتمنى ذلك من دول المنطقة غي جدا وفاقد للحس حيث اي ضربة هي موجعة لنا دول الخليج وما تمنياتكم الا اوهام حتى لو ادعيتم بالامركة فهذا ليس فخرا بل حماقة وحتى القطط السارحة الامريكية لو تعي هبلك لضحكو عليك لان من يطبل لللامريكان هذه الايام هو من دعاة حرب عصبية ستقضي على الاكو والماكو !
أؤيد التحليل، أنا لا أعتقد بإمكان توجيه ضربه مقيدة لإيران
نعم، التحليل المنطقي يقول بأنه في الوقت الراهن وفي المستقبل المنظور لا يمكن لا لإسرائيل ولا لأميركا ولا لهما مجتمعين ومن خلفهما كل المتخاذلين العرب أن يوقف البرنامج النووي أو التقدم العلمي أو النهضة المعنوية الإيرانية إطلاقاً.
لصحاب المداخلة الأولى
مادمت أمريكي الهوى فلا حديث ينفع معك لأنك خصم من اول الطريق
إلى الزائر واحد
مخطئ في تصورك - وأقولها بابتسامة - فلنترقب معاً السنوات القادمة لترى هل فعلاً شموخ إيران بيدق يدار على رقعة الشطرنج!
تكملة بو علي 2
أضف إلى ذلك، أنكم المطبلين لإيران (أنا من المطبلين للدول العربية المتأمركة)، بدأتم تفقدون سحركم فيما يتعلق باستقلالية و نفوذ إيران، أصبح جليا أن إيران ليست ندا أو طرفا في الساحة الدولية بقدر ما هي تابع للصين و روسيا حالها حال كوريا الشمالية إلى حد ما. و في تصوري أن الأطراف الغربية ستكون أكثر من سعيدة عندما يصبح القرار الإيراني بيد الصين و روسيا كما حال بعض الدول العربية التي قرارها بيد أمريكا. ساعتها راح نفتك من نباحكم عن عزة و شموخ إيران التي ما هي إلا بيدق يدار على رقعة الشطرنج.
ما الخطب؟ كتاباتك متشنجة هذه الأيام؟ بو علي
لن تضرب إيران لا اليوم و لا بعد سنة، نهاية القصة. الدول الخليجية الحليفة لأمريكا شئت أم أبيت، تعي اللعبة. إيران تحتاج لصبر، و الحالة القائمة status quo لا بأس بها. هل ضرب صدام حسين سنة 1991 بعده غزوه الكويت، لا انتظروا 13 سنة من العقوبات و العزلة الدولية و وقع ما وقع. لا أجزم أن هذا ما سيحصل مع إيران و لكنه الظاهر، فقط تحتاج لحماقة أو شرارة، و الوضع الإيراني الداخلي يساعد إلى حد ما و يجب تعقيده أكثر. ماذا بعد رحيل خامنائي مثلا، كيف سيكون تقاسم السلطة، هل نرى بروزا لدول العسكر؟ من يدري؟