العدد 2712 - الأحد 07 فبراير 2010م الموافق 23 صفر 1431هـ

يوم البيئة البيزنطي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

احتفلت البحرين بيوم البيئة العالمي بمجموعةٍ من الأنشطة والفعاليات المميّزة، التي تطرب لها الرؤوس وتشرئب لها الرقاب والأعناق!

الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية (الاسم طويل ويا ليت يختصرونه) نظّمت السبت الماضي مهرجانا بيئيا، ضم مسابقاتٍ للأطفال وماراثونا للكبار و»الشيّاب»، وعرضا لبعض الأعمال اليدوية ومنتجات الأسر المنتجة. أما الفعالية الأكبر والأهم، فهي إجراء فحوصات للسكري وهشاشة العظام!

البيئة التي تعاني من هشاشة عظامٍ في جميع مفاصلها الحيوية، البرية والبحرية والجوية، تقوم «الهيئة العامة» بفحوص لمرض هشاشة عظام النساء، والبول السكري للرجال!

البيئة تعاني من تدميرٍ كاسحٍ للموائل البحرية، بدأت آثاره تظهر على انخفاض الأسماك المعروضة في السوق وارتفاع أسعارها، وزيادة أعداد الصيادين الذين يجري اعتقالهم في الدول المجاورة في رحلاتهم بحثا عن الأسماك في المياه البعيدة بعدما اختفت من مياهنا الإقليمية.

منتصف الأسبوع الماضي انتشرت رائحة الغازات السامة في كل المحافظات الخمس دون استثناء، وتخرج الشركة المعنية لتنفي صلتها بانبعاث الغازات، فربما نكتشف السبب في الأطباق الطائرة أو وجود مخلوقات فضائية تحاول غزو جزرنا الصغيرة، باستخدام هذه الأسلحة القريبة الشبه بمسيلات الدموع!

الهيئة العامة للبيئة ذات الأداء المضطرب، هدّدت في اليوم الأول بكشف الطرف المتسبّب في انتشار الغازات. وفي اليوم الثاني تراجعت إلى القول إنه بسبب رياح (الكوس). وفي اليوم الثالث أصدرت شهادة براءة للشركات والمصانع الملوثة للبيئة، حتى قبل أن تُشكّل لجنةٌ تحقق في الموضوع، وتصدر توصياتها وتقريرها! ومع ذلك يخرج وزير البلديات والزراعة أمس ليقول: «إن الهيئة العامة لحماية البيئة أولت موضوع المحافظة على البيئة والارتقاء بها اهتماما بالغا، نظرا لآثارها المباشرة على صحة الإنسان»! وهو كلامٌ إنشائي لا يصلح لغير كراسات مادة «التعبير» بالمدارس الابتدائية، وليس لإقناع رأي عامٍ يشمّ ويراقب ويختنق بالغازات.

الوزير يستند إلى حزمةٍ من القوانين «الجميلة» التي لا تُطبّق على الأرض، ومع علمه بذلك فإنه يقول إن «الهيئة» تقوم بعملية تقويم الأثر البيئي قبل إنشاء المصانع ومراقبتها بعد مرحلة التشغيل التجريبي، من خلال تقارير قياس جودة الهواء والمياه والسلامة الكيماوية! وسعادته يعلم علم اليقين أنها لا تملك أية صلاحيات لفرض القانون أو اتخاذ أي إجراء لحماية البيئة فعليا، حتى على مستوى منع الشباك الإسرائيلية! وهي من أوضح نماذج المؤسسات الرسمية التي تعجز عن الالتزام بالسياسات الوطنية وتطبيق القوانين على الجميع.

الوزارة والهيئة تشتركان في الاضطراب والمواقف الضعيفة واللغة الإنشائية التي لا تقول شيئا. فالوزارة التي تفرّغت في فترةٍ سابقة لإزالة الأشجار من الشوارع وتصفية النخيل البحريني، أخذت تستورد نخيلا أجنبيا من الولايات المتحدة، من على بعد آلاف الكيلومترات، لزرعها في بلد المليون نخلة! أما الهيئة فيقول مديرها العام إنه «بعد جمع المعلومات والقياسات تأكّدنا أن غاز المعامير قضية تتكرّر بشكل مستمر ويجب العمل على حلها! وقد حدّدنا المشكلة وضرورة الحاجة إلى وضع خطة لحلها! وتم الأخذ في الاعتبار التطرق إلى جميع الجوانب في التقرير»! ولو عصرت هذا التصريح السفسطائي لما حصلت على غرامٍ واحدٍ من الكلام المفيد!

الدول الأخرى تحتفل بيوم البيئة بتدشين مشاريع جديدة تحفظ البيئة والصحة العامة، ونحن نحتفل ببيئتنا الهشة المدمّرة بفحوصات السكري وهشاشة العظام... ولغةٍ فارغةٍ وجدلٍ بيزنطي عقيم.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2712 - الأحد 07 فبراير 2010م الموافق 23 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:24 ص

      المحارب البيزنطي

      كبير يا كاتب .. وليس غريباً بعد أقل من سنة ، ان يخصص يوماً للإحتفال بيوم الغازات السامة البحريني ، ويعملون فحص مجاني لمصابين بالغازات والإمساك والعياذ بالله

    • um amal | 8:19 ص

      اذا لماذا فشلت قمة كوبنهاجن؟؟!!

      لأن اولي الامر والقيادات السياسية في العالم رافضة تماما للتنازل عن مشاريعها التدميرية للبيئة وللانسان حفاظا على مصالحها ..طالما هناك قيادات فاسدة وغير مسؤلة سيستمر مسلسل تدمير البيئة وتغير المناخ الخطير ..ولكن ( قفوهم انهم مسؤلون)

    • زائر 2 | 11:30 م

      الى متى

      وحتى لو تجاوزنا كل الاعتداءات على البيئة فهناك اكبر تدمير للانسان نفسه عن طريق التجنيس (ابو الكبائر) والاعتداء على آدميته وحقوقه ورزقه وتراثه وتاريخه وحياته

    • زائر 1 | 9:58 م

      المشكلة أنه لا يوجد رأي مستقل

      لايوجد رأي مستقل لهذه المؤسسات والهيئات وهذا يجعل من قراراتها تأتيها من سلطة عليا ،كما أن كل هذه القرارات لم نفهم نها أي شيء ينفع المواطن، لاسيما بان هؤلاء النفر غير مؤهلين لهذه القرارات الحاسمة مع وجود الضغوط عليهم.

اقرأ ايضاً