العدد 2711 - السبت 06 فبراير 2010م الموافق 22 صفر 1431هـ

محطات نضالية وإنسانية في حياة أحمد الشملان ( 1 - 2 )

عبدالله جناحي comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ابتداء لابد من الإشادة والتقدير للسيدة فوزية مطر على إنجازها لمشروع ضخم كهذا الكتاب الذي صدر بعنوان «أحمد الشملان مسيرة مناضل وسيرة وطن»، حيث مضمونه الغني بالشهادات والوثائق، ومن حيث منهجيته الجميلة والمحكمة والتي اعتمدت على أسلوب السرد وترك الشهادات تأخذ دورها في كشف الوقائع وأسلوب التحليل للأحداث والتحولات السياسية والفكرية والمحطات النضالية للأستاذ أحمد الشملان وربطها ربطا عضويا ومقنعا بالمحطات السياسية للوطن، فضلا عن الفهرسة العلمية التي اعتمدت على التسلسل التاريخي لحياة الأستاذ الشملان والمراحل السياسية والنضالية، بجانب إبراز الجوانب الأخرى غير السياسية للشملان كإبداعاته الأدبية وعلاقاته العاطفية والأسرية.

وبتنفيذ هذا المشروع الضخم بجهد فردي ـ وإن تعاون كثرة من الحريصين لإنجاحه ـ لابد من الإشادة بالمؤلفة التي استطاعت تحقيق ما لم تتمكن من إنجازه التنظيمات السياسية ومراكز البحوث والدراسات.

إن هذه الموسوعة الوطنية مهمة للأجيال الشابة وضرورة قراءتها للشباب، حيث تمثل بالفعل سيرة وتاريخ وطن بشعبه المناضل، كما تمثل درسا ونموذجا للتضحية والفداء ونكران الذات، وكنزا من المعلومات والتعليمات حول تجربة السجون والصمود تحت التعذيب، فضلا عن قيم الانضباط الحزبي في المهمات النضالية الكثيرة.

وتكشف هذه الموسوعة عبر عشرات الشهادات ومئات الأسماء من المناضلين في السجون والمنافي بأن هذا الوطن عبر تاريخه الطويل من النضال ضد الاستعمار والحكم الاستبدادي كان ولودا باستمرار، ففي كل مرحلة من مراحل التاريخ النضالي للبحرين تقدمت كوكبة من المناضلين لتقود عملية النضال وخلفها قوافل من الجماهير الشعبية، وعبر شريط من الأسماء يمر أمامك تكتشف بأن راية النضال كانت تنتقل من جيل الأجداد إلى جيل الآباء ثم لجيل الشباب.

السيرة الذاتية بين الموضوعية والقدسية:

حسب معلوماتي المتواضعة تكتب السيرة الذاتية أما من قبل صاحب السيرة نفسه أو من قبل الآخرين، وفي كلتا الحالتين لم أطلع إلا نادرا على سير ذاتية لم يتحول صاحبها إلى ملاك وقديس، حيث دائما تقدم الجوانب الإيجابية للشخصية بل ويتم تضخيمها لدرجة تختفي أمامها أية سلبيات أو أخطاء مارسها صاحب السيرة. بل وتصل هذه السيرة الذاتية إلى نتائج وحقائق شبه مطلقة بصحة أطروحات ومواقف الشخصية. ويتجلى هذا المنهج الذاتي في كتاب الإمام أبي حامد الغزالي «المنقذ من الضلال» الذي اشتمل على سيرته وتحولاته الفكرية ووصل إلى قناعته بأن الصوفية هي الحق والمنقذ للبشرية.

وأحسب بأنه في كتابة السيرة الذاتية عن طريق الاستعانة بالآخرين وشهاداتهم عن الشخصية المستهدفة نادرا ما يتم إبراز الأخطاء والسلبيات، خاصة إذا كان صاحبها مازال حيا أو زعيما وذا نفوذ سياسي أو اقتصادي.

بيد أن هناك سير ذاتية لزعماء وشخصيات تاريخية كتبها آخرون بعد رحيل هذه الشخصيات عن الدنيا، كتبت حسب موقف مؤلفها من هذه الشخصيات، فأما هو متعاطف معها فتبرز الإيجابيات والأدوار العظيمة لها، وأما حاقد أو غير متعاطف معها فتبرز السلبيات والأخطاء القاتلة والجرائم التي مارسها.

سيرة الشملان بعيون محبيه:

كتاب الشملان ينحاز لإبراز المحطات النضالية والسياسية والفكرية والإبداعية للمناضل أحمد الشملان، ومن خلال شهادات رفاقه وعبر قلم حبيبته وزوجته ورفيقة دربه، وفي مثل هذه الحالة من الطبيعي أن تكشف الشهادات تلك المحطات المضيئة وهي كثيرة في حياة الشملان، ومن الطبيعي أن يتردد الكثيرون ممن كانوا يعارضون منهج وأسلوب حياة الشملان، سواء رجالات الحكم والأمن والاستخبارات أو الشخصيات التي تعارضت أساليب حياتهم ونمط تفكيرهم عن الشملان من إبراز ما يعتقدونه خطأ أو سلبيا لدى الشملان.

ما يميز كتاب السيدة فوزية مطر بجانب سلاسة الأفكار وسردها الجذاب للأحداث والمحطات، بأنه يعرفنا على عائلة الشملان الوطنية، وتعرفنا أكثر على طفولة أحمد الشملان الاجتماعية والطبقية، وبالأخص تعرفنا على شخصية والدة الشملان (السيدة سبيكة رحمها الله) وعلى الجوانب الإنسانية والصفات الصلبة والصبورة والمتسامحة لهذه الأم والداعمة لولدها المناضل أحمد.

في هذه الورقة سأركز على بعض الإضاءات التي أعتقد بأنها مهمة للقارئ، وهي التي توقفت أمامها متأملا أو متأثرا بها.

المحطة النفسية:

تتوضح من السيرة النضالية لأحمد الشملان بأنه شخصية حساسة جدا تجاه المبادئ والثوابت المطلوب تواجدها في أي مناضل ثوري، وبالأخص صلابة الموقف والصمود وصفات الثوري الذي يجب أن لا تتضعضع قناعاته أمام التعذيب أو الترهيب. ويتوضح ذلك في أكثر من محطة سياسية حينما كان الشملان غاضبا من الاعترافات والانهيارات لدى رفاق دربه، ومع ذلك كان مقدرا لإمكانات الرفاق ومستويات الصمود لديهم.

يتجلى صدق قناعاته الحزبية والقومية والوطنية من تأزمه النفسي الشديد عندما اضطر التوقيع على تعهد بعدم مشاركة أخيه الصغير في أية مظاهرات ضد الاستعمار، حيث خلق رضوخه لترجيات أخيه بالتوقيع على التعهد تناقضا هائلا بين قناعاته وهذا الموقف، لدرجة وصل به الصراع الداخلي إلى تأزم نفسي كبير عاهد نفسه بعد ذلك بعدم تكرار مثل هذا الموقف، الأمر الذي جسد هذا التعهد في جميع مراحله النضالية فوقف صلبا عنيدا أمام جلاديه.

المحطة الإنسانية:

المناضل والثوري الحقيقي والصادق بجانب وجود شخصية برانية له تكشف صلابته وشجاعته أمام أعدائه، غير أنه يحتضن شخصية جوانية في غاية الرقة والإنسانية والحب الطفولي، والشملان من هذا الصنف، فقد كشف الكتاب عن عواطفه الفياضة تجاه الحبيبة التي لم تبادله ذات المشاعر، وكان يعبر عن هذه العواطف سواء عبر قصائد مبكرة أو عبر مشاعر يبثها للصديقات القريبات من الحبيبة، ومنهن (موزة الشملان) زوجة الشاعر قاسم حداد، وفي موقف إنساني مؤثر يوضح الكتاب بأن ذات ليلة جاء أحمد الشملان إلى منزل موزة ليعبر عن مشاعر حبه (لإقبال) ابنة خاله، غير أن (موزة) كانت تلح على أحمد بالخروج لأنها مكلفة بالانتهاء من كي ثياب الأهل والذي يحتاج إلى وقت، غير أن أحمد أصر على موزة أن تجلس لتستمع إلى مشاعره وتوصلها (لإقبال) واستمر اللقاء لغاية منتصف الليل ولم تتمكن (موزة) من كي الثياب وفي الصباح الباكر اكتشف الجميع بأن جميع الثياب المطلوب كيها قد تم، ولم يعرف أحد من كوى هذه الثياب إلا بعد فترة حينما أخبر أحمد الشملان موزة بأنه في الليلة نفسها وبعد أن خرج رجع وقفز السور وأخذ يكوي الثياب.

وهناك كثرة من المواقف الإنسانية المعبرة عن التضحية ونكران الذات بجانب الحب والعواطف وتحويل حالات القبح إلى ظواهر من قيم الجمال حتى مع الحشرات والطيور في الزنازين والسجون، مما يذكرني بالشاعر التشيلي الكبير «بابلوا نيرودا» الذي أشار في مذكراته بأنه في حالات اليأس كان يصيد ذبابة ويحبسها في زجاجة ويستمع إلى طنين صوتها ويتخيل مدى جمال الموسيقى الصادرة عن هذه الحشرة، موضحا بأن الإنسان قادر دائما أن يحول ظواهر القبح إلى جمال وحب وذلك في حالات اليأس والإحباط

إقرأ أيضا لـ "عبدالله جناحي"

العدد 2711 - السبت 06 فبراير 2010م الموافق 22 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:53 ص

      أجودي

      أحمد الشملان عنوان. يختصر هذا الوطن.. بطوائفه أحزابه. لأنه علم من علام هذا الوطن بل واعلا العلام...... علم الحق والحريه....تحية حب والإخلاص لك يا سيد الاحرار...... 

    • زائر 1 | 10:38 م

      كلمة حق..

      الشملان كان رجلا مخلصا لوطنه وشعبه،كان مناضلا صلبا لم يثنه الظلمة عن طريق النضال ولم يخشى من سجونهم او تعذيبهم بل واصل الدرب الى اخر ايام حياته.. كان يمقت الطائفيه ويحارب من يشعل فتييلها ..هنيئا لشعب البحرين بسيرة احد رجالها المخلصين.

اقرأ ايضاً