غولدستون نعم، غولدستون لا. غولدستون نعم ولا. غولدستون هنا. غولدستون هناك. غولدستون في كل مكان.
مواجهة في القدس مع شخص قريب من تقرير غولدستون الأسبوع الماضي:
«لقد سئمت من التحدث عن غولدستون».
«وأنا أيضا».
ثم، ولمدة حوالي ساعة، نتحدث عن غولدستون.
في اليوم الذي سبق ذلك وفي حفل عشاء، قال دبلوماسي كبير متقاعد وبصراحة «أنا لم أقرأ التقرير، ولكننا نستحقه جميعا».
«حتى (الجرائم ضد الإنسانية)؟»
«نعم، جميعها. الاحتلال، حوالي 43 سنة الآن، ما الذي كنا نتوقعه؟»
وفي اليوم الثاني وأثناء تناول القهوة، يناقش صحافي معروف وبحماسة أن غولدستون تسبب بأذى عظيم غير عادل لـ «إسرائيل»، وقدم معونة وراحة لأعداء «إسرائيل»، والذين عكفوا على سحب الشرعية عنها.
رويدا رويدا. ليست لديّ رغبة بالعودة إلى تقرير غولدستون. أريد بدلا من ذلك أن أبحث في كلمتين تستخدمان ويساء استخدامهما بكثرة هذه الأيام. تبرز الكلمة الأولى مباشرة من داخل تقرير غولدستون، والثانية من الخلاف الدائر حول التقرير.
الكلمة الأولى هي القصد: أقبل بشكل كامل التأكيد المصّر من جانب عدد من الإسرائيليين الذين تحدثت معهم مباشرة حول الموضوع عما إذا كانت «إسرائيل» استهدفت بشكل خاص وعن قصد المدنيين الأبرياء أثناء حربها في غزة، كما يقترح غولدستون. بالنسبة لشخص ما، لديهم وصول مباشر إلى المعلومات المتعلقة بسلوك «إسرائيل» أثناء الحرب. وبالنسبة لشخص آخر، هم ينكرون أنه تم استهداف المدنيين الأبرياء. وأنا أصدقهم.
ولكن كيف نستطيع فهم مئات القتلى الأبرياء، بغض النظر عما إذا كانوا 762 من غير المحاربين، بمن فيهم 318 من الأطفال تحت سن 18 سنة حسب تقرير بيتسليم، أو 295 من الفلسطينيين غير المشاركين، بمن فيهم 89 تحت 16 سنة، الذين يعترف الجيش الإسرائيلي بمقتلهم؟
بنظري، وإذا أخذنا بالاعتبار الظروف المحددة للحرب، كعدم تناسق آلة حرب ذات كفاءة عالية تواجه عدوا متملّصا مموّها بشكل متأصل، واكتظاظ غزة بالسكان وتصميم «إسرائيل» على استعادة السمعة المرعبة لجيشها في أعقاب ورطة لبنان العام 2006 والحفاظ على حد أدنى من القتلى بين صفوفها، فإن عدد القتلى من الأبرياء مثير للإزعاج ولكنه غير مدهش. ما إذا كان من القانون الدولي يفرض على «إسرائيل»، حسب إطار غولدستون التحليلي، أن تتصرف بشكل مختلف، مثلا بأن تضع جنودها في مواقف خطرة، هو سؤال مهم أتركه للخبراء.
هناك فرق بين النية والمسئولية. برأيي أن أعمال القتل لم تكن مقصودة كما نستخدم نحن العاديين هذا التعبير. إلا أن ذلك لا يعني أن «إسرائيل» غير مسئولة. واحد من أسباب أهمية التحقيق المستقل، بل والملّح، هو تنظيم هذه الأمور لتحقيق الوضوح حول درجة وطبيعة تلك المسئولية.
الكلمة الثانية، إذا أخذنا بالاعتبار قوة الاندفاع الجديدة للجدل الدائر حول تقرير غولدستون، هي الشرعية، أو بتفصيل وإنما بدقة أكثر، سحب الشرعية.
يتهم المدافعون عن «إسرائيل» منذ فترة هؤلاء الذين يهاجمون «إسرائيل» بتهور ويبالغون بشدة بل ويخترعون أخطاء ومجالات فشل، بأنها مذنبة بسبب جهود تبذلها لسحب الشرعية عن الدولة اليهودية. وقد جرى توجيه هذه التهمة مؤخرا حتى إلى الذين ينتقدون سياسة «إسرائيل» من التيار الرئيس.
لست متأكدا ما يعنيه سحب الشرعية عن «إسرائيل». هل يعني ذلك أن منتقدي «إسرائيل» يسعون لإزالة الدولة اليهودية؟ ببساطة، هناك من يفعلون ذلك. إلا أن الغالبية الكبرى من هؤلاء الذين ينتقدون «إسرائيل» بشكل متزايد (وهنا أفكر بالذات بالاتحاد الأوروبي) لا يلمّحون حتى بإنهاء الدولة اليهودية. الواقع هو العكس تماما. فهم ينادون، وبشكل أكثر إلحاحا بتطبيق حل الدولتين. والواقع أن حل الدولتين هو الأسلوب الوحيد لضمان بقاء الدولة اليهودية، وهي نقطة تدركها «إسرائيل» بشكل واسع.
بغض النظر عما إذا كانت «إسرائيل» تستحق الانتقادات التي تتعرض لها يوميا بسبب ترددها، حسب الادعاءات، للتحرك بسرعة وطاقة أكبر نحو حل الدولتين، فالأمر هو جدل شرعي. إلا أنها بالتأكيد ليست فكرة حل الدولتين التي تطرح التساؤل حول شرعية «إسرائيل» كدولة يهودية. بالعكس تماما، فأي إنسان ينادي بحل الدولتين بشكل ضمني وإنما يعترف ويقبل بشرعية الدولية اليهودية وقابليتها للبقاء.
هؤلاء الذين يثرثرون حول حل الدولة الواحدة هم الذين يرفضون شرعية «إسرائيل». أتباع حل الدولة الواحدة هم اليوم في تصاعد. هناك الذين يقولون إننا قد تعدينا نقطة اللارجوع، وبأن حل الدولتين لم يعد ممكنا. ويقول آخرون إن منتصف الليل، رغم اقترابه مازال يمكن تجنّبه. هناك شعور متزايد في العالم العربي أن الوقت الآن في صالحه، وأن الدولة اليهودية سرعان ما تتغلّب على ذاتها بينما يستسلم العالم ويتناسى حل دولتين تعيشان معا جنبا إلى جنب بأمان وسلام.
وهذا لا يعني أن حل الدولتين يوفّر حلا خاليا من المشاكل للنزاع. كل ما نعرفه بالتأكيد أنه في غياب حل الدولتين فسوف تنتهي الدولة اليهودية، بينما ستكون هناك، مع حل الدولتين، مشاكل جديدة معقدة، واحتمالات تهديدات جديدة وخطيرة. ليس من الصعب اختيار ناحية سلبية لوضع يتجه إلى الكارثة بشكل مؤكد. نحن لا نملك الشجاعة لدمج الانتقاد، بل وعدم الصبر مع سحب الشرعية.
من هناك؟ صديق أم عدو؟ إذا كنت مع حل الدولتين، وبالتالي قبول الدولة اليهودية فأنت صديقي.
* كاتب ومدرس ومؤسس مجلة Moment (اللحظة)، وهو مؤلف «مازون: رد يهودي على الجوع والتحالف الوطني اليهودي من أجل محو الأمية». ظهرت مقالاته التي يزيد عددها على 900 في عشرات المجلات والصحف، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2710 - الجمعة 05 فبراير 2010م الموافق 21 صفر 1431هـ