العدد 2709 - الخميس 04 فبراير 2010م الموافق 20 صفر 1431هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

وقت للشاي وأوقات لتحقيق الأهداف

 

كثيرون في العالم يحبون شرب الشاي ويخصصون له وقتا يسمى بـ «وقت الشاي» وكلما قرب وقته كلما ازدادوا حماسا

لاحتسائه والتلذذ بطعمه المنعش، طبعا «وقت الشاي» ليس وقتا عشوائيا عندهم بل يكون وفق تخطيط مسبق لاختيار الوقت المناسب والكوب المناسب والنوعية المناسبة والمكان المناسب أيضا، إذا هذه الدقائق المعدودة للاستمتاع بطعم الشاي تكون نتيجة تخطيط مسبق مضافا إليه لمسات من الحماس.

على رغم أنهم يشربونه يوميا إلا أنني لم أسمع أحدهم يقول قط: «أوووف، لقد سأمت من شرب الشاي!» ولهذا ربطت ذلك بقيامنا بالأعمال التي تهمنا في حياتنا وبشكل يومي لكن ليست أي أعمال وإنما الأعمال التي تصب في أهدافنا التي وضعناها لأنفسنا.

فنحن نخطط لحياتنا للارتقاء بها على مختلف الأصعدة ونجهد أنفسنا في القيام بمحاولات ومحاولات أحيانا تفلح وأحيانا لا تفلح، وتخالجنا أثناء هذه المسيرة مشاعر من التعب واليأس والملل، تتسرب إلى أعماقنا لأننا لا نضفي لمسة الحماس على حياتنا اليومية التي تجعلها ألذّ طعما وحلاوة، إذ إننا إذا مارسنا نفس أعمالنا اليومية لكن مع إضافة حرارة إيماننا ويقيننا بأهميتها وجدواها نجد هذه الأعمال تكون أعمق وأكثر تأثيرا علينا وعلى من حولنا، فشوقنا لتحقيق أهدافنا التي رسمناها كلوحة فنّية نضيف عليها كل يوم جزءا من روحنا لتتأبّد هو الذي يجعلنا نستيقظ صباحا ونباشر أعمالنا وهو الذي يعطي روحا لحياتنا، وهو العاطفة التي تتولد لدى الإنسان عند

إقدامه على عمل شيء يحبه.

إن الحماس ليس له وزن أو شكل بل هو قوة معنوية تبث النشاط والعزم في أنفسنا، وتدفعنا لإنجاز نشاط محدد، لتحقيق أهداف نرغبها.

لذا نجد الشخص الذي فقد الحماس في شيء من الأشياء ولأي سبب من الأسباب يكون كالطفل الذي لديه غرفة مليئة بالألعاب الجميلة والمتنوعة ولكن لا يراها ولا يستمتع بها، لماذا لا يراها لأنه تعود عليها وأصابه الملل منها، ونحن كذلك نمارس روتينا في حياتنا اليومية يجعلنا أحيانا نفقد الإحساس بجمال وتنوع ما حولنا، بدون الحرارة الذاتية التي تحرّكنا نحو تقرير مصيرنا بإرادتنا سنبقى في مكاننا لأننا نشعر بالخمول والاكتئاب، فلدينا وظيفتنا وعائلتنا وأكلنا وملابسنا والطريق الذي نسلكه للذهاب إلى مشاويرنا ومكان الاستجمام ذاته والنادي الصحي ذاته كل الأشياء نقوم بها يوميا وهي نفسها نفسها ولا شيء جديد، وهنا يأتي دور الحماس الذي يغير نظرتنا إلى هذه الأمور المعتادة ولكن كيف؟

فكر في الأشياء الكثيرة التي تحمست للقيام بها أو الحصول عليها، أراهن أنك مازلت تتذكر غالبيتها وتتذكر اللحظات المليئة بالسعادة والحيوية المصاحبة لها، حاول أن تستدعي تلك المشاعر لتعيشها الآن مرّة ثانية، لتجدد الهمة العالية التي رافقتك أثناء القيام بتلك الأعمال وتحقيق تلك الأهداف ومعها مشاعر تقدير الذات التي ستدفعك للعمل بلا كلل أو ملل.

الحماس يأتي عندما نعلم ونتيقن في داخلنا أننا بعد القيام بهذا العمل سنستشعر السعادة وهدفنا الآن هو المحافظة على هذا الحماس بشكل مستمر، علينا أن نتيقن أولا بأن الحرارة التي تدفعنا للحركة والعمل والإنجاز تتعلق بالحافز الذي هو أساسا وضوح أهدافنا التي نريدها والتي تساهم بشكل مباشر في إثبات تطورنا الإنساني والاجتماعي، ومن ثم العزم على العمل بها، وأخيرا نصطحب معنا هذه المشاعر كمحرك وكوقود يحرك أفعالنا وممارساتنا ويدفعنا نحو المسير بعزم لرؤية ما نطمح إليه على أرض الواقع.

فعندما تؤمن بنفسك تتحمس، وعندما تجاهد وتحاول تخطي المحن والأزمات وترى نتائج جهادك تتحمس، وعندما تسعى لتحقيق هدف نبيل وفيه خدمة للإنسانية أيضا تتحمس، ولتتقدم بحياتك وحياة من حولك ابتكر شيئا جديدا في يومك يشابه «وقت الشاي» وقتا جديدا سمه بـ «وقت الوصول إلى الهدف» فتصبح دقائق شربك للشاي دقائق تفكير وتأمل في أهدافك... شيئا ممكنا وقابلا للتحقيق، فهلا تحمست؟

حميدة فروتن


أسى الأربعين

 

يوم صامت رهيب، ملتهب برياح السموم، مغبّر فضاؤه، كئيبة شمسه، أما قمره فلا تعجب إن رأيته نهارا، غريب ذلك القمر، فهذه المرة الأولى التي يجد فيها الناس القمر بوجوه عدة، أما ألوانه فلا تشابه الكواكب في شيء، ولا منازله حلّت في بقعة غير هذه البقعة، بيد انه أفل سريعا، وكذاك هي كواكب الأسحار.

يوم اشرأبت فيه الأعناق، بعيون شابحة في وجوه شاحبة، تعانقت العيون على ذلك المربع المذهب، تلفه خيوط، خضراء، وأخرى سوداء، بها من الروائح ما تطيب به النفس وتأنس له الروح.

يوم الزحف الأربعيني يتجدد ها هنا، يصرخ مجلجلا أرجاء العالم: لبيك يا حسين، زحف قادم من جميع الجهات، لا يوقفه طوفان، ولا نيران. يوم تُساق فيه الأرواح إلى سيدها طائعة، لترجع بعدها سارّة النفس، مخضرّة الفؤاد.

ليس بغريب على كل شيعة العالم أن يجددوا ذكرى الإمام الحسين (ع) بهذه الروحانية العظيمة، فالعشق الأبدي الذي يحظى به ابن بنت رسول الله (ص) متجذر في أرواحهم إلى أن يدحو الله أرضه، ووصايته الربّانية، تلهمهم عشقا وولاء أكثر بكثير مما تتوقع، فالإمام الحسين له خصوصيته الدينية و السياسية، وقد جُبل الناس جميعا على مرّ الأيام والسنين على الاحتفاء بأبطالهم، وتجديد ذكراهم.

وفي مثل هذا اليوم يزور الملايين قبر ابن بنت رسوله تبركا به وشكاية إليه من فساد الزمان، حكامهم، طالبين من الله ومنه أن يخرج مرة أخرى ليحاربهم كما حارب يزيدا من قبل، وكأن صوتا يعلو من وراء الضريح، اذهبوا وحاربوهم، بدل أن تلعنوهم، فقد ترونهم قادمين لقتالكم، قبل حلول ساعة الاستجابة.

ويذكر كتاب بحار الأنوار 98/329. إن جابر بن عبدالله الأنصاري (رضي الله عنه) ـ من صحابة رسول الله (ص) ـ أوّل من زار قبر الإمام الحسين (ع) بعد مرور أربعين يوما من شهادته. يقول عطا مولى جابر: «كنت مع جابر بن عبدالله الأنصاري يوم العشرين من صفر، فلمّا وصلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصا كان معه طاهرا، ثمّ قال لي: أمعكَ من الطيب يا عطا؟ قلت: معي سُعد، فجعل منه على رأسه وسائر جسده، ثمّ مشى حافيا حتّى وقف عند رأس الحسين (ع)، وكبّر ثلاثا، ثمّ خرّ مغشيا عليه، فلمّا أفاق سَمعتُه يقول: السلام عليكم يا آلَ الله...».

حين ندقق في النص السابق نجد ما فيه من فعل متجدد تماما في يوم أربعين الإمام الحسين هذه الأيام، فلازالت الشيعة تغتسل الأربعين، وتضع الطيب على ضريح الحسين، وتزحف إليه حافية الأقدام، ثم تزوره بزيارة الأربعين المعروفة والمشهورة. كل هذه الشعائر لها خصوصيتها وقداستها عند الشيعة، وكأنها ملحمة لا تنتهي فصولها على مرّ التاريخ.

ومثل سائر شيعة العالم، يجدد أبناء البحرين من الشيعة يوم الأربعين بطريقتهم الخاصة ذات النكهة البحرانية الأصيلة، غير أن ما يستوقفني في هذا اليوم حقا هي الأبيات التي ينشدها المقرئ كل عام، وهي أبيات درج أهالي البحرين على ترديدها وحفظها منذ سنين التي أولها:

قم جدد الحزن في العشرين من صفر

ففيه ردت رؤوس الآل للحفر

وهي قصيدة للسيد هاشم الصياح الستري، (ق 12هـ) حاولت البحث عبثا عن هذا الشيخ الجليل إلا أنني لم أجد إلا النزر اليسير عنه، بل انه على رغم من بلاغته وفصاحته لم يترك أي ديوان له، ولم تعرف له أية ترجمة، غير أنني حصلت على القليل عنه من كتاب دلتني عليه صديقة لي في كتاب «أنوار البدرين في تراجم علماء القطيف والإحساء والبحرين» للشيخ علي بن الشيخ حسن البلادي «والذي ذكر فيه أن السيد هاشم كان خطيبا أديبا شاعرا قارئا. له يد طولى في علم التجويد ولهذا كان يلقب بالقارئ. ومن آثاره «هداية القارئ إلى كلام البارئ» في التجويد.

من المؤسف حقا عدم وجود أية ترجمة لهذا الشاعر الحكيم، فجل أبيات قصيدته الغراء تقريرية تحكي أحداث الأربعين بكل ما تحمله الأحاسيس والحزن من معنى. قصيدة يتيمة كتب الله لها أن تخلد مئات السنين، تحكي رسالة الحسين لأحبائه، يرددونها عزاء وتأسيا على المعطش الذي يرتوي في الاربعين بدموع المعزين، والناحبين.

لا يفتأ الحزن يزول حتى يتجدد، وهل صار قديما ليتجدد؟ فكلما تجدد الزمان حلّ الحزن على أحباب أهل البيت، فيبيتون حزنا على ذلك الحسين المحفور في الوجدان، شعارات، ومراسم تلهب القلوب، لن تستطيع معها صبرا واحتمالا فكل واد يبحث عن احدث الطرق لتجديد الحزن .

فذاك ينشد، وذاك يرسم، و الآخر ينحت التماثيل، وهناك من يتبرع بالدم، وآخر ينثره حزنا وألما، أما المحزون والمفجوع فيكفيه أن يجلس بأية زاوية من زوايا المأتم ويردد النشيد والنحيب، ويكثر من قول:

يا دافني الرأس عند الجثة احتفظوا

بالله لا تنثروا تربا على قمر

لا تدفنوا الرأس إلا عند مرقده

فإنه روضة الفردوس والزهر

رشوا على قبره ماء فصاحبه

معطش بللوا أحشاه بالقطر

لا تدفنوا الطفل إلا عند والده

فإنه لا يطيق اليتم في الصغر

المستشرق الإنجليزي السير برسي سايكوس: يقول «حقا إن الشجاعة والبطولة التي أبدتها هذه الفئة القليلة، على درجة بحيث دفعت كل من سمعها إلى إطرائها والثناء عليها لا إراديا. هذه الفئة الشجاعة الشريفة جعلت لنفسها صيتا عاليا وخالدا لا زوال له إلى الأبد».

ليلى محمد علي


التحليق في الجحيم

 

أنا كالمتسوّل الذي يذلّ نفسه لكي يحصل على القليل من فضلات دراهم السعادة، أنا كالبائع المتجول الذي يعرض أحزانه للناس ولكن لا أحد يريد أن يشتري منه ويخفف عنه وزنه، فاعل خير ولا أحد يريد أن يشرب من ماء السبيل المملوء بدموعي، أنا سفير لدولة السعادة ولكني متغرب عنها منذ سنوات أساعد هذا وذاك ولكني في نفس الوقت أريد أن أرجع لدولتي وإلا سأفقد الحياة، أنا كخياط يصمم ملابس تجلب البهجة منسوجة من خيوط تضحيته ولكنه لا يلبسها، لماذا أنا ممسك بكيس النفايات؟ ربما لكي ألقي فيه الضحكات، ينفرون مني ويستحقروني ويبتعدون بكل سرور وكأن مبادئي وأخلاقي وتمسكي بديني أصبح قنبلة ذرية في مثل هذه العصور، فلا يقدر أي أحد أن يدخل ويرى مشاهد حياتي لأنها ليست لذوي القلوب الضعيفة، الدنيا أصبحت كالفرامة تفرمني لأني لحم غالٍ يروق للجميع أن يأكلوه ولست بلحم رخيص لكي يقدسوه، مزقتني الذئاب بأنيابها وأهدتني للجزار ليقطعني بفأسه باستمرار، ففتح معدتي فوجد أني مسموم، فعلقني لكي يراني الناس وقال: رحمه الله فهو لم ترحمه المشاكل والهموم، نحن في دنيا ليس لها من إعراب مجرور ما فيها من طيبين، ومرفوعين هم المرتزقة والمنحطين، لا أقدر أن أحجز لي مقعد في سينما الحياة فأنا كالراعي الذي لا يستطيع أن يترك مرعاه، لن أتخلى عن شخصيتي مهما داست عليّ باقي الشخصيات، ولكني لن أتحسر فأنا لست بنادم لأنه معي خير معين وهو رب العالمين، فليدعوني ويتروكني تعبت وأنا أحلق في الجحيم، لا أدري لا أدري لربما أصل في يوم ما لجنات النعيم.

علي تلفت


خيار باختيار...!

 

قضية خروج الإمام الحسين، من مكة إلى كربلاء التي انتهت به إلى فاجعة كبرى، وأحدثت خلخلة في وجدان كل من سمع بها، ومع ذلك لا يزال هناك من يرى أن لدى الإمام الحسين فرصة لخيارات أخرى، غير الذي اختاره وأدى به إلى تلك النتيجة، فيبقى السؤال الذي يتردد كثيرا، هل كان الإمام الحسين مجبرا على الخروج أم كان هذا خياره.

لا نستطيع أن نُغيّر التاريخ، بل ليس بوسعنا إيقاف عجلة الزمن، ولكنّا نستطيع أن نحاكم التاريخ، عبرّ المعطيات المتاحة، نحاكي الحوادث بزمانها، ونسترشد الحقيقة من منظور الأدلة، ومن سياق الحدث يمكننا استخلاص النتائج، ويمكننا الاعتماد على منطقية الحوادث، كبديل عن المشاهد الحية غير المتاحة.

تُشير تراجيديا صورة مأساة الملحمة الحسينية :إلى وصول رسائل أهل الكوفة تدعوه للنصرة، فيرسل الإمام الحسين سفيره مسلم بن عقيل لأخذ البيعة، ويهرع الكثيرون إلى الحسين قبل خروجه بالنصح والمشورة بعدم الخروج، والمُشيرون عليه من علية القوم، وبعضهم من الآل ومن الصحابة والتابعين، وجُلّهم إما ذو مكانة مرموقة أو ذو قرار مُؤثّر، فيغدر أهل الكوفة بمسلم ابن عقيل وينقضوا البيعة، ويُقتل مسلم ويُرمى من أعلى قصر الإمارة، يصل خبر مقتل مسلم إلى الإمام الحسين، رغم ذلك يصرّ الإمام الحسين على موقفه، وتنتهي المعركة غير المتكافئة بالفاجعة المعروفة.

هذه الصورة المتداولة لموقف الإمام الحسين، والتي تعطي انطباعا وكأنما الذي حصل نتيجة استجابة الإمام الحسين لخيارات خارجية، ولكن القرائن تشير إلى عكس ذلك تماما، إذ إن الإمام قدرّ الأمور بكل أبعادها، واتخذ موقفه عن قناعة تامة، وحسبها بمقاديرها بشكل مذهل، وهذه النتيجة ليست قولا إنشائيا، لأن ثمار هذه الدماء الزكية قد أينعت، وأعادت استقامة المعوّج من الدين، وأيقظت الأمة من سباتها، والذي لولا ذلك الخيار لما نهضت للأمة من قائمة.

إذا أين مكمن الخلل؟ من المعروف أن من تعول عليهم حركة التغيير هم فئة القادة، والصالحين والمؤمنين بقضية الإصلاح، وطبقة المثقفين والعلماء، وهم ما يسمون اليوم بالمفكرين، وهذه الفئة في زمن الإمام الحسين، هم فئة الصحابة ، ومن آل البيت الكرام الذين كانوا على سيرة ونهج الرسول (ص)، فهذه الفئات هم من تعول عليهم حركة التغيير والقيادة والإصلاح، وهم يُشكلّون النسبة الأهم في كل الأمم.

لذلك كان خيار الإمام الحسين عن رؤية عميقة، فقد كانت لديه القناعة التامة باختياره، ولعل من حسن التدابير الإلهية، تسجيل تلك الحوارات التي سطرّها التاريخ عن أهل الرأي من الآل، والأصحاب وغيرهم ليردّوا الإمام الحسين عن موقفه، ناصحين ومشيرين بعدم الخروج، فبعضهم، كالصحابي أبو سعيد الخدري، الذي حذرّه من أهل الكوفة وغدرهم، وكذلك الصحابي عبد الله بن عمر، و عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعمر بن علي بن أبي طالب وغيرهم، أما أخوه محمد بن الحنفية فقد أشار عليه بعدم الخروج والبقاء في مكة فإن أمن فيها «وإلا لحقتَ بالرمال وشعب الجبال وخرجت من بلد إلى آخر حتّى تنظر ما يصير إليه أمر النّاس»، بل حملّه البعض الآخر مسئولية خياره، مع علمهم بمكانة الإمام الحسين، ومعرفتهم أنه ريحانة الرسول، وأنه سيد شباب أهل الجنة، وأنه ابن بنت نبيهم فاطمة، بل والهدف الذي من أجله خرج، ومع ذلك اكتفوا بإثنائه عوضا عن نصرته.

إن العظماء ينظرون إلى واقعهم وعليه تكون ردّات فعلهم، والإمام الحسين رأى أن الأمة الإسلامية في أسوأ حالاتها، لما رضيت عن يزيد خليفة للمسلمين مع علمهم بفساده وعدم صلاحه، وقد ذكر الإمام الحسين وصيته الشهيرة لتكون حجة على الأمة، «إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في اُمّة جدّي (ص)، أريد أنْ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي علي بن أبي طالب، فمَن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومَن ردّ عليَّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم وهو خير الحاكمين» ، وتكون تلك حجة عليهم ومسئوليتهم أمام الله، وإذا تخلى الكل عن مسئوليته، فهذا لا يعني أنه مستعد للتخلي عن الدور المنوط به في هذه الحياة، وحتى لو كان الثمن باهظا في سبيل استقامة الدين.

هكذا قرأ الإمام الحسين واقعه، واختار طريقه باختياره، بل اختار أشد الأمور بأسا حينما أصرّ على خياره، فمن يرى حال هكذا، أمة قد تخلّت أخيارها عن نصرة الدين، وركنوا إلى الظالمين، وتركوا خير من دعاهم للحق، أن يلاقي مصيره مع قله الناصر والعدد، وإذا كانت حال هذه الفئة التي هي أولى أن تكون ذات بصيرة ووعي ، وأن لا تتساوى بعموم الناس في التفكير واتخاذ القرارات المصيرية، هكذا كان حالها، فعموم الناس لا تلام بالقدر الذي يلام فيه من عرف الحق وتركه، من هنا ألا يحق للحسين أن يصرّ على خياره.

طاهر عبدالكريم


خاطرة

 

في خضم الحوادث التي تجري من حولي، وجدت نفسي وحيدة منطوية على ذاتي ولذا سطرت هذه التساؤلات إلى من ارتبطت به ولبس الكفن الأبيض سريعا الذي أتمنى أن أراه وأبث له شجوني وألمي من هذا الواقع المرير واقع الفراق المؤلم الذي أعيشه وأراه... هكذا خاطبت صاحبتي رفيق دربها بهذه السطور...

يا حبيبي... يا من رحلت سريعا وتركتني... هل تحسب أنك وحدك الذي تعذَّب في هذه الحياة؟ إن الذي ينالني في وحدتي الكئيبة المملة لهو أشد وطأة وعذابا منك، وهل تحسب أنني أبغي شيئا في هذا الوجود سواك؟ وهل تحسب أنني أحيا هذه المدة لغير خيالك الحبيب وقد بدأ يؤنسني ويخفف لوعتي وعذابي؟ وأنا أنتظر بفارغ الصبر لأكون معك في هذه الرحلة في كفنك الأبيض حتى تنتشلني من الوحدة المملة والفراغ المؤلم.

منى الحايكي


الوادي المقدس

 

(لو خيروني بين البقاء عندك أو الرحيل عنك لاخترت البقاء ولو أن سباع الصحراء تأكل من لحمي).

قالتها وهي تشتاق إليه قبل أن ترحل عنه، ولولا أن الحادي زجرها وحملها على الرحيل وقد تكفلت بالأيتام، لأناخت بقربه حتى الممات، وآه عليها عند ركوب المطايا ما أصعبها من لحظة فقد كانت الجوهرة المصونة، التي تنحني الرقاب أماها لتركب هودجها وها هي الآن تتعثر بأذيالها وكافلها الباسل عانق الموت في تودد ليحيا في الفردوس الأعظم تركها وترك آمالها مضرجة باليأس من أن يعودوا... تركها ترتدي الوحدة حدادا لها، تركها في سيول الآلام تغرقها حتى المنخر، تركها فوق المطايا الهزل مسبية تنخاهم فقد فجعها فراقهم دفعة واحدة وترى قناديلها تتمتم بآيات الإله على سنا الرماح أمام عينيها تضيء وحشتها الدامية ويهدأ عويل أحزانها الحادة، والركب ينحدر تارة وأخرى يميل وتارة يغيب في سكون ظلامها، وتحدو بزينب الذكريات إلى درب الأحبة، راحت تجوب دروبهم تلاحق رؤى أطيافهم لعلها تجد شيئا يواسيها، انتفضت على سياط الحقيقة تجرها للواقع، التفتت إلى البدور تشع من فوق الأسنة نورا خالدا وأردفت:

يا هلالا لما استتم كمالا

غاله خسفه فأبدا غروبا

يا أخي قلبك الشفيق علينا

ما له قد قسا وصار صليبا

والقافلة تلتوي في الصحراء على نغماتها المخنوقة وتنصرم تحت آهاتها الحارقة، ووحوش الزمن تلتهم الأيام بعذاب بطيء.

توقف الركب هنيئة وصرخة الحادي مزقت عسعسة الظنون، وصلنا عند مفترق الطرق أوله كربلاء والآخر إلى الديار الخاوية. تأجج الشوق إلى الأهل والعزوة فعاث في نفسها ضجيجا، فنادت بالحادي ملتاعة «مروا بنا على الوادي المقدس بكربلاء»مالت القافلة كالأفعى، دخلوا طور كربلاء، فاح عبق الأطهار في سماء كربلاء تسرب في صدر الحوراء من بعيد ورفرفت الذكرى فوق رأسها وأسبل الليل خماره في نفسها، تذكرت العشيرة تذكرت الأشراف، وكيف تركتهم أجسادا منثرة بلا رؤوس، وكربلاء كانت خالية عندما تركتها كانت مقفرة لها دوي كصفير القبور ماعدا جنائز مجدلة على رمضائها، واليوم تعود لترى كربلاء تعج بالزوار اجتذبت أحزان العالم كله حتى كادت تسقط من ناقتها، صاحت احملوني إلى ضريح الوالي، انكبت على القبر الشريف بكت بكاء مريرا كست قبره بدموعها وصاحت: «أخي أبا عبدالله لو خيروني بين البقاء عندك أو الرحيل عنك لاخترت البقاء ولو أن سباع الصحراء تأكل من لحمي» ولكن في أمان الله، ودعته ورحلت دون قلبها، تركته بجانب القبر وردة وردة أذبلتها المحن... رحلت دون رجعة

طوبى لأرض تضمنت أجسادكم الطاهرة.

أميرة القشعمي


يامُبْدِعَ الخُلود

 

أَوَ بِكُلِّ ما تملك من وجود؟

بل بكلِّ ما ترعاه عيناك الودود؟

بل و بكلِّ ما يبصره قلبك من خلود؟

بلى وعلمك الخلاق إذ حتما يسود!

فأي ثورة؟ وأي دماء ؟ وبأي فتحٍ تجود؟

أَوَتسمي تلكم الأحداث حربا؟

أم ترانيم عشقٍ تدفق في الحياة؟

من الحياة... على الحياة... إلى الحياة...

وليس في تلكم الأنغام من شيءٍ يموت!

عجبا كيف تحيا في الدموع؟

لكأنك قد جعلتَ من الماء كلّ شيءٍ حيّ

عجبا ألم يحرموك من الماء ليقتلوك؟!

أنا بكيتُ على الحياة كيف يخنقها السكوت...

وعلى الدماء كيف تنفر من ملامسة الضمير!

وتسبح نحو آفاق السماء، إذ لا يسعها ضمير!

ولو لمست ضميرا أحرقته!... لذا بكيتُ

بكيت على نفسي... وكيف لا تقوى ...

على التفجّر الرهيب للحياة؟!

على بصيرتي... وكيف لا تتوهّج...

عندما يمسها أوار الفتح العظيم؟

على روحي... وكيف لا تسمو

كلّما سمعت الحادي يعبر العصور والعهود؟

كلّما رأت الدنيا كيف لا تقوى على رفد الخلود؟

على فهم ما تكتب السماء بالدماء؟

أَوَ تعجبون كيف تنحدر الدموع بلا غرض؟

أَوَ لا ترون لإيثار الحسين... وما كان يرجو عوض

سوى أن يزداد تقطعا إربا في حب المعبود!

و رأيت كل ما حولي ينادي الحسين... يا مبدع الخلود

لؤي الخزاعي

العدد 2709 - الخميس 04 فبراير 2010م الموافق 20 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:27 ص

      الى الكاتب علي تلفت

      اعجبني موضوع علي تلفت اسلوب رائع وطرحه للموضوع جميل جدا تقبل تحياتي لك
      اخوك الصياد

    • زائر 2 | 5:58 ص

      شكراً لليلى وأميرة

      شكراً لكل من الكاتبتان ليلى محمد علي وأميرة القشعمي ولاجعله الله بآخر العهد ورزقنا الله زيارته بالقريب العاجل ...يالله

    • زائر 1 | 8:40 م

      أعجبتني مشاركة علي تلفت التحليق في الجحيم

      اسلوب جميل و مبدع

اقرأ ايضاً