تحدثنا في مقالات سابقة عن دور «تمكين» و»وزارة العمل» في توظيف وتأهيل العاطلين، وتطرقنا إلى ما تحقق من نجاح في مرحلة انحسار البطالة في أوساط مخرجات التعليم ما قبل الجامعي، كما تحدثنا عن ضرورة تكامل الأدوار بين هاتين الجهتين، من حيث قدرة صندوق العمل على تمويل مشاريع التأهيل ومسئولية وزارة العمل المباشرة عن معالجة البطالة.
في هذا المقال سنتطرق إلى ظاهرة جديرة بالاهتمام ألا وهي زحف البطالة إلى مخرجات التعليم العالي، وما تفرضه هذه الظاهرة من سياسات وآليات تختلف عن سابقاتها.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى حادثة بكاء بعض العاطلات في معرض توظيف الإناث والذي شهد إقبال أربعة الآف عاطلة، واختلطت فيه دموع البكاء والفرح، وإلى حادثة تبني سيدة أعمال فاضلة إحدى الباحثات الباكيات فتعج القاعة بالتصفيق.
ومن دون التقليل من أهمية مثل هذه المعارض ودورها في تسليط الضوء على حجم المشكلة والمعاناة لقطاع كبير من المواطنين، إلا أن أهميتها تصبح مضاعفة إذا استخلصت الجهات المعنية منها عبرا ودروسا لمراجعة سياساتها وتقييم أساليب عملها. وفي هذا الإطار نتطرق إلى موضوعين بارزين، الأول يتعلق بسياسة التعليم العالي ونوعية مخرجاته، والثاني يتعلق بسياسة تأهيل القوى العاملة الوطنية.
إن التجربة والواقع تثبت لنا كل يوم أن مخرجات كلية الخليج الصناعية قياسا بحجمها في القرن الماضي كانت أكثر التصاقا باحتياجات سوق العمل من جامعة البحرين قياسا بحجمها في الوقت الحاضر. فالجامعة التي تشعبت مخرجاتها قد ضخت إلى سوق العمل مخرجات من بينهم هؤلاء الفتيات اللواتي حضرن معرض التوظيف.
فما هي المقاييس والحسابات التي حدت بجامعتنا العتيدة للتوسع في هذا النمط من التعليم؟
وهل تخصيص مواردها بهكذا برامج مبني على حسابات متناسقة وخططنا الاقتصاديه؟
وهل هذا النمط من تخصيص الموارد يعتبر اسـتثمارا؟
إن الشركات الاستثمارية التي نكلفها دراسة سوق العمل توضح لنا نوع الوظائف التي يحتاجها اقتصادنا الوطني في الحاضر والمستقبل، فلماذا لا نستخدم نتائج هذه الدراسات كمؤشر عند صياغة سياستنا التعليمية وتخصيص مواردنا المالية وتحديد نوع البرامج ومدخلاتها؟
سؤال نتركه للقائمين على إصلاح التعليم.
فليس من الحكمة أبدا ألا نستخلص الدروس من هكذا معارض تفرض على المواطن أن يبكي استجداء لوظيفة في سوق عمل متخمٍ بالأجانب.
الموضوع الثاني يتعلق بمنهجية التدريب ووضع المواطن على العمل. فالإحصائية الأخيرة التي أصدرتها هيئة تنظيم سوق العمل أشارت إلى أنه في العام 2009 خلق القطاع الخاص 1002 وظيفة ذات عائد مرتفع جلها كان من نصيب الأجانب (96 %). والسؤال الذي يتمحور هنا أيضا يدور حول العبر التي يمكننا استخلاصها من هذه الإحصائيات وتلك التي سبقتها والتي توضح الزيادة المستمرة في هيمنة الأجانب على مثل هذه الوظائف حتى كادت أن تصبح جميعها حكرا عليهم. فالإحصائيات إن لم تكن حافزا للبحث عن الأسباب ومؤشرا لتصحيح المسار فهي لن تصبح ذات مغزى أو جدوى.
من الواضح أن هناك أسبابا متعددة تحول دون وصول المواطن إلى الوظائف ذات العائد المرتفع نوجز منها ما يلي:
حتى الآن لا توجد سياسة أو تشريع ينظم ويوضح مسئولية مؤسسات القطاع الخاص المتعلقة بالتدريب على العمل، لتحديد مسارات التدرج المهني للمواطن المتدرب، وهي الوسيلة المتعارف عليها في جميع المؤسسات الصناعية والمالية والخدمية، وهي التي مكنت شركات كشركة نفط البحرين من رفد سوق العمل بالكفاءات والخبرات، وتعتبر آلية التدريب هذه جزءا من مهام إدارة الموارد البشرية التي بدونها يعمل الموظف الجديد بدون بوصلة ترشده إلى مسار التدرج لبلوغ الوظائف ذات العائد المرتفع، وبدونها أيضا يمكن أن يدور الموظف الجديد في حلقه فارغة وتصبح سنوات عمله كلها تكرارا لأول سنة قضاها في وظيفته من دون اكتساب المهارات والمعارف اللازمة لتبوؤ مسئوليات عليا ذات قيمة أو عائد مادي مرتفع.
هذه الهيمنة الكبيرة تمنح سلطة واسعة على قرارات عدة من ضمنها الاختيار والتدريب، وفي وضع كهذا من الطبيعي أن ترجح كفة الأجنبي على المواطن الذي يشعر بالتغريب في مؤسساته الوطنية. وهذا ما تفسره لنا الشكاوى المتكررة التي تتحدث عن توظيف مسئولين أجانب لأقاربهم وتدريبهم على العمل في مؤسساتنا الوطنية.
وللتدليل على هيمنة الأجانب على وظائف قيادية في قطاعات حيوية نشير إلى رد وزير المالية على سؤال وجهه إليه كاتب المقال في مجلس الشورى في العام 2006 يتعلق بعدد الموظفين الأجانب في القطاع المصرفي في المملكة آنذاك، وعدد الوظائف التخصصية والقيادية التي يشغلونها. فكان الجواب كالتالي:
بلغ المجموع الكلي للأجانب في هذا القطاع آنذاك 2233 شخصا من بينهم 1266 شخصا في وظائف قيادية وتخصصية.
بالرغم من ارتفاع نسبة الوظائف التي يهيمن عليها الأجانب في هذا القطاع الحيوي، وعدم تحسن مستوى البحرنة فيه منذ العام 2003، لم يتم الإفصاح عن خطة وطنية واضحة المعالم لاستهداف هذه الوظائف بمشروع لإحلال العمالة الوطنية.
من جهة أخرى، إن غياب السياسة والتشريع المشار إليه أعلاه يعني زيادة الوطأة على المواطن، وهذا ما يفسر لنا هيمنة الأجانب على 96 % من الوظائف ذات العائد المرتفع في العام الماضي والأعوام التي تلته، ناهيك عن قطاعات كبيرة أخرى لا تخطئها العين تعتبر الأجنبي خيارها المفضل.
إلى جانب سياسة التعليم التي أشرنا إليها أعلاه، هناك التداخل بين التعليم والتدريب، وعدم فك الارتباط بين مؤسسات التعليم ومؤسسات التدريب الفني كما هو حاصل في تنظيم التعليم الصناعي والتجاري، الذي يعتبر نوعا من التدريب، في وزارة التربية والتعليم، وهو الوضع الذي مازال سائدا منذ ما يزيد على خمسين سنة.
الخلط بين التعليم والتدريب دليل على نقص واضح لمهمة التدريب وآلياته. التعليم الأكاديمي هو العتبة الأولى للدخول في سوق العمل، ولا يمكن أن يكون بديلا للتدريب. لهذا السبب تصر مؤسسات القطاع الخاص على ضرورة توافر الخبرة المقصود بها المهارة. فالتعليم الأكاديمي الذي يوفر المعرفة لا يمكنه توفير المهارة في تشغيل النظام لأية مؤسسة، فمثل هذه المهارات يكتسبها الموظف في العمل وفقا لخطة التدريب المفضلة لشاغل الوظيفة.
من هنا يعتبر التدريب الجزء الأكبر المكمل للتعليم، وبدون التوظيف، أي وضع المواطن في بيئة عمل ملتزمة بسياسة تدريب واضحة، لا تنتقل المعرفة ولا يصبح المواطن خيارا مفضلا بإمكانه الوصول إلى الوظائف ذات العائد المرتفع.
اعتماد نسبة البحرنة في مؤسسات القطاع الخاص تصبح عبئا على التنمية الاقتصادية ما لم تكن هذه السياسة مصحوبة بسياسة جريئة وطموحة لتأهيل المواطن على أسس سليمة. فعندما تفرض نسبة البحرنة على قطاعات تخصصية كالقطاع الصحي مثلا في ظل ندرة محلية لتخصصات طبية وتمريضية نادرة تكون لهذه السياسة آثار عكسية.
ومن جهة أخرى لا توجد مؤشرات لدى جهة التمويل وهي «تمكين» على وجود برنامج واضح لمعالجة النقص في هذه القطاعات. فقطاع التمريض مثلا الذي يمكنه استيعاب آلاف المواطنين والمواطنات يحتاج إلى مؤسسات تعليمية وتدريبية مرتبطة بالمؤسسات الصحية بصورة مباشرة. ولكي يتحقق هذا الهدف تقع على «تمكين» مسئولية أخذ المبادرة وتنسيق مرئياتها مع مؤسسات القطاع الصحي. فمثل هذه الاحتياجات يجب أن تحظى بالأولويات. وما لم تتوافر المهارات يصبح فرض البحرنة في هكذا قطاعات ضربا من العبث.
إن شعار جعل المواطن الخيار المفضل يمكن ترجمته إلى حقيقة عندما تلامس سياساتنا وبرامج عملنا أرض الواقع، وبدون ذلك ينحسر الشعار ويهيمن الأجانب على إدارة مؤسساتنا الاقتصادية، فيغدو المواطن في مستوى معيشي متدنٍ لا يتعدى إعانة التعطل أو راتب متدنٍ لا يسد رمقه، ولا أتخيل أن يكون هذا هو الهدف الذي سبق أن أكد عليه جلالة الملك في مناسبات عدة من ضمنها ما تضمنه النداء الذي وجهه جلالته للشباب في أبريل/ نيسان من العام 2006، إذ أكد جلالته أن المشروع الوطني الإصلاحي فتح اليوم الطريق لصنع المستقبل الأفضل للشباب عبر قنوات من الجهد المنتج المؤدي إلى تزويدهم بالوعي والكفاءة سواء في المجال المهني أو المجال العام، كما أكد جلالته أهمية الإعداد المهني المتقدم والمجزي.
إن هذه الدعوة الكريمة لجلالته تؤكد أن المؤشر الحقيقي للتنمية يكمن في ازدياد عدد الكوادر ذات الخبرات التي تحتاجها النشاطات الاقتصادية ذات القيمة المرتفعة والتي بدورها ترفع الناتج القومي وتحسن مستوى المعيشة. فالنمو الاقتصادي إن لم يكن مصحوبا بخطة لتنمية المهارات البشرية، فإن عائده يكون لصالح العمالة المستوردة، بدلا من العمالة الوطنية، وهذا ما نقرأه في إحصائيتنا الرسمية.
فهل من تقييم لخططنا وبرامج عملنا لنحقق التناسق بين الواقع الملموس والأهداف المرغوبة؟
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 2707 - الثلثاء 02 فبراير 2010م الموافق 18 صفر 1431هـ
الصبر مفتاح الفرج
كلامك صحيح أبو حسين ، أني الشركة اللي أشتغل فيها ما يبغون يدربون أحد والمدير نحيس ما يبغي أحد يتطور يخاف على منصب هوإذا دربونا أرسلونا بس كورسين في السنة خايفين على الميزانية وأحنا اللي موظفين من صوب تمكين لينا في العقد 1000دينار وما راضين الشركة نستفيد منها ما يبغون يرسلونا عشان نتدرب الله يأخذ حقنا إن شاء الله كله ظلم في ظلم الله كريم.
هل هي مشكلة يصعب حلها ؟؟؟؟
يتساءل المرء ويقف في حيرة وكيف يوفق بين بطالة في صفوف ابنائه وعمالة وافدة بشتى مستوياتها المهنية والاكاديمية واذا كانت هذه مشكلة يستصعي حلها علينا فكيف بحل المشاكل الاكبر وكيف حلت الدول المليونية هذه المشكلة لديها والمشكلة مالم تحل اليوم فانها ستكبر تكبر حتى يستحيل حلها من العجب العجاب ان تكون البطالة بين ابناء دول الخليج محط انظار دول العالم الا اذا كان هناك تقصير وسؤ ادارة في التعليم وسياسات التوظيف والتخظيط اذن من المسؤول ياسادة ياكرام مالم نعرف الجواب لن نجد الحل وانتم شهود ؟؟؟؟؟