صدرت في الآونة الأخيرة ثلاث شهادات بحق «الديمقراطية المغربية» اثنتان خارجيتان، وواحدة من داخل الدار.
فالشهادتان الأوليان كانتا ذات طابع إيجابي، إذ نقلت وسائل الإعلام أن «مجلس الشعب» البرلمان المصري يدرس إمكان نقل التجربة المغربية المتعلقة بفتح باب البرلمان في الرباط أمام العنصر النسوي، عبر ما يعرف بنظام «الكوتا» الذي ساهم في وصول أكثر من 30 سيدة إلى البرلمان المغربي لتحرق بذلك المراحل وتصبح من بين الدول المتقدمة عالميا في هذا الجانب، وهو ما يأمل فيه الاشقاء بأرض الكنانة.
الشهادة الخارجية الثانية كانت بدورها عربية، وجاءت هذه المرة من العاصمة الأردنية والتي قرر برلمانيوها سواء في مجلس النواب أو الأعيان وضع التجربة المغربية تحت الدراسة للأخذ بها، خاصة تلك المتعلقة بمساهمة الدولة أو النظام في تمويل الأحزاب السياسية، سواء كانت موالية أو معارضة أو «بين البينين»، لعلها تنجح في تطويع هذه الأحزاب مصداقا للقول الشعبي المأثور « اطعم البطن تستحي العين»، أو «من يأكل من قصعة الملك فلا بد أن يحارب بسيفه»، وهو ما نجح فيه المغرب وإلى حد بعيد، فلم يعد المواطن المغربي يفرق بين الأحزاب المعارضة ذات التاريخ النضالي الطويل، أو الأحزاب الإدارية التي كنا نعتبرها وإلى حدود ما قبل التناوب بأنها «صنيعة للمخزن»، بعدما توحد الخطاب والبرامج الانتخابية ومانشيتات الصحف الناطقة باسمها، فلا فرق حاليا بين «الاتحاد الاشتراكي ورسالة الأمة وبيان اليوم»، لأنه لا يعقل أن تعتمد هذه الأحزاب سواء اليوم في المغرب، أو غدا في الأردن في موازنتها على دعم الدولة، وتعمل فيما بعد على معارضتها في البرلمان أو على صدر صفحات صحفها، وإلا اعتبر هذا «قلة حياء».
وإذا كانت الشهادة الصادرة عن القاهرة، أو تلك الصادرة عن عمَّان، وما سبق ذلك من شهادات صادرة عن جهات دولية، حكومية أو غير حكومية، تشيد بالتجربة المغربية، التي ستظل فقط «تجربة لا غير» ولن تسثمر على أرض الواقع، فإن شهادة صداحة في حق هذا التجربة صدرت هذه المرة من داخل الحدود المغربية، لتعلن للقاصي والداني أن ما نعيشه على أرض الواقع في المملكة المغربية ما هو إلا «تجربة» يقصد بها فقط دغدغة مشاعر المراقبين والمتتبعين، حتى يشار إلينا بالبنان من قبل هذه المنظمة أو تلك، أو يأتي ذكرنا على لسان هذا الرئيس أو ذاك، ليأتي بعد ذلك دور الإعلام العمومي المتخلف في المملكة، ويضع هذه الشهادات تحت المجهر والدراسة والتقييم، ولنقدم التهاني في ختام الأمر لأنفسنا على ما حققته ديمقراطيتنا المغربية الرائدة، وبهذا نكون مثل الذي كذب الكذبة وصدقها.
وبالعودة إلى تلك الشهادة التي جاءت لتذكرنا بوضعنا الحقيقي فإنها تتعلق بالبيان الذي أصدره الكاتب المغربي أحمد بوزفور الذي رفض جائزة الدولة للكتابة، عدّد خلاله الاسباب التي دفعته لذلك الرفض، نذكر من بينها غياب حكومة ديمقراطية منتخبة انتخابا نزيها باعتبار أن رئيس الوزراء الحالي معين وليس منتخبا، بل الأكثر من ذلك مستقل وغير منتم للأحزاب السياسية التي تتسابق خلال الانتخابات التشريعية أو المحلية لكسب ود المنتخبين على أمل الحصول على أكبر المقاعد التي تخول لهم المشاركة في الحكومة ولما لا ترأسها على غرار حكومة عبد الرحمن اليوسفي السابقة. وهكذا فإن حكومة المغرب اليوم يقودها رجل لا يتحمل أية مسئولية سواء أمام مناضلي حزبه باعتباره غير «محزّب»، أو أمام الأمة باعتباره لا يتزعم أو ينتمي لحزب قد يحاسبه المنتخبون خلال الانتخابات القادمة إذا ما فشل في تنفيد وعوده الانتخابية. وباعتبار ذلك الوضع المأسوي الذي يوجد عليه الشعب اجتماعيا أو اقتصاديا إذ البطالة تضرب بأطنابها وسط حاملي الشهادات الذين تتكسر عظامهم أسبوعيا على أيدي قوات الأمن أمام البرلمان الصرح الذي يجب أن يحمي الحريات والممثل الأبرز للديمقراطية، الذي بدل أن يتصدى لهذه المشكلة يقرر زيادة 600 دولار لنوابه المحترمين، وهو المبلغ الذي قد يساهم في توظيف أكثر من 1200 من العاطلين في تجسيد واضح للكوميديا التي نحياها ونتبجح أمام العالمين من خلالها بما حققته ديمقراطيتنا الفريدة التي ما تعددت أوجه زيفها، وفي مقدمتها الزبونية والمحسوبية التي باتت «البطاقة البيضاء» للتوظيف وشغل المناصب من خلال الاعتماد فقط على المحسوبين على هذا التيار السياسي أو ذاك، فإذا كان نظام البعث المنهار في العراق يعتمد فقط على حزبييه، فإننا في المغرب باتت كل وزارة تعتمد فقط على المنتمين إلى الحزب الذي ينتمي إليه السيد الوزير.
من خلال كل ما سبق يتبن لنا زيف هذه الشعارات التي كما أشرنا سابقا إلى أنها قد تصلح للاجترار خارجيا، أما داخليا فإن الأمر مختلف لأن «أهل المغرب أدرى بشعابه التي تزيد بكثير عن شعاب مكة»
العدد 511 - الخميس 29 يناير 2004م الموافق 06 ذي الحجة 1424هـ