انتقدت الصحف الإسرائيلية بشدة صفقة تبادل الأسرى بين «حزب الله» و«إسرائيل»، وأجمعت على اعتبار العملية إنجازا لأمين عام حزب الله السيدحسن نصرالله... و«حزب الله». وفي حين حاولت «إسرائيل» لملمة الخلافات الداخلية، تحت ستار «الواجب الأخلاقي» الذي رفعه رئيس حكومتها أرييل شارون، راهنت أن تحقق لها الصفقة في غضون الأيام المقبلة الحصول على بعض المعلومات المثبتة عن مصير الطيار المفقود في لبنان رون آراد، بعدما ربطت إطلاق عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار بالحصول على هذه المعلومات في مقابل موافقتها على البحث عن الدبلوماسيين الإيرانيين الأربعة الذين خطفوا أثناء الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982. وأبقت الصحف العبرية الأنظار مشدودة إلى آلية تنفيذ هذه الصفقة في وقت أبرزت الانقسام في «إسرائيل» بشأن إتمام هذه الصفقة، وجاء في استطلاع للرأي نشرت نتائجه «معاريف»، أن الإسرائيليين منقسمون على الصفقة، إذ تبين ان 44 في المئة منهم يؤيدونها و44 في المئة يعارضونها فيما 12 في المئة لا رأي لهم.
واعتبر رئيس حزب العمل النائب شمعون بيريز صفقة تبادل الأسرى «خسارة سياسية بالنسبة إلى «إسرائيل» ولكنها ربح إنساني». وحذر وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم من تعليق آمال عريضة على المرحلة الثانية من الصفقة التي تتعلق بالطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد. وقال شالوم: «آمل في ان تؤدي التغييرات الأخيرة في إيران إلى إحداث تغيير جوهري بخصوص رون أراد. ولكن يحظر أن تضللنا الأوهام الكثيرة، ويجب أن نكون واقعيين كي لا نصاب بخيبة أمل كبيرة في المستقبل».
وكتب زئيف شيف في «هآرتس» مقالة على هامش صفقة التبادل بين «إسرائيل» و«حزب الله». واعتبر ان أغرب تحرك تقوم به «إسرائيل» هذه الأيام هو الإفراج عن معتقلين فلسطينيين عن طريق «حزب الله»، في الوقت الذي يحاول فيه الحزب تخفيف نشاطاته في الأعمال «الإرهابية» في الضفة الغربية إلى جانب تخفيض مساعيه وجهوده الرامية إلى تجنيد عرب إسرائيليين لممارسة النشاط «الإرهابي». وتابع ان صفقة التبادل إنجاز كبير لـ «حزب الله» وهي تبرهن للفلسطينيين بأن «إسرائيل» لا تفهم سوى منطق القوة. واستنتج بأن الإسرائيليين قدموا إلى «حزب الله» «الوقود» اللازم من أجل مشاركته في «الإرهاب الفلسطيني»، وان الجهة الوحيدة التي ستلام من الآن فصاعدا على التعاون المتزايد بين الفلسطينيين و«حزب الله» هي الدولة العبرية. إلى جانب ذلك، أكد شيف، أن الصفقة هي دليل قاطع على أن «إسرائيل» تعارض القوى المعتدلة بين الفلسطينيين، لأنها رفضت الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين في إطار اتفاق مع رئيس الحكومة الفلسطيني السابق محمود عباس (أبومازن). في المقابل، رأى شيف، أن المفاوضات بشأن تبادل الأسرى بين «إسرائيل» و«حزب الله»، تعيد إلى الأذهان الإخفاقات الإسرائيلية المتتالية. مشيرا إلى إخفاق الدولة العبرية في القيام بأية خطوة من شأنها منع «حزب الله» عن مساعدة إيران وسورية، من نشر منظومة الصواريخ الأكبر في المنطقة والتي تهدد المناطق الشمالية من «إسرائيل».
وذكر شيف، في هذا الإطار فشل «إسرائيل» في منع وصول الأسلحة والمعدات من سورية إلى حزب الله، وصد الطائرات التي نقلت الأسلحة إلى «حزب الله» مؤخرا دائما على حد زعم شيف. وخلص إلى ان الأمر قد بدأ بإخفاق استخباراتي واستمر ليصبح إخفاقا عسكريا وفشلا خطيرا جدا على صعيد قوة الردع الإسرائيلية. وكتب عمير أورين في هآرتس مقالة على هامش صفقة تبادل الأسرى بين «حزب الله» و«إسرائيل». وأكد انه يجدر بالحكومة الإسرائيلية أن تجري مفاوضات أو محادثات مع حكومات وليس مع منظمات كـ «حزب الله». وإذ اعتبر ان الصفقة هي اتفاق بين رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون وأمين عام «حزب الله» السيدحسن نصرالله، أكد ان شارون بتوقيعه هذا الاتفاق قد اعترف بأن «حزب الله» هو الممثل الرسمي للحكومة اللبنانية. مركزا على ان التفاوض جرى مع نصر الله وليس مع رئيس الجمهورية اللبناني إميل لحود أو مع رئيس الوزراء رفيق الحريري، من أجل إطلاق سراح الأسرى اللبنانيين. وتابع أورين، ان الأمر لم يقف عند هذا الحد بل ان عقد الصفقة مع نصر الله، يعتبر أيضا اعترافا من جانب شارون، بأن الحزب هو الممثل الرسمي لكل العرب. وفي هذا السياق أشار المعلق الإسرائيلي، إلى ان الولايات المتحدة، تصرفت بشكل مغاير مع المنظمات الموجودة في لبنان والتي ترد على اللائحة السوداء الأميركية. فقد طلب البيت الأبيض من الحكومة اللبنانية أن تتخذ خطوات جدية لوقف نشاط تلك المنظمات. وأضاف انه بعد رفض الحكومة اللبنانية معاقبة العناصر الذين خطفوا أميركيين أو قتلوهم، مارست الإدارة الأميركية ضغطا كبيرا على الدولة اللبنانية أدى إلى دفع الحريري، إلى شن حملة ضد المنظمات السنية مثل «عصبة الأنصار» التي يعتقد بأنها تابعة لتنظيم «القاعدة». أما «حزب الله»، يعلق أورين، فلم «يلمسه» الحريري، على حد تعبيره، مع ان «اتفاق الطائف» يطالب بنزع سلاح جميع المنظمات اللبنانية، دائما بحسب عمير أورين. ولم يكتف المعلق الإسرائيلي بالاعتراض على فكرة التفاوض مع «حزب الله»، بل اعتبر ان مسئولا متورطا في قضية رشاوى مثل شارون، ويدعي انه لم يدرك دوافع رجل الأعمال ديفيد أبيل، حين تلقى منه الرشوة، ليس مخولا كفاية لتمثيل «إسرائيل» في مفاوضات مع نصر الله أو مع الرئيس السوري بشار الأسد.
واعتبرت «هآرتس» الصفقة، «جائزة لنصر الله»... وكتبت في افتتاحيتها انها على رغم ترحيبها بإطلاق سراح رجل الأعمال الإسرائيلي ألحنان تننباوم، وتسليم جثث الجنود الإسرائيليين الثلاثة، إلاّ ان «هآرتس»، أكدت ان صفقة تبادل الأسرى هذه تتضمن ثغرات مهمة أبرزها عدم الكشف عن معلومات بشأن الطيار الإسرائيلي رون آراد. كما اعتبرت ان الصفقة تشكل انتصارا آخرا لـ «حزب الله»، بعد الانتصار الذي حققه العام 2000 حين انسحب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وقامت «إسرائيل» بحل جيش لبنان الجنوبي (جيش العميل لحد). وشددت على ان هذا الانتصار الجديد لـ «حزب الله»، لا يعتبر كذلك في عيون اللبنانيين فحسب بل في عيون الفلسطينيين لأنها تشمل إطلاق سراح 400 معتقل فلسطيني. وشددت الصحيفة العبرية على ان صفقة تبادل الأسرى بصيغتها الحالية تعني ان الدولة العبرية وافقت على ما كانت ترفضه قبل خطف الإسرائيليين على يد «حزب الله»، أي تسليم المعتقلين من دون تسليم آراد أو على الأقل الحصول على معلومات عنه. في المقابل لفتت «هآرتس»، إلى انه من المنظور الداخلي اللبناني فإن صفقة تبادل الأسرى تخلق إشكالية معقدة ومحبطة لأنها تؤكد أن «إسرائيل»، تخلت عن مطالبتها الحكومة اللبنانية بفرض سلطتها على الحدود اللبنانية وكبح جماح «حزب الله». أما على الجانب الفلسطيني، فإضافة إلى اعتبارها الصفقة انتصارا لنصر الله في عيون الفلسطينيين، حذّرت «هآرتس»، من أن تؤدي إلى تشجيع المنظمات الفلسطينية على اختطاف إسرائيليين من أجل تحقيق تطلعاتها الوطنية والدينية والعائلية. وكتب علي واكد في «يديعوت أحرونوت» ان احتفالات النصر المتوقعة مع الإفراج عن الأسرى اللبنانيين العرب والفلسطينيين لن تكون كالقذى في عيون «إسرائيل» فقط ففي قسم كبير من قصور الزعماء العرب كانوا سيفضلون التنازل عن هذه الصور ولو كان السبب لذلك هو وجود منتصر واحد في هذه القضية هو زعيم «حزب الله»... نصرالله سيتوج هذا الأسبوع «ملكا على العالم العربي» وسيضطر كثيرون من القادة العرب إلى أن يأخذوا نفسا عميقا عندما يقف زعيم الحزب الشيعي في قلب مسيرات الانتصار التي ستجتاح لبنان والمناطق الفلسطينية وعلى ما يبدو مدنا أخرى في العالم العربي.
وكتب داني روبنشتاين في «هآرتس مقالة» تحت عنوان «ليس لدى السلطة الفلسطينية أي سبب للاحتفال»، أكد فيها ان صفقة تبادل الأسرى بين «إسرائيل» و«حزب الله» هي بمثابة تقويض للسلطة الفلسطينية. وأوضح ان صفقة التبادل هي دليل على الوهن الذي تعاني منه السلطة. وأضاف ان الصفقة من شأنها أن ترفع من شأن «حزب الله» في عيون الفلسطينيين وأن تقوض مكانة السلطة الفلسطينية. وأكد ان تراجع قدرة السلطة عن حل قضايا الشعب الفلسطيني قد بدت جلية من خلال صفقة التبادل. موضحا ان اللائحة التي قدمتها السلطة إلى «حزب الله»، بأسماء المعتقلين التي ترغب في الإفراج عنهم والتي تضمنت أسماء بارزة كاسم مروان البرغوثي، لم يأخذها الحزب بعين الاعتبار، بل استعان باللوائح التي سلمتها إليه المنظمات الفلسطينية في لبنان والأراضي الفلسطينية. وأضاف انه حتى ما بعد إعلان الصفقة لم يكن لدى السلطة الفلسطينية فكرة عن أسماء الفلسطينيين المنوي الإفراج عنهم. وختم مشددا على ان السلطة لم تحصل على أي مكسب سياسي من صفقة تبادل الأسرى بل على العكس يبدو ان هذه الصفقة قد دمرتها. وقال تسفي برئيل في «هآرتس»، ان نصرالله بدا ليس زعيما لبنانيا فحسب بل ناطقا باسم كل الحكومات العربية... ولفت إلى ان نصرالله، طالب الزعماء العرب بمده بلوائح بأسماء معتقليهم. غير ان برئيل، لاحظ ان شد العضلات الذي مارسه أمين عام حزب الله، لم يلقَ ردا من الأردن أو سورية. موضحا ان نصرالله، يعلم جيدا انه على رغم صفقة التبادل الناجحة فإن منظمته ليست جاهزة بعد لممارسة نشاط دبلوماسي كإحياء المفاوضات بين «إسرائيل» وسورية أو إحداث تغيير في الموقف الإيراني.
وشغل الصحف العبرية، أيضا المسألة اللوجستية من ناحية العقبات التي من الممكن أن تواجه المرحلة الأولى أو التالية من تنفيذ الصفقة... ولفت زئيف شيف في «هآرتس» إلى ان الحكومة الإسرائيلية ستأخذ برأي عائلة الطيار الإسرائيلي رون آراد، قبل القيام بخطوات جديدة في إطار صفقة التبادل بين «إسرائيل» و«حزب الله». لاسيما ان عائلة آراد، تشدد على انه في حال تبين ان ولدها قد قتل، فهي ترفض رفضا قاطعا أن يتم إطلاق سراح أي معتقل حي مقابل رفاته. وأكد شيف، ان التزام الحكومة الإسرائيلية برأي عائلة آراد، سيعقد تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة التبادل وخصوصا ان موقف العائلة في حال تبين ان آراد، ليس على قيد الحياة، موقف ثابت لا رجوع عنه. وأوضح شيف، ان عائلة آراد، لم تعلن هذا الموقف رسميا غير ان مصادر إسرائيلية، تؤكد ان والدة أراد، رفضت بشدة قبل وفاتها أن يتم الإفراج عن «إرهابيين» أحياء مقابل رفات ولدها. وأضاف شيف، ان عائلة الطيار الإسرائيلي مستاءة جدا من صفقة التبادل لاسيما من شقها المتعلق بالإفراج عن مصطفى الديراني، الذي يعتقد بأنه كان يحتجز آراد، قبل تسليمه إلى الإيرانيين. لكن شيف أكد ان موقف عائلة آراد، ليس له علاقة بالإفراج عن المعتقل اللبناني سمير القنطار، لأن الإفراج عن هذا الأخير مرتبط بالكشف عن معلومات ملموسة بشأن مصير آراد، بحسب ما تنص عليه الصفقة. وزعمت «هآرتس» في خبر افتتاحي ان اثنين من بين المعتقلين العرب الـ 35 الذين من المقرر الإفراج عنهم رفضوا أن تشملهم الصفقة. وأوضحت الصحيفة ان أحد المعتقلين هو مغربي يدعى إياد السنوسي، وقد اعتقل في «إسرائيل» بسبب دخوله إليها بصورة غير شرعية. وقد تم الإفراج عنه بعد ذلك ولم يغادر «إسرائيل» بل استقر فيها بعد أن تزوج (لم توضح الصحيفة هوية زوجته). وقد قبض عليه مرة أخرى العام 2001 بتهمة ممارسة العنف المنزلي وهو يرفض اليوم أن يتم إرساله إلى لبنان مع المعتقلين الآخرين المدرجين على لوائح صفقة التبادل (من المعروف ان أحد شروط حزب الله في الاتفاق أن لا يكون بين المعتقلين المنوي الإفراج عنهم متهمون جنائيون). أما المعتقل الآخر فلم تذكر «هآرتس»، اسمه أو جنسيته بل أشارت إلى انه يرفض أن يتم نقله إلى لبنان، على ان «حزب الله» طالب بالإفراج عنه، طبعا، بحسب الصحيفة العبرية.. وفي الجانب اللوجستي أيضا، نقلت «هآرتس» في خبر افتتاحي عن مسئول إسرائيلي رفيع المستوى ان صفقة التبادل هذه تعتبر من بين الصفقات الأكثر تعقيدا لتبادل الأسرى في العالم. في حين كشفت «هآرتس» في خبر افتتاحي أيضا نقلا عن مصادر إسرائيلية مطلعة ان وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم، ألغى زيارته للأردن، بسبب امتعاض عمّان، من صفقة التبادل بين «إسرائيل» و«حزب الله» التي سلطت الضوء على رفض «إسرائيل» الإفراج عن معتقلين أردنيين ارتكبوا «جرائم» بينما وافقت على إطلاق سراح معتقلين لبنانيين بالمواصفات نفسها. وأضافت المصادر ان عملية إطلاق سراح المعتقلين الأردنيين قد تأخذ بضعة أسابيع إضافية وان لا داعٍ لزيارة شالوم، للأردن طالما ان الاستجابة لمطالب عمّان لم تنفذ بعد. وذكرت الصحيفة العبرية في سياق الخبر ان الأردن يزعم وجود 71 معتقلا أردنيا في السجون الإسرائيلية وان بعضهم محكوم بالسجن المؤبد بسبب قتله إسرائيليين. وان الناطق باسم الحكومة الأردنية أعلن الأسبوع الماضي أن «إسرائيل»، ستفرج عن 18 معتقلا قبيل زيارة شالوم.
اللافت أخيرا، ما صرح به قائد ميليشيا «جيش لبنان الجنوبي» السابق أنطوان لحد، الذي قال خلال مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، إنه يبارك لأمين عام حزب الله الإنجاز الذي قام به مقابل حكومة «إسرائيل»، وقال لحد: «حسن نصرالله عرف كيف يتصرف مع «إسرائيل»، إنني كنت صديقا لها ولكنها طعنتي بسكين في الظهر»
العدد 511 - الخميس 29 يناير 2004م الموافق 06 ذي الحجة 1424هـ