17 عاما هي الفترة التي قضاها حتى الآن وهو يترقب الحصول على وحدة سكنية تلم شتات أسرته التي شاء القدر أن تعيش حياة البدو والترحال وهي تتنقل من شقة إلى أخرى.
كبر أولاده وأصبحوا في مستوى قامته، وبعد سنوات معدودة سينهون دراستهم الجامعية وسيقبلون بلا شك على تكوين أسرة جديدة، وحتى هذه اللحظة لا يعرف في أية غرفة يمكنه أن يسكنهم فيها.
طلبه يعود إلى العام 1992، بينما قريبه الذي قدم طلبه متأخرا ويصغره ببضع سنوات حصل على مسكن ضمن وحدات قرية دمستان، وهو الآن على مشارف الانتهاء من تسديد جميع المبالغ المستحقة عليه لصالح الدولة بعد أن تم إسقاط نصف المبالغ المترتبة عليه، على اعتبار أنه من بين شريحة واسعة من المستفيدين شملتهم التوجيهات الملكية بالإعفاء من المستحقات المتبقية.
أما هو فلا يزال يعيش على أطلال مشروع النويدرات الإسكاني الذي يبدوا أن بيوته ستبلى جدرانها وستتداعى أركانها ولم يتم توزيعها بعد نتيجة الصراع السياسي الكتلي النيابي الطائفي الذي مسّ جسد الوطن ولم يعد له دواء أو علاج.
ليس له انتماء إلى أية جمعية سياسية أو حقوقية أو اجتماعية أو اقتصادية، ولكنه أقحم قسرا في دائرة مساجلات ونقاشات بين أطراف نيابية وبلدية محسوبة على بعض التيارات، لا يبدو أن الجهات الرسمية جادة حتى الآن في وضع حد لها، على الرغم من وجود توجيهات ملكية واضحة لا مجال للتشكيك في صحتها أو حرف مسارها.
لم يسمح له أن يحدد مصيره، فعنوانه مسجل على قرية سند، وعليه أن يتجرع صنوف العذاب وألوان الصبر والشقاء في حياته إلى أن يجد الله له مخرجا، لا لشيء سوى أنه اختار أن يقيم في هذه المنطقة والوحدات المخصصة لأبنائها من ضمن ذلك المشروع.
يعود كل يوم من عمله ليتفقد صندوق البريد الخاص به، عله يجد خطابا من وزارة الإسكان يدعوه للحضور لاستلام مفاتيح مسكنه، غير أن ما يصادفه هو الفواتير وتقارير المصارف النصف سنوية مذيلة بأصفار هي رصيد حسابه مطلع كل شهر.
هو عينة من خلايا هذا البلد، والدخول في المعامل والمختبرات لتفحص العينات ربما لا يوصلنا إلى الطريق المنشود، ولكن هناك أسئلة تطرح نفسها بإلحاح في هذا الموضع، فما هو مصير أهالي النويدرات الذين تنازلوا عن أراضيهم فباعوها بأثمان زهيدة لا مثيل لها في منطقة «بربورة» من أجل أن يسكن أبناؤهم في البيوت التي تم إنشاؤها؟ وإلى متى سيبقى المواطن سواء كان من سكنة المعامير أو العكرين أو النويدرات أو الرفاع يتلوى على نار الجمر حتى تحل عقدة الحسابات الانتخابية والمناكفات السياسية؟
إذا كانت وزارة الإسكان ترى أن مشروع «امتدادات القرى» الذي أشاد به عاهل البلاد في أكثر من مناسبة فاشلا، فلتعلن ذلك وتقوم بتصحيح وضعها ولكن ليس من بوابة «النويدرات الإسكاني»، بل في مشروعاتها الإسكانية المدرجة على خطتها للسنوات المقبلة، وإذا كان لديها رأي غير ذلك فلتترجمه على أرض الواقع وتحل أزمة هذا المشروع بتوزيعه على مستحقيه.
الموضوع يجب أن يعالج من قبل الحكومة، لا أن يترك للمزايدات والمساومات، فإذا كان هناك حق فيجب أن يعود إلى أصحابه مهما كانت انتماءاتهم أو طوائفهم أو دياناتهم، حتى وإن تخيل البعض أن ذلك قد يوقع الظلم على أشخاص آخرين وصلوا إلى محطة القطار متأخرين، فالأجواء المشحونة التي نعيشها هذه الأيام لا تحتمل مزيدا من التوتر والانفلات.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ