أنظر في مرآتك... ماذا ترى؟
وجهك.
تلك الملامح لم نخترها، لا اللون ولا دقائق الصورة التي أمامنا.
لا يسألك الله عن تلك الصورة... عن وجهك...
بل يسألك عن وجهتك.
«وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين «(الأنعام: 79)، نقولها في أذكار الصباح، وقبل النوم ندعو «اللهم وجهت وجهي إليك وألجأت ظهري إليك».
من الوجهة يأتي نور الوجه.. أو ظلمته.
تأمل في حياتك جيدا.
ما هي وجهتك؟
هل هي وجه الله؟
هل أفعالك هي ابتغاء وجهه ليسبغ على وجهك... من نوره؟
هل واجهت الحياة بهذا الوجه قاصدا ربك وشمرت ليوم «كل شيء هالك إلا وجهه» (القصص: 88)؟
«يوم تبيض وجوه وتسود وجوه» (آل عمران: 106)
فالإسلام تعريفه: أن تكون الوجهة لله… وحده.
يقول الله تعالى: «فأقم وجهك للدين حنيفا» (الروم: 30)، ويقول:» فأقم وجهك للدين القيم» (الروم: 43).
«ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن». (النساء: 125)
ويقابله في الخطاب القرآني: «من يمشي مكبا على وجهه» (الملك: 22).
ولكي يستقيم الوجه لله يحتاج لقبلة... «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها» (البقرة: 144)
فمن أعرض عن الله فرق الله عليه الوجهة والشمل فلم يدر أين يوجهه.
وينشد الناس لوجوههم عادة... الوجاهة.
وقد تكون عند الناس وجيها... والأهم أن تكون كذلك عند الله، وأن تكون وجيها في الدنيا... والآخرة.
والوجه مرآة الروح، الروح الرفيعة تسع الناس ببسط الوجه، الذي هو قرين حسن الخلق.
والوجه أيضا مرآة العمر، تبدأ خيوط الزمن وآثاره في التسلل له بدون أن ندري.
تأمل في صورك صغيرا، كانت وجوهنا ناضرة... واليوم اختلفنا كثيرا عن الأمس البعيد.
وتأمل ثانية في مرآتك... أترى كيف تركت الأيام بصماتها على وجهك؟
بين وجهك والزمن علاقة وثيقة.
ولأننا نأبى إلا أن نهزم الزمن... نغير وجوهنا.
في بعض بلداننا وفي بلدان كثيرة ينفق الناس المليارات على تجميل الوجه... رجالا ونساء.
لكن إنفاق الوقت والمال على تجميل النفس وتحرير الوجهة والتماس الوجاهة عند الله... قليل.
يريد ابن آدم أن يبقى وجهه ناعما نضرا طول العمر، ويعد الله من يسلم وجهه له أن يرزقه في الآخرة وجوها ناعمة نضرة، ويصالحنا الله على الزمن، ويعلمنا الاعتصام به... والخضوع لسنن الكون.
انظر في وجوه الناس ترى اختلافا هو آية الله في الخلق، وانظر كيف يحب الناس أن تظهر وجوههم ويعرفها القاصي والداني.
الإعلام الحديث جعل الوجه ملصقا على إعلان، وملتصقا بشاشة الشهرة والسلطة.
صار تجميل الوجه فنا... تجميل وجه البشر، وتجميل وجه الأنظمة.
ورغم أنك «تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر» (الحج: 72) لكنهم يتجملون وتتلون وجوههم على القنوات وفي المنتديات، يلبسون الحق بالباطل ويكذبون... يريقون ماء وجههم في الخفاء طلبا وطمعا وصَغَارا، ويستعلون على العباد في العلن.. استكبارا.
على بريدي الإلكتروني جاءتني رسالة تحمل عنوان «وجوه الشهداء»... هي مجموعة من صور لوجوه شهداء في مناطق جهاد مختلفة، عيونهم مسبلة... ووجوههم باسمة.
تركوا الصور وراءهم وطارت أرواحهم شوقا... لوجه الله.
قالوا قديما إن من الأدب أن تدير وجهك كله كاملا لمن يكلمك، فهذا يعكس الانتباه والاحترام.
وقالوا في وصف شيم الكرام إن الرجل الحق لا يخشى من المواجهة: وجها لوجه. وأن المجاهد الحق من يقبل على العدو، يلاحق العار من يُقتل في الحرب وقد أدبر... نشد الفرار يوم الزحف، ولم يواجه.
وحين يخالف التوجه ظاهر ما يدعيه الوجه فذلك… النفاق.
وجوه البراءة هي وجوه الأطفال، تلك الوجوه التي لا تعرف المداراة، فإن حاولت فشلت، وإن تجملت بدت مضحكة ساذجة.
ويقال «وجوه القوم» أي وجهاءهم، قد يكونون من أهل العلم والعمل، وقد يكونون المتصدرين للمجالس والرابضين على الكراسي والمناصب، الذين يحبون الظهور ويركبون الظهور، لكن رُب أشعث أغبر لا يؤبه لو أقسم على الله... لأبره. أسلم وجهه لله.
انظر ثانية للمرآة... وحاسب نفسك قبل أن تحاسب، انظر في عينك جيدا وجها لوجه... وتذكر مسارك وانتبه إلى مسيرك واستشرف مصيرك.
واجه وجهك... وراجع وجهتك، واصبر نفسك مع الذين يريدون وجه الله.
واجه وجهك...
فتلك في حياة الإنسان... هي المواجهة الأصعب.
إقرأ أيضا لـ "هبة رؤوف عزت"العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ
كلمه من القلب الكبير - الدكتوره هبه -
ربنا يجزيكي كل الخير ويجعلنا واياكي من اهل النور التام يوم القيامه