ليس بوسعك إلا أن تحني هامتك أمام عليائه. رجل اختصر المسافات فكان حضورا، وحياة مفعمة بالنبض، ومكتنزة بروح المثابرة والاقتحام ذاك هو السيدحسن نصرالله الذي استطاع أن يهزم «إسرائيل» في أكثر من موقع. بالأمس جعل من جنوب لبنان فخا لاصطياد الفئران (الإسرائيليين)، واستطاع أن يكسر تلك اليقينية المستحكمة في عقول العالم العربي طيلة 50 عاما بأن جيش «إسرائيل» لا يقهر، إذ استطاع أن يهزمهم، ويحرر لبنان لتكون أول أرضٍ عربية تعود الى الأم من دون إملاءات إسرائيلية، بل تخرج «إسرائيل» صاغرة، منكسة الرأس. وهكذا هي الحياة عندما تنعم الأمة بالقائد القوي لتحقق النصر ولو بعد حين. فالسيد حسن نصرالله ولد من الجرح الشعبي، وكانت القضية الوطنية حاضرة في مشروعه، وخطابه... يتحرك بضمير نابض، وبعقل سياسي استراتيجي منفتح، عارفا بتقاطعات السياسة وتعقيدات الوضع بعيدا عن الخرافات والانغلاق، مدعوما بفريق عمل مليء بالتخصصات المتنوعة في عمل مؤسسي ناضج خال من فردية القرار وفق مجلس متكافئ يدعى بـ «شورى حزب الله».
السيدحسن كقائد لم يكن عسكريا فحسب أو قائدا دينيا أبدا بل هو قائد مدني. فالهم الآخر الذي كان يمارسه السيد هو العمل المدني وترسيخ المؤسسات المدنية، لهذا استطاع أن يؤسس اعلاما قويا يدرك طبيعة خطاب المرحلة فأنشأ «المنار»، كما عمل مع المقاومة على انشاء المعاهد والمستشفيات والمبرّات وغير ذلك من مؤسسات المجتمع المدني فأصبح للسيد حضور على مستوى المجتمع اللبناني والدولة اللبنانية فعرف بعلاقته المتميزة مع أقطاب الدولة اللبنانية كسليم الحص، وإميل لحود وغيرهما...
هكذا كان يقول فيه الإسرائيليون: «نصرالله إذا قال فعل»، بخلاف العرب الذين عبّر عنهم عبدالله القصيمي بـ «الظاهرة الصوتية»، ثم انطلق نزار ليكتب قصيدته «متى يعلنون وفاة العرب» وقصيدة «المهرولون نحو إسرائيل».
ما أجملك يا أبا هادي وأنت تدافع عن المحرومين وعن الشهداء والمعتقلين، فما أنستك الجروح جروح أمتك وأنت الذي قدمت ابنك ذات يوم قربانا على مذبح الفضيلة فداء للدين وللقدس وللوطن ولكربلاء الحسين (ع). ذات يوم كنت أنت وأم هادي تنتظران رجوع نعش ابنك هادي ولم تهطل من عينك دمعة، حزنت ولكنك لم تنكسر وكيف يعرف قلب الانكسار وقد شكل من نبضاته عقد الولاء للحسين (ع).
أنت الذي كنت تقول بعد استشهاد ابنك هادي ذي الـ 17 ربيعا: نحن لا نوفر أبناءنا للمستقبل.
لقد قال فيك هيكل بعد استشهاد ابنك في برقية أرسلها إليك: «يا أبا هادي، عند سماعي نبأ استشهاد ابنك أردت أن أصلي لك ركعتين فوجدت أن صلاتك أقرب إلى العرش... دعني أفتخر بك كما يفتخر بك الملايين من الناس».
فلا أحد يستطيع أن يزايد على اسلامك ووطنيتك وعروبتك. كان المزايدون يتهمون اسلامك واذا بك تحرر الجنوب بالدم والبندقية من دون أي «اتفاق سلام» ويهرول العملاء كأنطوان لحد صاغرا ويتلاشى جيش لبنان الجنوبي، كانوا يزايدون على وطنيتك وإذا بك أنت المحرر للوطن إذ أرجعت الأرض وتمسكت وحدك بـ «شبعا» والأراضي اللبنانية. قالوا عنك وعن جنودك إنهم ليسوا عربا على رغم معرفتهم بنسبك وأن المدينة كانت مدينة جدك (ص) واذا بك تزأر ويمرّ الزمان ليشهد العالم كل العالم ان السيدحسن نصرالله القائد آثر الصبر سنين على ألا يرجع أسير لبناني إلا معه أسير فلسطيني وليبي وسوري و... الخ... وها نحن اليوم ننتظر رجوع الشرفاء من الأسر، وها هي البيوت العربية تزدان مرة أخرى بانتظار رجوع ليوث الأسر وحماة الدين وجنود القدس. دموع الفرح ممتزجة بدموع الحزن ونستقبل الأسرى ونعوش الشهداء
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 510 - الأربعاء 28 يناير 2004م الموافق 05 ذي الحجة 1424هـ