نظمت إدارة العلاقات العامة في وزارة الاعلام محاضرة للمفكر التونسي محمود طرشونه بعنوان «ثقافة النخبة وثقافة الشعب في تونس» وذلك عند الساعة 7 من مساء يوم الاثنين الماضي. ضمن فعاليات أسبوع الاخاء والتواصل التونسي البحريني، تطرق الكاتب في محاضرته الى تعريف الثقافة ومكوناتها، مفصلا الحديث عن روافد الثقافة التونسية وأهمية الفتح الاسلامي في تشكيل هويتها الثقافية، شارحا الفرق بين معنى الثقافة النخبوية وثقافة الشعب.
إذ أوضح بداية أن معنى الثقافة لغويا - بحسب لسان العرب - مأخوذ من ثقف الرماح، أي تسويتها، لذلك ارتبط معناها بتهذيب وتليين الطباع. وان الروافد الثقافية تتراكم في وجدان الفرد عن وعي أو غير وعي، فتصبح تراثا إنسانيا. وروافد الثقافة العربية في تونس 3 روافد، رافد أصلي ورافد وافد ورافد غربي حديث. أما الأول وهو الرافد الأصلي فهو يشمل كل ما سبق الفتح الاسلامي ومنه الحضارة الأمازيغية والمسماة تعسفا بالبربرية وامتدادها الى قرطاج، وهو رافد عرقي ولغوي وحضاري ولاتزال بعض رواسبه ظاهرة في بعض المفردات اللغوية. وهو رافد فتح المجال واسعا عن طريق الحروب الرومانية الثلاثة لتعاقب الثقافة اللاتينية والافريقية.
وأكمل بعد ذلك وفد الرافد الاسلامي وصار المكون الأساسي للهوية، إذ غيَّر من الثقافة التونسية وقضى أو كاد على مكونات الحياة السابقة عن طريق اللغة العربية التي تحولت الى لغة التخاطب اليومي عند المعلمين والأميين على حد سواء، إثر حملة بني هلال التي استكمل فيها تعريب البلاد، وهذا ما أمكن الثقافة الاسلامية من التحول من مجرد مستهلك للثقافة الى منتجة للثقافة، إذ توفرت الأدوات اللازمة لاستيعاب الثقافة الجديدة وهي الرافد الثالث الغربي.
ثم استدرك بقوله: «إن الثقافة الغربية لم تكن وليدة الاحتلال الفرنسي في الحوض الجنوبي من البحر المتوسط وقربها من أوروبا، الا أن بقاء الاحتلال دعم هذا الانفتاح فكان انتشار اللغة الفرنسية، ولكنه كان انتشارا محدودا في الواقع لأنه اقتصر على الشريحة المتعلمة. ولا تخفى أهمية هذا الرافد الغربي، لأن الثقافة الغربية هي السائدة اليوم وهي تمر بفترة ازدهار كما ازدهرت الثقافة العربية من قبل، فالانفتاح عليها اليوم شيء ضروري بشرط عدم الذوبان فيها وعدم التنكر للجذور، وهذا ما حدث للثقافة العربية في تونس».
وأضاف: «إن الثقافة العربية مدعوة الى التميز الذي يتأتى من خلال ثقافة النخبة وثقافة الشعب. ولكن يجب علينا أن نفهم معنى النخبة أولا، وهو معنى يختلف عن ما يسمى بالخاصة، لأن الخاصة فئة اجتماعية تمتلك السلطة، بينما النخبة تتميز بسلطة المعرفة وهي المنتجة للثقافة، وهي محدودة العدد وتتوزع على الآداب إذ نجدها في الكتب، والثقافة الرقمية التي نجدها في الأجهزة الحديثة، والعلوم التي نجدها في خلاصة العلوم، والفنون التي لا حصر لها. فالكتاب - كما يقول الجاحظ - لايزال خير أنيس، وهو اليوم يمثل أحد جسور التواصل، وأزمة الكتاب لدينا ليست أزمة نشر وانما أزمة توزيع ، على سبيل المثال تم في العام الماضي وذلك في السنة الوطنية للكتاب في تونس اصدار أكثر من ألف كتاب، أي ما يعادل 3 كتب يوميا. أما عن الفنون فهي محتاجة الى معالجة جذرية، فقد أسست لمفاهيم عليا، وأيام قرطاج السينمائية والمسرحية حققت الكثير وفتحت مجالا واسعا للتبادل التجاري».
وأنهى الكاتب والأستاذ الجامعي محاضرته بقوله: «ان ثقافة النخبة ثقافة منتجة للقيم الفنية والحضارية، أما ثقافة الشعب فهي ثقافة استهلاكية قائمة على التأليف الجماعي، وهي تروج للتصوف الشعبي المختلف عن التصوف العرفاني، ولكن هذا لا يلغي أهمية انتاج الثقافي الشعبي، فقد تمت دراسة الفولكلور في الجامعات وقد ساهم في استخلاص وجدان الشعب، واننا نسعى من خلال هذه الأنشطة والفعاليات، الى التقريب بين الثقافة النخبوية والشعبية»