من تصفح مخطوطة ديوان الشيخ الحلي تبدو أغراض الشعر التي تطرق اليها كثيرة ومتنوعة الموضوعات فهي تشمل العلاقات الاجتماعية، والأخلاق، وصفات الأفراد من وفاء وكرم وبخل وشجاعة وعلم، كما تتطرق الى العلاقات الأسرية، والصداقة والهجر والعتاب،وكذلك مشاعر الغربة والشوق والحنين، والتأسي على فقد الأصدقاء، وإزجاء التهنئات. كما تطرّق الحلي في أبدع ما نظمه، الى خوالج نفسه وشعوره بالغربة والشكوى والحنين والتمرّد على الواقع، والحب، كما لم يهمل مشاعر النفس والانسانية ومعاناة البشر من ضيق العيش، والتشاحن، والحروب الظالمة، وشرور المجتمع وآفاته.
والشيخ الحلّي يُعد من الشعراء الذين هاموا في حب الطبيعة وجمالها، وله قصائد جميلة في وصف البلابل والأطيار، وتنظيم الرياحين، ومناجاة القمر، وجمال الطبيعة عموما ولا سيما في العراق - موطنه الأول. فيقول مثلا مخاطبا الكرخ ببغداد:
يالياليَّ بأعلا الكرخ عُودي
علّه يخضر في عودك عودي
فزت فيه بجنانٍ جمعت
بين قضبان غصونٍ وقدود
بيدي النا هِدُ من رمّانها
واليد الأخرى لرمّان النّهود
أنشق التفاح فيها خجلا
لم لا أرشف تفاح الخدود
... الخ
ومما قاله في موضع آخر عن هيامه بالأزهار:
إني أمرؤبهجة الأزهار تسحرني
وما سوى نغمة الأطيار ترقيني
هذا جنوني، ولكن لا أعيش به
بلذّة وهنا، عيش المجانين
وفي المجالات الوطنية والقومية، كتب الحلي أجمل قصائده في الحنين إلى الوطن، والثورة العراقية في العشرين، وكتب عن فلسطين، والأمة العربية، والقومية... ومما قاله في ذلك:
(آه على وطني، ولولا غربتي
في القوم لم تغمرني الآهاتُ)
(لم يُجدني الأفلات عن قوميتي
والقوم عنها مالهم أفلات)
لولا التفّرق كنت فيهم واحدا
منهم، تشايع مايراه مئات)
ومما قاله في الحنين إلى الوطن:
(له صبوت، وما في صبوتي عجب
أني شربت هواه العذب في لبني)
(قالو: أتبكي على الأحجار قلت لهم
بهن مرمس آباني الكرام بني)
بمعشري وبآبائي، وبي رفعت
منه المقاصير، في الأرياف والمدن
بها نشأت وفي أبياتها انتزعت
تمائمي، وبها اقتاد الهوى رسني
ماللنفوس سوى أوطانها ثمن
وليس للوطن المحبوب من ثمن)
على أنني سأتجاوز ما ورد في شعر الحلي في مجال الحكمة وفلسفة الحياة وبقية الزغراض التي نظم فيها... لاختتم هذه الحلقة بما ورد في الحكم والأمثال:
النفس مزرعة فإن هي لم تكن
روضا بهي الورد، كانت مبقلة
والود أنواع وخير صنوفه
ودّ وآخره يشابه أولّه
البر خير كله وآبره
ما كان عجل الكريم وأجزله
بالعقل كف حجاج نفسك إنها
ترديك إن بقيت جموحا مهمله
لا خير في أصل تجف فروعه
لجفائه، كالبحر يضمي جدوله
لا خير في فرع اذا لم ينعطف
يوما على أصل له، ليظلله...
ولقاؤنا الأخير في الحلقة المقبلة من أشعار الشيخ عبدالحسين الحلي