هل ينبغي كتابة خلفية هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام 2001 على الولايات المتحدة مرة جديدة؟ إن المحاكمة الثانية التي تجري في ألمانيا وترتبط بهجوم 11 سبتمبر تعرضت لمداخلات جديدة بعد ظهور شاهد قال المدعي العام إنه كان يعمل لحساب الاستخبارات الإيرانية كما عمل لحساب وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه). فقد صرح هذا العميل الذي يحمل اسما مستعارا هو حميد رضا زكريا أن إيران كانت خلال التسعينات أكبر ممول لمنظمة «القاعدة» وأن التخطيط لهجوم 11 سبتمبر تم في إيران التي كانت أجهزتها الأمنية على علم بموعد تنفيذ هجوم «القاعدة» وتم تحديد يوم 10 أو 11 سبتمبر العام 2001 لتنفيذ الهجوم.
والمفاجأة التي فجرها الشاهد الإيراني الذي قال إنه فر من بلاده بسبب خلافات داخلية أنه قام على أثر حصوله على معلومات وافية عن الهجوم بإبلاغ موظفة جهاز السي آي إيه في سفارة الولايات المتحدة في أذربيجان، بما ستتعرض له الولايات المتحدة من اعتداء كبير في شهر سبتمبر لكن أحدا لم يأخذ كلامه على محمل الجد. في الوقت الذي تشك فيه مراجع أمنية عالية المستوى في ألمانيا بصحة أقوال العميل الإيراني السابق يشاركهم الأميركيون هذا الرأي لكن لسبب آخر. ذلك أن المراجع السياسية والأمنية العليا في الولايات المتحدة تخشى أن ينشأ شعور بأن السي آي إيه علمت مبكرا بوقوع هجوم 11 سبتمبر وأنها تقاعست عن التحذير واتخاذ التدابير اللازمة منعا لوقوعه. وفي حال تم تفنيد أقوال الشاهد المثير للجدل سيخسر المدعي العام آخر ورقة بيده. وهذه ثاني محاكمة تجري أمام محكمة هامبورج وتتعلق بهجوم 11 سبتمبر العام 2001 ففي فبراير/ شباط الماضي حكم على المغربي منير المتصدق الذي لم يتجاوز العقد الثالث من العمر بالحبس خمسة عشر عاما وهذه العقوبة القصوى في قانون العقاب الألماني بعد أن استخدم المدعي العام نفس الأسلوب ونفس صحيفة الاتهام التي وجهها إلى المسعودي لكن من سوء حظ المتصدق أن السلطات الأميركية رفضت التعاون مع المحكمة وتجاهلت طلبها بمثول اليمني رمزي بن الشيبه، الذي كان على دراية بنشاط خلية محمد عطا في هامبورج وكان يعمل بدور الوسيط بين قيادة (القاعدة) وخلية هامبورج وتم اعتقاله لاحقا في كراتشي بعد ملاحقة مكثفة شاركت فيها أجهزة أمنية تابعة لأكثر من عشرين دولة. وكان بوسع بن الشيبه أن يطلع محكمة هامبورج على دور منير المتصدق في القضية وحسب تأكيد الدفاع فقد كان بوسعه تبرئة ساحة المتصدق. لكن حين بدأت محاكمة المسعودي حصلت مفاجأة غيرت مجرى المحاكمة. فقد حصلت مجلة (دير شبيغل) على محضر اعترافات قدمها بن الشيبه للمحققين الأميركيين الذين قدموا مقتطفات منها للألمان شرط عدم الكشف علنا عنها لكن العكس هو الذي حصل وأدى نشر هذه الاعترافات إلى تبرئة المسعودي من التخطيط للهجوم على رغم إصرار المدعي العام على أنه كان عضوا في خلية محمد عطا وهذا ما ينفيه المسعودي بقوة على رغم أنه كان يعرف أعضاء الخلية. وحصلت المحكمة على رسالة من مكتب الجنايات الفيدرالي جاء فيها أن المكتب (الشرطة الفدرالية) تستبعد أن يكون المسعودي بين الذين شاركوا في التخطيط لهجوم 11 سبتمبر. تم إخلاء سبيل المسعودي على ذمة التحقيق بانتظار أن تبت محكمة هامبورج نهائيا بالاتهامات التي يتمسك بها المدعي العام وهي مشاركة المسعودي في الشروع في القتل في أكثر من ثلاثة آلاف حالة والانتماء لتنظيم إرهابي أجنبي. في الغضون أصبح المسعودي يفكر في المستقبل فمن جهة يرغب في مواصلة دراسته في ألمانيا بعد أن صرف النظر عن تقديم طلب اللجوء السياسي لألمانيا بحجة أنه يخشى أن يزج به في السجن فور عودته إلى المغرب. لكن من المستبعد أن توافق السلطات المختصة في ألمانيا على منحه حق اللجوء. لكن في الغضون ينبغي على المسعودي تأجيل التخطيط للمستقبل بانتظار القرار النهائي بالقضية المرفوعة ضده أمام محكمة هامبورج.
يوم الخميس الماضي جلس المسعودي في قفص الاتهام مرة أخرى ، رأسه منكس في الأرض وكأنه يراود نفسه بأن القضية على وشك أن تفلت من أيدي الدفاع. سبب هذا الشعور الرهيب ظهور الشاهد المثير للجدل الذي حاول بيع قصته لوسائل الإعلام قبل عرضها على المدعي العام ويتمسك بالقول إن إيران مولت هجوم 11سبتمبر عام 2001 ولهذا السبب زار أيمن الظواهري نائب زعيم (القاعدة) أسامة بن لادن وسعد بن لادن ابن لأخير إيران عدة مرات قبل وقوع الهجوم على الولايات المتحدة. وهذه هي المرة الأولى التي يجري الزج باسم إيران التي وضعها الرئيس الأميركي بوش على قائمة دول محور الأشرار، في المناقشات بشأن هجوم 11سبتمبر ويعتقد المراقبون أن مجرد الزج باسم إيران في هذه القضية سيؤدي إلى وضع نهاية لمحاولات تحقيق انفراج على العلاقات بين واشنطن وطهران. في نفس الوقت فإن قبول محكمة هامبورج شهادة العميل الإيراني السابق سيحرج الولايات المتحدة التي حسب قوله لم تعر اهتماما لتحذيره المبكر بوقوع اعتداء كبير يوم 10 أو 11 سبتمبر. وفي هذه الحالة ستزيد مشكلات المسعودي فقد ذكر حميد رضا زكريا خلال التحقيق معه أن المسعودي كان ضالعا في التخطيط للهجوم وكان يقدم العون اللوجيستي لأعضاء خلية هامبورج كما كان بارعا في فك الرموز وإرسال الرسائل المشفرة. الشاهد المثير للجدل أكبر خطر على المسعودي وقدم العميل الإيراني السابق بفخر إلى المحققين الألمان رسالة بالبريد الإلكتروني من زميل له في الاستخبارات الإيرانية جاء في مضمونها أنه ينبغي القضاء على المسعودي لأنه يتعاون مع السلطات الألمانية لكن الرسالة لا تفصح عن الطرف الذي طلب التخلص من المسعودي ما إذا كانت جهة إيرانية أو منظمة(القاعدة).
هل ينبغي على محكمة هامبورج أن تصدق أقوال الشاهد المثير للجدل. الأميركيون وصفوا أقواله بأنها نفايات. حتى المحققون التابعون لمكتب الجنايات الفدرالي الذين استجوبوا حميد رضا زكريا يشكون بصحة أقواله. لكن يجري دراسة هذه الأقوال بحذر شديد. أحد المحققين قال إنه لا يستبعد أن تكون هذه الأقوال صادقة لكن كثيرين من زملائه لا يتفقون معه في الرأي. كذلك محكمة هامبورج التي لديها شعور أن حميد رضا زكريا يريد الحصول على المال من وراء تفجير نقاش جديد بشأن هجوم 11سبتمبر. لكن المدعي العام في برلين برونو يوست المختص بقضايا التجسس، التقى بالعميل الإيراني السابق لأول مرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وسأله إذا كان لديه معلومات عن عملية/ ميكونوس التي نفذها عملاء المخابرات الإيرانية في برلين الغربية عام 1992 إذ قاموا بتصفية أربعة من قادة الحزب الديمقراطي الكردي لدى مشاركتهم بمؤتمر الاشتراكية الدولية. ويحمل اسم القضية اسم المطعم اليوناني الذي تمت فيه عملية الاغتيال التي قام بها لبنانيون على رأسهم عميل إيراني يقضون جميعا عقوبة الحبس في ألمانيا. بينما بذل المدعي العام جهدا في إقناع المحكمة بأن المعلومات التي حصل عليها من العميل الإيراني الذي يحمل بطاقة (الوحدة الخاصة N-149-H) بشأن عملية ميكونوس مطابقة لأقوال أدلى بها عملاء إيرانيون سابقون، من الصعب أن يقنع محكمة هامبورج بصدقية حميد رضا زكريا لأن المدعي العام لم يفاتح أحدا من زملائه بوجود شاهد يملك معلومات هامة عن خلفية الهجوم على الولايات المتحدة. إضافة إلى أن زكريا معروف لدى الأوساط الأمنية الألمانية. حسب أقواله عمل خلال وجوده في إيران لحساب السي آي إيه ولحساب المخابرات الألمانية وللمخابرات الفرنسية. كما أجرت صحف إنجليزية وعربية تصدر بمدينة لندن مقابلات مع زكريا وفي حين أبلغ الصحف العربية عدم تورط إيران في هجوم11سبتمبر غير رأيه في صيف العام الماضي وأبلغ مجلة رسهلاف أنه اطلع شخصيا على خطة الهجوم على الولايات المتحدة. يريد القاضي كلاوس روهلي استجواب العميل الإيراني السابق يوم الخميس القادم وعلى ضوء التناقضات في أقوال وشخصية حميد رضا زكريا ليس من المنتظر حدوث تحول في مسار محاكمة المسعودي وكل شيء يوحي أن القاضي سيعلن إخلاء سبيله في القريب
العدد 509 - الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ