لا أحد يستطيع أن يتجاهل حجم الكارثة التي وقعت لصندوقي التقاعد والتأمينات، وإن تسهيل الأمر على طريقة «كل شيء صح» سيساعد على تكريس مثل هذه الأزمات بدلا من أن يحدّ منها.
إذن، بعد كل ما حدث لا يمكن أن يكون هناك دواء لمعالجة الجرح إلا بعودة الأموال وسحب الثقة من بعض الوزراء وخصوصا بعد معرفة كل الأخطاء التي اندلقت إلى الشارع البحريني فرآها الصغير والكبير. وهنا يجب على الحكومة أن تدفع باتجاه الاستجواب ومن ثم طرح الثقة لو لم يكن إلا للحفاظ على هيبة البرلمان وسمعة الحكومة وضمان عدم تكرار ما حدث. فالنواب أمام اختبار صعب سواء أمام جماهيرهم أو ضميرهم الوطني، فلا يمكن أن يتم تصور انتهاء السيناريو ببقاء بعض هؤلاء الوزراء، إذ إن ذلك سيكرس الصورة في وعي الجمهور بأن ما حدث كان مجرد شقشقة هدرت ثم قرت. صحيح أنها كشفت المستور وكرّست بعض اليقينيات الشعبية التي كانت تفتقد أرقاما، لكن كل ذلك لا يكفي.
بوصفي مراقبا، أعتقد أن النواب إذا لم يعمدوا إلى حقهم الدستوري في حجب الثقة واكتفوا بالتطمينات فإنهم سيفقدون جزءا من صدقيتهم ولن يلقوا ذلك التفاعل الذي لقوه من قبل.
أعتقد أنه يجب على الحكومة أن تأخذ بخاطر المتقاعدين والمؤمن عليهم وخصوصا المواطنين، وأن تعمل على تهدئة روعهم وحزنهم بإعطائهم مزيدا من الاستحقاقات وذلك بالدفع نحو تعديل البنى التحتية لقراهم ومدنهم، وتأهيلهم اقتصاديا وتوفير المسكن المناسب لهم والحد من تقديم العطايا للأجانب، لأن الناس محبطة مما جرى لأموالهم. ففي الوقت الذي تحملت فيه غبن الطفرات الاقتصادية التي مرّت بالبلاد وخصوصا فترة الثمانينات فلم تحظَ من الكعكة إلا لماما تفاجأت اليوم بأن ما قامت بدفعه من عرق السنين العجاف راح في «شربة ميّه!».
فالناس، وبعيدا عن المبالغات، تحوّلوا إلى طنجرة بخار تحتاج إلى من ينفّس بخارها ولا يكون التنفيس إلا بتقديم مزيد من الاستحقاقات. ومن حق الناس أن يحلموا بمسكن ملائم، وعمل مناسب. ونقول ذلك ليس حبا في النقد، فالناس أصبحوا يفهمون الواقع يقرأون تجارب الأمم.
ولنا مثال في سنغافورة وماليزيا، فهاتان البلدتان بدأتا مشروعيهما الاقتصادي في مطلع الثمانينات، فلو طرحنا السؤال بكل صدق: إلى أين وصل هؤلاء من تحديث وعمران وتنمية، وإلى أين وصلنا نحن؟ ولماذا سنغافورة وبجوارنا دبي التي بدأت بعدنا بسنين؟ ولكن إلى أين هي وصلت؟ ما الفارق بين دخل الفرد السنغافوري ودخل الفرد البحريني؟ هل توجد في سنغافورة قرى مازالت شوارعها مكسرة وبيوتها متصدعة؟ إذن، أين ذهبت سنين الطفرة النفطية؟ وأين وزارة النفط؟ فالبحريني لا تشم فيه رائحة النفط إلا إذا كان عاملا في محطة (بنزين)، بخلاف بقية إخواننا الخليجيين الذين صدم الكثير منهم عندما رأوا قرانا المهملة. فهل بعد كل ذلك وبعد كل هذا الصوم نفاجأ بضياع حتى البصلة كما ضاعت بصلة المتقاعدين وجزرة المؤمن عليهم؟
الحل - لكي نكسب رضا الجمهور - يكمن في تأهيل البحرينيين وإعطائهم ولو نصف الكعكة، فإن كنا نعاني من أزمة أراض فهناك جزر كبرى مازالت خالية، فلماذا لا تُبنى عليها وحدات سكنية للمواطنين؟ ونصف البحرين غير مسكون، فلماذا لا تُبنى عليه وحدات سكنية؟ بإمكان الحكومة أن توظف البحرينيين وخصوصا الوزارات مليئة بالأجانب وأحيانا في تخصصات هامشية، كما أن الحد من التجاوزات والفساد المالي سيوفر للناس والحكومة أموالا طائلة بالإمكان استثمارها لصالح الوطن.
الأراضي في غلاء بسبب فتح السوق للمستثمرين الأجانب، ومواد البناء أصبحت بسعر الذهب، والبحر أصبح يوزع بالكوتا كما هو في الدير وسماهيج والمحرق، واليوم من يقترب من شاطئ البديع يصاب بالذعر. ولو كانت هذه القضايا في سنغافورة لرأيت كيف تكون، الشاطئ يتحول إلى مكان سياحي يخدم أهل المنطقة والبلد، والمساحات الشاسعة تتحول إلى وحدات سكنية ودخل الفرد في ازدياد. الناس اليوم يتطلعون إلى مشروع جلالة الملك بتغيير كل هذه المنغصات ومازالوا متمسكين بالكلمة التاريخية لجلالته: «إن أفضل الأيام هو الذي لم نعشه بعد»، فهذا هو بصيص الأمل الذي مازال الجميع متمسكا به، وما نعيشه اليوم من حرية وأمن هو بداية الأمل
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 509 - الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ