طوال الاشهر السابقة ركزت القوات الاميركية جهودها على المقاومة التي واجهتها من فلول حزب البعث ونظام صدام حسين ، ولكنها لم تهمل فرضية وجود عناصر أجنبية تتولى عمليات التفجير المفخخة التي شهدتها بغداد ومدن أخرى.
وظل أعوان النظام المخلوع مصدر القلق للقوات الاميركية، غير انه بعد حملة الاعتقالات والمداهمات الواسعة التي شنتها واستطاعت عبرها إضعاف هذه المقاومة والحصول على كم كبير من المعلومات أوصلتها الى بعض العناصر القيادية الموجهة والممولة للهجمات ولا سيما بعد اعتقال صدام، فإن مصدر القلق الذي بات يواجه هذه القوات بدأ يتجه إلى العناصر الاجنبية. ويؤكد نائب قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال مارك تيفيتش ان «المقاومين من أنصار النظام السابق اصبحوا محاصرين وغير قادرين على شن الهجمات بيسر». وهو ما يشدد عليه قائد فرقة المشاة الرابعة الميجور جنرال ريموند اوديرنو، ويعبر عن ثقته بتحقيق النصر ضد عناصر النظام السابق، ويقول ان القوات الاميركية استطاعت «ان تركعها و تتحكم في مقدرتها على تجديد صفوفها».
لكن مساعد مدير العمليات الجنرال مارك كيميت يقول ان هذا لا يعني القضاء على مدبري الهجمات في العراق، ويوضح «هناك عدة مدارس فكرية عما إذا كان هناك تجديد للمقاتلين وما مصدر التجديد هذا؟». ويبدو ان فرضية تنوع مصادر التجديد للمقاتلين فرضت على القادة العسكريين إقامة عدة شبكات استخبارية أخرى لمراقبة ومطاردة المتطوعين الأجانب، وهم يركزون على جمع معلومات استخبارية تكتيكية من العراقيين، حتى يتمكنوا من تحديد الأهداف ومهاجمة أتباع صدام الذين يعيشون بينهم.
وبفضل المعلومات التي وفرتها شبكات الاستخبارات المعنية بمراقبة المتطوعين الاجانب تم القبض الاسبوع الماضي على الباكستاني حسن غول الذي تؤكد المعلومات انه عنصر رفيع ناشط في تنظيم القاعدة في العراق، ولا ينتمي إلى جماعة «أنصار الإسلام» بل إلى تنظيم القاعدة. وتؤكد معلومات أميركية خاصة ان غول تم القبض عليه بعد دخوله الاراضي العراقية بـ 48 ساعة، وتؤكد ان غول من «اللاعبين المهمين» الذي قام «منذ وقت طويل بتسهيل عمليات القاعدة في العراق»، وانه زار العراق ثلاث مرات على الاقل ما بين ابريل/ نيسان الماضي حتى قبض عليه .
وعلى رغم وجود تنسيق استخباري بين شبكات مطاردة المقاتلين الاجانب وتلك المعنية بتوفير المعلومات عن المقاتلين العراقيين، فانه على ما يبدو لم توجد ادلة قاطعة بوجود علاقة بين القوات المناهضة للتحالف في العراق، وتنظيم القاعدة. وسهّل الجهد الاستخباري المنسق على القوات الاميركية اعتقال حسام اليمني المرتبط بعلاقة وطيدة مع جماعة انصار الاسلام وابي مصعب الزرقاوي. وعملية الاعتقال هذه القت مزيدا من الشكوك عن نشاط متصاعد لهذه الجماعة وللقاعدة في مناطق غرب العراق وخصوصا في الفلوجة والرمادي والخالدية، ما يطرح هذا السؤال: هل وجدت الصلة بين نظام صدام والقاعدة؟
المعلوم ان اتهامات الادارة الاميركية واقطابها بوجود هذه الصلة تلاشت لعدم توافر أية أدلة عليها، وكل المزاعم والروايات المفبركة اثبتت الوقائع فيما بعد عدم صحتها. ولكن بعد سقوط صدام واحتلال العراق ونتيجة الاخطاء الاميركية واشتعال المقاومة في مواجهة القوات الاميركية اصبحت العراق ساحة معركة رئيسية سياسيا وعسكريا للقوى المناوئة للولايات المتحدة... وتتزايد المؤشرات على دخول عناصر من القاعدة وغيرها من المنظمات لتصفية الحسابات مع الاميركيين هنا. فهل سمحت هذه المواجهة بوجود صلات بين المقاومين من اتباع النظام السابق والقاعدة؟
القبض على اليمني وغول اعطى مثل هذه الانطباعات، وهو ما أكده قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال ريكاردو سانشيز عندما قال ان عناصر المقاومة تستخدم تكتيكا مشابها لتكتيك القاعدة في شن هجمات على القوات الاميركية، «إلا أن سلاحهم أصبح أقل تعقيدا في الأسابيع الأخيرة». ومضى يؤكد «ان مقاتلين اجانب يمولهم ويدربهم تنظيم القاعدة يستمرون في التسلل الى العراق عبر سورية ويشاركون في العمليات الدامية في البلاد». ولكنه شدد على ان اعداد المقاتلين تظل محدودة وقليلة.
الا ان ذلك لا يشكل دليلا على الصلة بين المقاومة المرتبطة بصدام والتنظيمات الاصولية مثل القاعدة والانصار. وخصوصا ان سانشيز نفسه رفض التعليق على مدى صحة المعلومات التي تزعم بوجود علاقة بينهما. لكن مصادر امنية عراقية تشارك في التحقيقات الخاصة بالعمليات الانتحارية التي نفذت في بغداد ومدن أخرى تقول: «ان هناك ما بين 200 و400 مقاتل اجنبي في العراق يمثلون النواة الاساسية لتمويل الهجمات الدموية والتخطيط لها وتوفير التنظيم اللوجستي، وهؤلاء أوجدوا صلات مع تنظيمات عراقية بعضها من فلول النظام السابق». ولكن هذه المصادر استدركت ، فأشارت الى انه ليس جميع المقاتلين الاجانب الذين جاءوا للعراق هم من القاعدة. وكشفت هذه المصادر ان المعلومات الاستخبارية الاميركية تشير الى وجود منظمة تسمى المنارة تقوم بعملية تجنيد اصوليين من بئر الاصولية الاسلامية المتطرفة الممتدة من شرق آسيا الى الوطن العربي. وكشفت هذه المصادر «ان الانتحاريين الذين يستوردون للعراق يأتون من السودان واليمن والاراضي الفلسطينية ودول الخليج وباكستان وحتى من الشيشان».
وأوضحت المصادر ان هناك شبكة من الموالين لصدام توفر المخابئ والمتفجرات والمال لهؤلاء الانتحاريين. وكان مستشار وزير الداخلية العراقي ابراهيم الجنابي قد قال ان رجال صدام يمولون القاعدة وباقي المجموعات الاجنبية القادرة على القيام بهجمات. وتتهم المصادر الأمنية العراقية المقاتلين الاجانب بتدبير الهجمات بالسيارات المفخخة التي تستهدف العراقيين.
ويعتبر وجود عناصر أجنبية ومشاركتها في الهجمات عاملا اضافيا يعقد الجهود الاميركية لفرض الاستقرار في البلاد، فمع وجود أجانب على درجة كبيرة من التنظيم يستهدفون المواطنين العراقيين، فان العراقيين لا يقتنعون بالقاء اللوم على هؤلاء الاجانب بقدر ما يلقون اللوم على الأميركيين في وجود مثل هؤلاء المقاتلين بين صفوفهم. ويعتقد كثير من العراقيين أن تمكينهم من إدارة بلادهم ونقل السلطة إليهم يمكن ان ينهي هذه المسألة
العدد 509 - الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ