اعتاد بائع السمك «علي» الجلوس على أحد الأرصفة في وسط قرية باربار، فهو يعشقها كعشقه للبحر تماما، ففيها يكسب قوته وقوت عياله من بيع السمك، ولهذا، لا يمكن أن تشعر بالعجب حين يدافع أهالي قرية باربار عن ساحلهم... وبحرهم الذي استطاعوا أن ينقذوا منه ما يمكن انقاذه، وهم ينتظرون أن يشهد هذا الساحل ما تم التخطيط له من مشاريع إسكانية وخدماتية، لكن «علي» يدرك جيدا أن أهالي قرية باربار ، كما هو حال كل قرى ومناطق البحرين، يتمتعون بطيبة وأخلاق وحب لبلادهم ولقريتهم.

بالفعل، حين تزور قرية باربار، بكل ما تضمه من عراقة تاريخية شاهدة على حضارة أرض من قديم الزمان، وبكل ما يميزها من عطاء فكري وديني وثقافي واجتماعي ورياضي، تكن لها ولأهلها كل الاحترام على إصرارهم على التميز الدائم.

وليس للأهالي مطالب خدماتية كثيرة، فالقرية تتمتع بطرقات جيدة وخدمات إنارة وشبكة مجار، لكن كغيرهم، يطمحون للمشاريع الإسكانية والمرافق الترفيهية كالأماكن المخصصة للعب الأطفال، وكذلك يتمنون أن يتم توظيف أبناء القرية من العاطلين عن العمل، وهذه القرية، كما يقول أحد سكانها وهو محمد عبدالله، تتميز بالتكاتف والتعاون بين أهلها في كل المجالات، لذلك يمكن القول إنها واحدة من القرى القليلة التي انطلقت فيها الحركة الثقافية والرياضية والاجتماعية منذ عقد الستينيات من القرن الماضي.

قرية «باربار» كانت سباقة إلى تنفيذ الأنشطة المتميزة، فعلاوة على تميزها على الصعيد الثقافي والفكري والرياضي، كان لها تجربة مميزة في حماية الشباب من ظاهرة المخدرات، إذ عمل الصندوق الخيري بالتعاون مع النادي وكل مؤسسات وأهالي القرية في العمل على نشر الوعي بمخاطر هذه الآفة وحماية الشباب والناشئة من خطر الإدمان، فأصبحت قرية باربار تعرف بأنها القرية صاحبة الفكرة الأكثر ريادة على مستوى البحرين في التصدي الأهلي لظاهرة المخدرات، بالإضافة الى توعية الشباب ورفع المستوى الثقافي والتعليمي.

تسمية القرية

ليس مستغربا أن تجد في موسوعة «ويكيبديا» معلومات وافرة عن هذه القرية العريقة، لكن، ما هو أصل تسمية القرية؟

وفقا لأكثر الروايات، فإن كلمة «باربار» لفظة فارسية الأصل ومعناها «حمل الحمل» أو بصيغة أخرى «تحميل الأحمال»، أي موضع الحمل، حيث تقع القرية بالقرب من الساحل و كانت فرضة للوارد والصادر والحمل والإنزال، وذلك مايعتقده عدد كبير من كبار السن في القرية، فموقعها الجغرافي جعلها ميناء للتجارة وقناة اتصال بالعالم، وفي رواية أخرى، تنتسب التسمية إلى بحر اسمه بار البحار، الذي كان يتبع القرية. أما في الرواية الثالثة، فإن أصل الإسم باللغة السومرية (بابار) بحذف الراء الأولى ويعني (إله الشمس). فالقرية كانت تقع على جبل باربار وبعد الاكتشاف الأثري تبين أن هذا الجبل هو معبد إله الشمس، ويرجع اكتشاف هذا المعبد الى خمسينيات القرن الماضي من قبل البعثة الدنماركية.

رصيد حضاري رائد

التجول في القرية والحديث مع أهلها، شبابا وشيبا، يضعك أمام رصيد حضاري رائد، واذا عدنا إلى ما ينقل عن القرية عبر شبكة الإنترنت، فلن نجد صعوبة في جمع المعلومات الكثيرة والغنية عنها، فبدءا بتاريخ القرية مرورا بالتعليم انتهاء عند العمل المؤسساتي المنظم، كانت القرية نشطة ومعطاءة، ومنذ القدم، عمل أهلها قديما في قطاعات الفلاحة وصيد الأسماك والغوص، ثم عمل عدد كبير من رجالاتها في شركة نفط البحرين والتي كانوا يطلقون عليها اسم الجبل نظرا لكونها بالقرب من جبل الدخان، ويعمل أهلها الآن في مختلف القطاعات التعليمية والتجارية والخدماتية بالإضافة إلى المهن التقليدية السابقة كالزراعة وصيد الأسماك، ولا شك في أن من بين أبنائها عدد من المثقفين المتميزين في شتى مجالات المعرفة.

أول مدرسة نظامية للبنين

في العام 1969 افتتحت أول مدرسة نظامية للبنين في القرية والتي هي الآن مدرسة باربار الابتدائية للبنات، وفي العام 1972 تم ابتعاث أول دفعة من جيل البنات للدراسة النظامية في مدرسة جدحفص الابتدائية للبنات، وبعضهن الآن مدرسات ولهن خدمات جليلة في العمل الاجتماعي والخيري، وفي العام 1973 افتتحت مدرسة باربار الابتدائية للبنات وكان التعليم في مدرسة الاولاد نفسها، وفي العام 1976 أصبحت مدرسة باربار الابتدائية مركزا تعليميا صباحا ومساء... أي أنها تحتضن الطالبات صباحا من السابعة حتى الثانية عشرة والنصف، وتحتضن البنين من الواحدة إلى الخامسة مساء وتحتضن محو الأمية للرجال من السابعة إلى التاسعة مساء، وفي العام 1979 افتتحت المدرسة الابتدائية للبنين، أما في العام 1983 فقد افتتحت مدرسة زينب عليها السلام الإعدادية، وفي العام 1984 تخرجت أول دفعة جامعية من بنات القرية.

نهضة علمية عبر المؤسسات

وتدعم هذه النهضة العلمية عدد من مؤسسات القرية، ومن هذه المؤسسات نادي باربار الثقافي والرياضي وصندوق باربار الخيري، أما نادي باربار الثقافي والرياضي فقد تأسس في العام 1964 وأخذ على عاتقه عدة مسئوليات وأهمها الاهتمام بشئون الشباب ثقافيا ورياضيا، وبصماته واضحة يشهد لها التاريخ الرياضي، بالإضافة إلى الأعمال الاجتماعية في القرية وله دور أساسي في دخول الفتاة حقل التعليم حيث كان يعتبر تمردا على الواقع آنذاك. وفي العام 1994 تم تأسيس جمعية باربار النسائية والتي بدا نشاطها واضحا من خلال البرامج التي تقدمها لخدمة نساء القرية من خلال لجانها (لجنة الاحتفالات، الصحية، الاجتماعية، الثقافية... الخ) وقد أشهرت في العام 2006 كجمعية رسمية مسجلة في وزارة التنمية الاجتماعية.

وفي العام 1996 تم افتتاح أول حوزة علمية للنساء تابعة لحوزة السيد جواد الوداعي وكان مقرها بني جمرة، وفي العام 2001 انتقلت إلى مقرها الحالي في باربار والتي تحمل اسم حوزة الإمام الباقر للعلوم و المعارف الإسلامية.

الموقع

تقع غرب جنوسان وشرق الدراز، على شارع البديع بالمحافظة الشمالية.

المجمعات

تتكون من المجمعات: 524، 522، 520، 518، 530، 526، 528.

المساحة

مساحتها: 4.5 كيلو مترات مربعة.

تعداد السكان

يصل عدد سكانها إلى 8 آلاف نسمة تقريبا.

مرافقها

في القرية 7 مساجد، 26 مأتما، مدارس: ابتدائية بنات، ابتدائية بنين، إعدادية بنات، ناد، صندوق خيري.

كذلك هناك يوجد مصنع منتجات غذائية، بالإضافة إلى 3 مزارع دواجن و 3 مشاتل زراعية.

مساجدها

مسجد الشيخ علي بن حماد، مسجد الخضر، مسجد العبد الصالح، مسجد الشيخ خلف العصفور.مآتمها

مأتم الشويخ، مأتم باربار الشمالي، مأتم الإمام الرضا، حسينية المحافظة، حسينية الحاج مكي، حسينية الوداعية، كما يوجد عدد كبير من المآتم نسائية مثل (الفواطم -ام البنين - السادة وغيرها).

معبد باربار

يعتبر معبد باربار أحد المعابد التي تعود إلى حضارة دلمون، وهو أحد ثلاثة معابد بنيت في الفترة 1800-2300 قبل الميلاد وهو مايسمى بالعصر البرونزي أو عصر المدينة الثانية الذهبية، واكتشفت المعبد الكبير البعثة الدنماركية برئاسة جيوفري بيبي في العام 1954، وتحت المعبد الكبير يوجد معبدان أقدم و أصغر، بنيت جميعها الواحد فوق الآخر على مر السنين.

أما المعبد الرئيسي فيضم ساحة وغرفا وبئرا مقدسا ومذبحا، وعثر فيه على رأس ثور من البرونز ومزهريات من الرخام وأدوات برونزية كالسكاكين والاختام، وترجع قدسية البئر عند أهل هذا المعبد لوجود الإله انكي إله المياه العذبة.

بني المعبد على كتل من الحجارة الضخمة التي قطعت وأعدت لبنائه وهي مجلوبة من جزيرة جدة، واتضح من خلال أعمال الحفر والتنقيب أنه يتكون من ثلاث طبقات بنائية كل طبقة تشكل فترة زمنية يختلف المعبد من ناحية التصميم بين مرحلة وأخرى، واتضح لدى المنقبين أن بقايا أبنية المعبد تعرضت خلال الفترات التاريخية إلى الهدم والتدمير الذي أدى إلى تشويه معالمه.

ومن دراسة تفاصيل المعبد الهندسية الخاصة في المرحلة الأولى والثانية، اتضح أنه يشابه نظيرا له اكتشف في بلاد الرافدين ( العراق) وخصوصا معبد تل العبيد السومري والمعبد البيضاوي في خفاجي.

ويتكون المعبد من ساحة رئيسية تتوسطها حجارة مصفوفة بشكل دائري هي عبارة عن مكان تقديم القرابين (المذبح)، ويوجد بالقرب منه حجارة وضعت على مسافات متقاربة استخدمت لربط الحيوانات المعّدة للذبح، وعلى الجانب الغربي من المذبح توجد غرفة الإله المعبود ويتصل بهذه الغرفة درج يؤدي إلى بئر يحتوي على ماء عذب، لعب دورا كبيرا في طقوس العبادة خلال مراحل المعبد الثلاثة، وهذا البئر يتصل بعبادة آلهة المياه العذبة والحكمة وهو الإله (أنكي) آلهة دلمون الرئيسي.

وهذا الإله من الآلهة المقدسة التي آمن بها السومريون في بلاد الرافدين والذين اعتقدوا أن موطن عبادته وسكنه في دلمون (البحرين) والآلهة (ننهر ساج) زوجته، وكانا يعبدان في هذا المعبد.

وفي الزاوية الجنوبية الشرقية من مصطبة المعبد يوجد ممر يؤدي إلى ساحة منخفضة بيضاوية الشكل مبنية بقطع صغيرة من الحجارة وأرضيتها مغطاء بطبقة سميكة من الرماد تحتوي على عظام محروقة للحيوانات المضحاة.

وفي الجانب الجنوبي يوجد جدار المعبد الثاني، وهو بيضاوي الشكل مبني بكتل من الحجارة المقطوعة والمصفوفة بشكل منتظم.

ومن أهم اللقى الأثرية التي اكتشفت في مراحل المعبد الثلاثة، رأس ثور مصنوع من البرونز يحتمل أن يكون قد استخدم لتزيين صندوق القيثارة الخشبية التي كانت تستخدم كآلة للعزف خلال الاحتفالات الدينية، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الأختام الدلمونية المصنوعة من الحجر الصابوني والتي تمثل نقوشها وضعيات تتصل بطقوس العبادة.