ذكر النائب السابق ورجل الدِّين السَّلفي علي مطر في حوار أجرته معه «الوسط» أنه لن يعاود الترشح مطلقا للمجلس النيابي، معبرا عن ذلك بقوله: «لن أعاود الترشح إلا إذا دخل الجمل في سم الخياط»، لافتا إلى أنه غير نادم على عدم ترشحه لانتخابات 2006.
واعتبر مطر أن البرلمان الحالي أسوأ من برلمان 2002، مشيرا إلى أن هناك نوابا وكتلا تدار بالريموت كنترول - على حد تعبيره -، كما أن النواب الحاليين انجرُّوا إلى استجوابات طائفية ما كان ينبغي أن تكون، مشيرا إلى أن دخول المعارضة في البرلمان لم يغير من أدائه ألبتة.
وقال مطر إنه ليس عضوا في جمعية الأصالة ولا أية جمعية أخرى لأنه ضد التحزب، مشيرا إلى أن دخول التيار السلفي البرلمان أضرَّ به سلبا، ذاكرا أن هناك من سلفيي البحرين من لايزال يرى حرمة الدخول فيه بشكل مطلق، نافيا أن يكون السلفيون دخلوا في تحالف مع أطراف حكومية لإقصاء الشيعة أو التضييق عليهم، مدللا على ذلك بعدم وجود أي وزير سلفي إلى الآن، بينما في المقابل هناك وزراء من الشيعة، بل حتى من المعارضين منهم. وأيضا من الجماعات الإسلامية الأخرى.
وأبدى مطر تأييده لتقنين أحكام الأسرة وفق ضوابط محددة، كما دعا إلى تجنيب الخطابة الأطروحات الطائفية، داعيا إلى محاسبة من يثبت خوضه فيها من الخطباء. وفيما يأتي الحوار الذي دار معه.
البرلمان
ألست نادما الآن على عدم ترشحك مجددا لبرلمان العام 2006؟
- لا، لست نادما أبدا، لأن القرار الذي اتخذته لم يكن ارتجاليّا ولاوليد حدث معين أو ظرف معين أو احتكاك معين، وإنما تكونت هذه القناعة من بداية المشوار، ربما لم يكن في السنة الأولى، لكن في السنة الثانية نعم، بل هممت بالاستقالة وكتبتها فعلا، لكن نزولا عند رغبة بعض الإخوة، بأن الوقت غير مناسب وأن التجربة حديثة بالنسبة إلينا وبالنسبة إلى الحكومة وإلى الوزراء، وحتى إلى الجمعيات عدلت عن ذلك، ولم يكن هناك شيء معروف حينها اسمه جمعيات سياسية.
التطورات في البلد شهدت تلاحقا سريعا، وهذا في حد ذاته مضر، ولم تكن هناك حملة إعلامية تثقيفية توعوية قوية مدروسة ومخطط لها في الصحف اليومية الرسمية وشبه الرسمية، وحتى في الإذاعة والتلفزيون، لم تحصل تهيئة سليمة لمن سيدخل البرلمان، ثانيا لم تكن هناك تهيئة سليمة لعموم الناس، الحكومة لم تكن متهيئة، وخاصة في بداية الأمر عندما كانت توجَّه بعض الأسئلة ويكون فيها النائب صاحب السؤال يناقش الوزير مناقشة جادة ليس فيها رسميات ولا مجاملات أحسسنا من بعض الوزراء أن هناك نوعاِ من التضايق ونوعا من التذمر، حتى أن بعض مرافقي الوزراء والمحيطين بهم يقولون للنواب «إنكم تجاوزتم الحدود». وما هكذا يناقش الوزير! أضف إلى ذلك دخول عدد من النواب للتفرج لا للعمل البرلماني الجاد.
هذه من الأسباب التي جعلت العمل البرلماني في بدايته شاقّا، والتجاوب مع الطرف الآخر كان محدودا، وفيما يتعلق بالرقابة لم تكن هناك أشياء قوية محسوسة تمسك بطرفها لكي تواصل، والحكومة ما كانت تعطينا معلومات صحيحة، أو دقيقة 100 في المئة وهذا أبصم عليه، كما حصل نوع من الهجوم الشرس، وقلت حينها إن الهجوم متعمد، من بعض الصحافيين وبعض الصحف وبعض الكتاب، وخاضوا في أمور كان ينبغي أن يكون فيها نوع من الحياء، كحياة النواب الخاصة، ماذا يركبون ماذا يشربون ماذا يأكلون أين يسافرون، كم يصرف لهم؟ كل هذه الأشياء التي ساهمت بها هذه الصحف وبعض الكتاب المأجورين وكنا على يقين بأنه يوعز لها من أطراف وجهات معينة، وقلت حينها إنه سرعان ما ستسقط الأقنعة ويظهر من وراء هذا الهجوم، الذي لم يكن نقدا موضوعيّا وحياديّا، حتى بعض القانونيين أو من يسمي نفسه كذلك كان يكتب كلاما سوقيا هابطا ولايزال البعض يكتب مثل هذه الكتابات.
وأيضا عندما تقدم مشاريع معينة تعرقل من بعض الزملاء معك، لأنك لم تقف معهم في مشروع سابق كأن الموضوع عناد، على رغم أن المشروع سينفع الناس.
إذا ملخص ما ذكرت هو أن الحكومة والصحافة وعدم استيعاب الناس للتجربة آنذاك كانت الأسباب الأبرز لعدم ترشحك في برلمان 2006...
- نعم الإنسان الكريم لا يرضى بأن يعرض نفسه للإساءة وأن يكون لعبة في يد فلان وعلان، وهناك أسباب أخرى يمنعني الحياء لا الخوف من ذكرها وهذه هي أبرز الأسباب التي جعلتني اعزم على الاستقالة من الدور الثاني من الفصل التشريعي الأول، ويؤسفني أن أقول إن في البحرين وحتى الدول العربية البرلمانات لديهم مزهرية، بمعنى أنها شيء تكميلي، وكأنها أحد أجهزة الدولة التي ينبغي استكمالها لا أكثر.
هل تعتقد أن البرلمان صوري بلا نفع؟
- لا شك أنه صوري بسبب أداء عدد من النواب الذين لا هدف ساميا لهم بالدخول وعطاؤهم الرقابي والتشريعي صفر من الحجم الكبير.
وأعتقد أن الصلاحيات كانت مقيدة، وبعض مواد اللائحة الداخلية كانت مشنقة للنواب، وكأن الأمر أن الحكومة تقول قولوا ما تشاؤون واقترحوا ما تريدون وسنفعل ما نشاء، حتى من باب إنجاح التجربة لم تبادر الحكومة في بداية الحياة النيابية بتمرير بعض المشاريع التي تمس الوضع المعيشي، كزيادة الرواتب وتقاعد المرأة المبكر، الذي بدووره كان سيحل جزءا من المشاكل الأسرية ومشاكل الشباب والعاطلين، لكن حالت دون ذلك تبريرات المسئولين بأن ذلك سيكلف صندوق التقاعد ثم جاءت خدعة الإفلاس الإكتواري، كل ذلك لتغطية فشلهم في الاستثمار الأمثل لمدخرات التقاعد والتأمينات.
دخلنا المجلس، وكان العمل السياسي بالنسبة إلينا حديثا، وكانت تجربتنا في بدايتها، وأنا أقول اننا عندما ننسحب لعله يأتي من هو خير منا.
ما رأيك في البرلمان الحالي؟
- أنا أرى أن الوضع ساء عن السابق، وقد نصحت بعض النواب من خلال نصائح عامة وأخرى خاصة، وقلنا لهم الآن أنتم في الفصل التشريعي الثاني، ولستم في مرحلة التأسيس فانتبهوا ولا تقعوا في الأخطاء نفسها التي وقعنا فيها، لكنهم وقعوا في الأخطاء ذاتها وأسوأ.
ما هي الأخطاء التي كرروا الوقوع فيها؟
- هي الأخطاء والأعراف البرلمانية الخاطئة التي تحصل في الجلسات وإدارتها. والسكوت عنها سكوت عن قضية مهمة جدّا عجزنا ونحن نطالب بها على مدى فصل تشريعي كامل ألا وهي عدم وجود عدد كاف من المستشارين القانونيين والاقتصاديين والماليين، وكأنه أمر متعمد.
دخلوا في استجوابات طائفية وكل فريق يحاول عرقلة الآخر، ووقعوا في أخطائنا ذاتها، في التركيز على الاقتراحات برغبة وبعضها اقتراحات تحصيل حاصل، وتركوا سن القوانين واقتراحها وتعديل قوانين سابقة التي بها شيء من الإلزام، وأما الجانب الرقابي فهو ضعيف جدا ويكاد يكون معدما ولايحظى بالتركيز الكافي، كما أن بعض الاقتراحات لاتزال مناطقية، على رغم أن الأصل في النائب أن يكون نائبا عن عموم الشعب.
صحيح أن هناك من الإخوة النواب من لديه حِرقَة على الوطن ويريد أن يقدم شيئا، ولكن بصفة عامة المجلس يفتقر إلى العمل البرلماني الدقيق القوي، وعلى رغم أن عددا كبيرا من أعضاء البرلمان السابق أعيد انتخابهم وينبغي أن تكون لديهم الخبرة الكافية، فإن ما نجده أكثره تصريحات ومشادات وردود وظهور إعلامي وفقاعات في الصحف لا تسمن ولا تغني من جوع فهذه الكتابات والتصريحات في متناول جميع الناس بل إن ما يكتبه وينشره عدد من كتاب الأعمدة وملاحظاتهم الهادفة في الشأن السياسي والمعيشي أنفع وأدق من تصريحات وفقاعات بعض النواب المتكررة.
ألا يعود ذلك لأنهم لا يملكون صلاحيات كافية؟
- ممكن، لأن القيود التي قيدت البرلمان السابق هي ذاتها التي قيدت هذا البرلمان، وأيضا دخلت بعض الوجوه وبعض الجمعيات وكنا نتوقع أن تقوم بعمل متميز مدروس، لكن لم نشاهد شيئا، وأنا أرى من خلال متابعتي بعض المشاريع التي طرحت أنها غير مبنية على دراسة، وكأن أي فكرة تأتي لأحد منهم يقدمها، والأصل أن هؤلاء ينتمون إلى كتل وجمعيات سياسية، وهذه الجمعيات السياسية ينفق عليها من المال العام، فينبغي أن تكون لديها خطة وإستراتيجية عمل، وما أراه أنهم يمشون بتخبط ومن دون خطة.
تتحدث عن كل الكتل؟
- نعم. بشكل عام، وأنا عاصرت بعض الكتل وكانوا يمشون خبط عشواء، وأحيانا حتى التنسيق بين أعضاء الكتلة يكون ضعيفا أو معدما وغير منسجم، هناك ازدواجية.
تتكلم عن الاصطفاف الطائفي في برلمان 2006. لكن ألم يكن الاصطفاف ذاته موجودا في برلمان 2002؟
- لا، لم يأخذ هذه الصورة، ربما حاول البعض أن يجر المجلس إلى ذلك، من خلال بعض الاقتراحات التي قدمت أو من خلال بعض المداخلات، لكن لم يكن هناك اصطفاف طائفي، بل احتكاك زملاء، وأراد البعض أن ينفخ فيه، لكن كل الكتل كانت متعاونة، حتى المستقلون تعاونوا ماعدا نواب الفرجة والتخبط.
هل تعتقد أن برلمان 2002 أفضل من برلمان 2006؟
- لا أستطيع أن أعطي رأيا في الأمر كوني كنت في برلمان 2002 وشهادتي مجروحة فيه.
ما يميز هذا البرلمان هو دخول المعارضة. ألا تعتقد أن لها بصمات واضحة في هذا البرلمان؟
- لم نرَ طرحا متميزا، وهناك أشخاص من المعارضة من كان يتحدث في ندوات ويقول إن لديه ملاحظات على الحكومة، تخيل أن منهم من انقضى دور الانعقاد الأول من هذا البرلمان ولم يقدم سؤالا واحدا، المسألة فيها غرابة بل كان بعضهم ممن عابوا البرلمان السابق وقالوا إن فيه ضعفا ومجاملات ونحن لا ننكر ذلك، لكن أنت ماذا فعلت؟ أين أسئلتك؟ أين مناقشاتك؟ أين رقابتك؟ أين القوانين التي تقدمت بها؟
أفهم من كلامك أنك لا ترغب مطلقا في الترشح مرة ثانية؟
- أبدا. وقد سألني بعض الإخوة عما إذا كان هناك أمل ولو بسيط في ترشحي مجددا، فقلت لهم نعم هناك أمل، وممكن إذا دخل الجمل في سم الخياط.
العلاقة مع الأصالة
ابتعدت عن البرلمان... وابتعدت عن السياسة... وابتعدت كذلك عن الأصالة. لماذا؟
- نعم. عن الأصالة أنا لم أكن عضوا في الجمعية، ولا حتى سجلت اسمي فيها، لكن كنت متعاونا مع الكتلة البرلمانية لوجود تقارب أخوي وفكري، ولاتزال العلاقة مع الإخوة في الأصالة جيدة، وأنا من الأشخاص الذين علاقتهم جيدة مع الكل من القديم إلى الآن، لكنني ضد التحزب، وهذه التنظيمات شكلت تحزبا وفرقت المجتمع، بالأمس كانت لدينا صناديق وجمعيات خيرية، واليوم هذه الجمعيات الخيرية انبثقت عنها جمعيات سياسية كأجنحة لها، وربما غدا ستتحول إلى أحزاب سياسية - وأتمنى ألا يحدث هذا - وبنظرتنا إلى جميع الأحزاب السياسية نجد أن بينها صراع، حتى التي تنتمي إلى طائفة واحدة، فما بالك بعدة طوائف من إسلاميين وعلمانيين وغير ذلك، وكل البلدان التي فيها أحزاب لا نرى فيها استقرارا على الغالب ويكثر فيها اللغو.
أفهم من كلامك أنك ابتعدت عن الأصالة لأنك لا تريد التحزب؟
- نعم. أنا حتى في العمل الخيري والإسلامي لا أنتمي إلى أية جمعية، نعم أتعاون مع الجمعيات، بل ساهمت في تأسيس بعض الجمعيات، لكن لست عضوا في أي منها، لأنني أعتقد أن الداعية وإمام وخطيب المسجد ينبغي أن يكونوا محايدين متعاونين مع الجميع بوضوح وبصدق، ولا يكفي مجرد ادعاء الحياد، وهناك من يردد ذلك لكنه في الواقع يميل إلى جماعته وحزبه، ويريد أن يستنصر لجماعته، لذلك أقول إن من أوجب الواجبات أن نبعد التحزبات والتكتلات عن أماكن العبادة، لأنها مكان الاستقرار والراحة النفسية ومكان الألفة والترابط وملجأ الناس عند الفرار من مشاكل ومصائب الدنيا ومكان للخلوة الروحية الإيمانية وهو المكان الآمن الذي يقصده المسلم، فإذا سيست المساجد، أو كان من على رأس المسجد يميل بالأهواء السياسية أو يمال به فسنرى التخبط عند بعض الخطباء من جميع الطوائف الذين ينتمون إلى توجهات سياسية معينة أو أولائك الذين يسيَّرون ويستغلون.
وأنا في كل لقاء مع طلبة العلم والمشايخ أركز على هذه النقطة، وأقول إنه بدخول البرلمان يصنف الإنسان وأنا لا أحب التصنيف، وأنا مع الناس منذ القدم ولا أمل منهم سواء يوم كنت في وزارة الصحة أوالتربية أوالبرلمان أو في العمل الدعوي والاجتماعي في المساجد وغيرها أيضا مع الناس، لم أهرب من الناس ولكنني غيرت قناة الاتصال معهم وعدت إلى سابق عهدي.
لكن... في العمل السياسي يصبح الحياد عملا غير منطقي في كثير من الأحيان؟
- فيما يخص الوطن أتفق معك أن لا حياد، لكن العمل الحزبي قد يبدأ كبداية لخدمة الوطن لكنه سرعان ما ينقلب إلى خدمة الحزب، ومن ينتمي إلى الحزب رضي أم أبى في النهاية سيقول طائفتي أولى .. حزبي أولى، وهذا ما يحدث في الترشيحات البلدية والنيابية والطلابية والنقابية وقد يحدث في تولي المناصب، ونحن على علم بأنه بدأت مجاملات لهذه الكتل، وتم تعيين أعضاء من هذه الكتل في إدارات الدولة، ووصل البعض إلى درجة وزير، على حساب من ستكون هذه التعيينات؟ وغدا الله يعين كل من لا ينتمي إلى حزب سياسي كبير سيكون مصيره الإهمال مهما يكن صاحب كفاءة وإخلاص للوطن فلا موقع له لأنه غير حزبي.
السلفية في البحرين
لنتحدث بشكل أعم من الأصالة... كيف تجد واقع التيار السلفي اليوم في البحرين؟
- التيار السلفي مر عليه حوالي 30 عاما من انتشاره في البحرين، على رغم أن أصوله موجودة منذ القدم في البحرين لدى عوام الناس فهم على الفطرة، علما بأن هناك الملتزم بالمنهج السلفي قولا وفعلا وسلوكا وعلما، ومنهم المتشبه بالسلفية شكلا ومظهرا من دون الجوهر ومنهم من يدعي السلفية وهو بعيد عن منهج السلف في العقيدة والدعوة والحكمة والأخلاق والتعايش السلمي مع الآخرين، فالسلفية ليست ادعاء. فيما يتعلق بالجانب السياسي فهناك تخبط غير أن ذلك يشمل كل الاتجاهات السياسية، هناك تخبط وارتجالية لدى التوجهات الإسلامية بشكل عام.
هل تجد أن دخول التيار السلفي في السياسة، وفي البرلمان، تحديدا أضر بهم؟
- مع دخول المعترك السياسي تأثرت الدعوة.
سلبا؟
- نعم سلبا، لكن لا أقول تراجعت بشكل كبير، لكن أقول تأثرت، وبصراحة أكثر، ما الذي جعل الناس في الدور الأول وحتى الثاني يرشحون فلانا وفلانا ممن ظاهرهم الالتزام؟ رشحوا فلانا ثقة به، لا أقول إنه حصل منهم تقصير متعمد، لكن حدثت أخطاء، قديما كان العمل يصب في العمل الخيري الإسلامي التوعوي، الآن المجموعة نفسها تحوَّلت إلى العمل السياسي، وهذا بلا شك أخذ جزءا من نشاط الإنسان، ونحن لا نستطيع أن نتفرج والكل يشارك، وهذا سيجعل الناس يعتقدون أننا ننظر إلى العامل السياسي على أنه رجس أو نجس وهذا غير مقبول، وسيبدو الأمر كأننا وافقنا على مقولة العلمانيين الذين يدعون إلى فصل الدين عن الدولة والسياسة، اليوم كل الإسلاميين يعانون من تخبط، وانجروا إلى أمور لا تصلح لأن تخرج حتى من عند غير الإسلاميين، وأنا تحدثت سابقا إلى سياسي بارز في إحدى التكتلات الإسلامية وقلت إن بعض أعمالكم غير صحيحة، فقال لي: «ألا تعرف أن السياسة وسخة؟ فقلت له إذا كانت السياسة وسخة وأنت إسلامي إن لم تنظفها فمن ينظفها؟ أنت اسلك الطريق الصحيح، ولا تخض في كل الأمور، لقد دخلت المجاملات والمداهنة والنفاق، وأصبح البرلماني يسيّر ويحرك من جهات وهذا لا نرضاه، لكنه حاصل للأسف.
أتقصد أنه حصل عند الأصالة؟
- حصل عند عدد كبير من دون تحديد في كل التوجهات، هناك من يسيّر النائب، وهناك من النواب من يحرك بـ «الريموت كنترول»، وهذه الكلمة ذكرتها سابقا وانتقدت عليها لكنني أصر عليها لأنني لا أجامل، قد أخفي ما في نفسي من أجل المصلحة العليا للوطن، لكن هناك أمورا لا يمكن أن تسكت عليها.
الفكر السلفي ليس على رأي واحد فيما يختص بالدخول إلى البرلمانات والمشاركة فيها بشكل عام. هل هناك من سلفيي البحرين من يرى حرمة العمل البرلماني؟
- نعم. هناك من السلفيين في البحرين من يرى عدم جواز دخول البرلمانات، لأنهم يظنون أن فيه تشريع على رغم أن التشريع أنواع فأنت لن تشرع لتخالف شريعة رب العالمين وإنما تشرع لتنظم حياة الناس.
السلفية بشكل عام اتجاهات كثيرة وكلهم يدعي وصلا بليلى، لكن هناك السلفية المعتدلة التي ترى وجوب التعايش مع الجميع وعدم نبذ الآخر، وتنبذ العنف بكل صوره وأشكاله ولا تؤيد الخروج في مسيرات ولا في اعتصامات نرى أنه من الممكن أن تستغل استغلالا غير طيب - وأنا من مؤيدي هذا الاتجاه- إذ نرى هذه المسيرات طريقة مستوردة.
لكن حتى الديمقراطية والبرلمان هي ظواهر مستوردة؟ لماذا ارتضيتم المشاركة فيها؟
- نعم. نحن نجد أن الأصل عندنا الشورى، لكننا شاركنا لأن الديمقراطية فرضت علينا، وأعتقد أن الديمقراطية فعلا مستوردة ولا تصلح لنا، وهنا أقول إنه في الترشح ليس كل إسلامي يصلح ولا كل غير إسلامي لا يصلح، حتى هذه التسميات عليها ملاحظات.
الآلية الصحيحة عند المسلمين هي الشورى، لأنه بهذه الآلية يدخل البرلمان أشخاص لا توجد لديهم كفاءة ولا خبرة ولا تخصص يخدم العملية التشريعية، لذلك ارتأت بعض الدول أن تجعل مع البرلمان المنتخب مجلسا آخر مطعما بالتخصصات ويطعم بضمانات ويكون للموازنة وإلى حد كبير لهم مبرر لذلك، وحتى في بعض الدول العريقة في الديمقراطية لايزال نظام الغرفتين معمولا به، والقضية ليست في نظام المجلسين لكن في الصلاحيات التي تعطى لمن يمثل الشعب فيما يتعلق بالتشريع والرقابة، لكن وجود مجلس الشورى أفضل من عدمه.
هل تعتقد أن عدم وجود البرلمان أفضل؟
- هذا ما طالبت به قديما، وهو مسجل، فهذا النظام الديمقراطي مستورد ويسبب تصادما بين الشعب والحكومة أو مع الحاكم وولي الأمر في أمور لا ينبغي أن يحصل فيها تصادم، ويتجرأ الناس بشكل غير طبيعي وهو حاصل الآن، والدليل على ذلك أنه يأتي أي إنسان كائنا من كان يتكلم فيما يريد سواء بحجة أو بغيرها، وأنا مازلت على موقفي السابق وهو أنه لو وجدت الدقة في اختيار الوزراء - ونحن نحسن الظن فيهم - لما احتجنا إلى برلمان ولا إلى الملايين التي تنفق عليه ولوجهناها إلى مشاريع أخرى واكتفينا بمجلس شورى يمثل الأطياف ويطعم بشخصيات قوية، وهذا في نظري أفضل من وجود البرلمان الذي يعتمد على ديمقراطية مستوردة قد تصلح في بلد من دون آخر، وخاصة أن التكتلات التي حدثت تضغط ليتم تعيين أعضاء منها في بعض المناصب العليا كالوزراء وهذا ما حدث فعلا، وهي سلسلة لن تنتهي، وهناك من يحاول أن يصور أن هناك تصادما بين الطوائف في البلاد.
ألا تعتقد أن هناك فعلا صداما طائفيّا في البحرين؟
- لا ليس هناك صدام طائفي بين عموم الناس والحمد لله، قد تكون هناك مناقشات واختلافات في اتجاهات عدة، لكن نحن نجلس مع بعض ونأكل مع بعض وأنا تربيت في فريق الفاضل وكان مختلطا بين الشيعة والسنة وتحيط بالفريج فرجان أخرى مثل رأس الرمان وكانوا مع الصفافير والمخارقة وغيرها ولم يحصل بينهم شيء طائفي يذكر، حتى عائلتي فيها أفراد من هذه الطائفة وآخرون من تلك الطائفة، وكنا نتبادل الزيارات مع بعضنا بعضا ومع جيراننا وكان من الجيران من لم يكن مسلما حتى، وكانت علاقتنا معهم طيبة.
البعض يقول إن الحكومة متحالفة مع التيار السلفي للتضييق على الطائفة الشيعية. كيف تنظر إلى هذا القول؟
- الحكومة تتعامل مع أكثر من تيار وتتعامل مع الكل، والدليل انظر إلى التعيينات لا يوجد لدينا ولا وزير سلفي، بينما المجموعات الإسلامية الأخرى منها وزراء ومسؤلون كبار، وحتى من المجموعات الشيعية هناك وزراء، وحتى من المعارضة الشيعية هناك وزراء، لذلك أرى هذا الكلام غير دقيق، أنا أرى أن الحكومة تتعاون مع الكل، وهنا أشير إلى أننا نتكلم عن حكومتنا (منا وفينا) وليس حكومة دخيلة، ونحن نحسن بها الظن.
قانون الأحكام الأسرية
أنت كرجل دين سلفي... كيف تنظر إلى تقنين الأحكام الأسرية؟
-القانون في حد ذاته ليس سيئا.
لكن السلفيين يعارضون مبدأ التقنين من الأساس!
- ليس هناك اتفاق على أن مبدأ التقنين غير صحيح، التقنين جائز، وأنا لست ضد القانون.
إذن أنت مع التقنين؟
- نعم لكن مع وجود الضمانات، لأن التقنين سيشتمل على أحكام الخطبة، وكذلك على النفقة والرضاعة وغيرها، وهذا لا خلاف عليه، لكن قد يكون الإشكال الوحيد هو فيما يتعلق بمشاكل الطلاق والخلع والتي هي مسائل خلافية.
كلامك يدلل على أن التقنين غير مجدٍ بشكل كامل...
- لا. أنا أقول كبداية لتقنن بعض الأمور المتفق عليها، لكن فيما يتعلق بمسائل الطلاق من الممكن أن تكون بعض المواد تعطي للقاضي الخيار والمجال الرحب للحكم، كما هو حادث في قانون العقوبات بحيث يعطي القانون خيارات للقاضي في قضية واحدة في بعض الأحيان، لأنه في حالات الطلاق لا يصح أن تكون الأمور «يا أبيض يا أسود» مراعاة لمصلحة الأسرة واستمرارية الحياة.
وأنا أقول في مسألة قانون الأحكام الأسرية إنه لا ينبغي أن يسيس الموضوع، وليس هناك داع لجعله وكأنه المسألة الكبرى في البلد، بل هو قانون من القوانين، ليناقش بهدوء بين العلماء والمتخصصين والقضاة الذين هم في الميدان ولا يشترط أن يقر بسرعة، ومن يعارض فليبين أسبابه لتتم مناقشتها بشكل علمي وموضوعي.
كيف تنظر إلى الدعوات التي تنادي بإصدار قانون سني فيما يتم إرجاء الشق الشيعي لوقت آخر؟
- لا يجوز ذلك، نحن نرى أن يصدر قانونا واحدا، بتفريعات للطائفتين، فإلى متى تظل الأمور مقسمة إلى محاكم سنية وأخرى جعفرية؟! وأوقاف هنا وأخرى هناك؟! ينبغي أن تكون تحت مظلة واحدة، كما هو مطبق في الكويت مثلا، لأن هذه الأمور ستقرب الجميع.
الخطاب الديني
باعتبارك خطيب جمعة... هل أنت مع وضع ضوابط للخطابة؟
- الضوابط موجودة لكن هناك معاناة، الجهات الرسمية فيها تقصير في التعيين والمتابعة، الضوابط موجودة من الأصل في الدستور، وما هو أعظم من الدستور «القرآن الكريم»، والضوابط التي نسمع بها هي تحصيل حاصل، والأصل أن كل من يرتقي المنبر يجب أن يراعي عددا من الضوابط، لكن إدارات الأوقاف لا تعمل به، كم من خطيب غير مؤهل، وكم من خطيب غير مجاز من المهندس صار خطيبا والمحاسب عين خطيبا بل والموظف العادي البسيط غير المؤهل صار خطيبا لا دراسة ولا دورات ولا تأهيل، وإن كان بعض الخطباء ممن ليست لديهم مؤهلات شرعية ولكنهم تعلموا وطلبوا العلم وعندهم حكمة وهم أقوياء في مجال الخطابة... هل تسمح وزارة الصحة لأحد بممارسة مهنة الطب ولا توجد لديه إجازة؟ وأعطت إدارة المرور أحدا رخصة القيادة من دون أن يجتاز الساعات المقررة للتدريب والامتحان؟ وهل... إلخ، كل الوظائف تشترط التخصص إلا الخطابة، التي يوجد فيها تخبط.
والحل؟
- الحل هو أن يجتاز الخطيب الامتحان، ويدخل في دورات ويؤهل ثم يختبر ثم يعين، هذا كله غير موجود بدقة، وأنا أتحدث وعندي تجربة ربع قرن في الخطابة، هناك خطب ليس مقامها منبر الجمعة، مكانها يصلح للصحف أو في الجمعيات السياسية، هناك بعض الخطباء كونه سياسيّا أونائبا يتعرض للنقد أو الهجوم، فيأتي إلى المنبر وينزل جام غضبه في الخطبة على أشخاص وجهات.
عودة للسؤال... هل تؤيد وضع ضوابط محددة للخطابة؟
- الأصل في الضوابط ألا تكون مقيدة وخانقة، لكن حتى عندما نضع ضوابط من الذي سيتابعها؟فعلى حسب علمي ليس هناك جهاز فعال للمتابعة لا في الأوقاف ولا الشئون الإسلامية وعلى افتراض أنه سيتم تعيين طاقم للمتابعة، من أية جهة سيكون هل من بين الجماعات الإسلامية والاختلافات الموجودة بينها، الحادث الآن هناك من يقول إن هناك جماعة مسيطرة على الأوقاف وأخرى على الشئون الإسلامية وهذا إن وجد فهو خطأ، نحن لا نريد أن نقصي أحدا، لكن لا نريد لهذه الوزارة أو تلك الإدارة أن تأخذ طابعا معينا بأنها تابعة إلى تيار معين أو حزب معين،عندها تنعدم الثقة، نحن مع وضع الضوابط بالإضافة إلى إيجاد هيئة قوية مخولة قانونا استدعاء الخطيب ومحاسبته. لماذا لا يستدعى الخطيب؟ من يكون؟ وكائنا من كان، نحن بشر نخطئ، أنا ربع قرن في الخطابة ومازلت اتعلم وأخطئ، وليس هناك معصوم إلا من عصمه الله تعالى، الخلفاء الراشدون اخطأوا، وعلماؤنا أخطأوا، لكن هناك خطأ متعمد وآخر غير متعمد.
البحرين صغيرة وهذا المسجد موجود في أي حي من الأحياء في البحرين، ومكبرات الصوت موجودة ومن هو حاضر معك أو غير حاضر يستمع إليك، ألا ينبغي أن يكون الكلام دقيقا وموجها بحكمة ويراد به الإصلاح وكثير من الخطب التي فيها هجوم وطعن وسب و... و...بعيد عن هدي الرسول (ص) وخطبه التي فيها تعظيم للرب ولحرماته وشعائره وفيها تبصير للناس بأمور دينهم ودنياهم من دون الدخول في السياسة وقضاياها المختلف فيها.
ما رأيك في الحديث عن الاختلافات بين المذاهب في خطب الجمعة أو التعرض لطائفة دينية فيها؟
- نقول إنه ليس موضعها المسجد، فالمسجد لجمع الناس لا لتفريقهم وللمِّ الشمل لا لتمزيقه،ومناقشة الخلافات لها قنوات خاصة وقديما كنا نجلس في نقاشات علمية مع بعضنا بعضا، هنا أشير إلى أن الاختلافات موجودة حتى في المذهب الواحد.
القضايا الحساسة لها أماكنها الخاصة، وخاصة ما يطرح تحت قبة البرلمان، ليس مقامه المسجد، نعم قد يكون مكانه المسجد في حالة واحدة وهي التهدئة فقط، أما الدخول في النيات واتهام طوائف وجماعات فذلك مرفوض جملة وتفصيلا، لأننا تعلمنا من الدين تقبل الآخر، ونجد أن كل مذهب له خصوصيته، وهناك كلام لا يقال إلا في المناقشات ومع أهل الاختصاص ولا يقال في خطب الجمعة ومواعظ المساجد ما يوغر الصدور ويغير القلوب ويشغل الناس عن المسئولية الكبرى في توفير الأمن واستقرار البلد والترابط والتعايش السلمي المبني على احترام الخصوصية في الفكر والمعتقد، لذلك نحن طالبنا بأن يمنع السياسي العابث المحرض المشكك الذي لا يحسن الكلام وليست لديه الحكمة ولا بعد النظر والذي يضر بكلامه أكثر من أن ينفع أن يمنع من الخطابة حماية له وحماية لعقول وأوقات الناس من الخطب الجوفاء.
وختاما أقول إن الوطن ينتظر منا الكثير فعلينا أن نتفرغ لذلك ونترك سفاسف الأمور، فالحكمة ضالة المؤمن والخير كل الخير في الاجتماع والشر كل الشر في الاختلاف.
العدد 2348 - الأحد 08 فبراير 2009م الموافق 12 صفر 1430هـ