العدد 508 - الإثنين 26 يناير 2004م الموافق 03 ذي الحجة 1424هـ

أسدٌ عليّ وفي الحروب...مقبل في مواجهة ياسر عرفات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل سمعتم باسم محمد علي مقبل من قبل؟ بالتأكيد سيجيب غالبيتكم بـ «لا»، فهو ليس من الشعراء ولا الأدباء ولا السياسيين البارزين، وانما هو ناشط فلسطيني عجوز يبلغ من العمر 57 عاما، تحتجزه السلطة الفلسطينية في رام الله منذ 17 يناير/ كانون الثاني العام الماضي، دون أن توجه إليه تهمة معينة، ولا أدري كم مرة اعتقله الاسرائيليون، والآن جاء دور السلطة لتنال مما تبقى من شحمه ولحمه وعظمه!

السلطة من جانبها تقول انها تعامله باحترام طبعا، فهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني، وعضو قيادة لجان الدفاع عن حق العودة. ما أبرز اسمه للتداول قبل يومين هو أن هناك وفدا من عدد من قيادات الفصائل الفلسطينية قابل ياسر عرفات للتوسط من أجل إطلاق سراحه، فلم تنجح هذه الجهود. وقال مقبل إن احتجازه جاء بقرار رسمي من عرفات نفسه، «وان رموز نهج جنيف التفريطي الذي لم أدع مناسبة إلا هاجمته، هؤلاء حرضوا عرفات ضدي».

ومن أقوال مقبل: «لا نسمح لأحد التفريط بحق شعبنا مهما كان هذا الأحد»، ودعا إلى التمسك بالثوابت المتعلقة بحق العودة والقدس.

هل ذلك يكفي لاعتقاله في مقر المباحث؟ هل فيما قال أية جنحة أو جريمة أو انحراف؟... ولكن هكذا تسير السياسة العربية، وهكذا يدفع المواطنون الشرفاء الثمن.


البندقية والتتويج!

وإذا فكرت في الأمر، «ريّسٌ صغير»، يعيش محاصرا مهانا منذ أكثر من عامين في مبنى مهدّم، توّج على قطعة أرض مبضعة بالمشرط الاسرائيلي، ليس له جيشٌ وإنما 33 جهازا أمنيا تم تشكيله من بقايا ميليشيات غير مغضوبٍ عليها. أصدقاؤه العرب الكبار قاطعوه خوفا ورَهَبا من أميركا الأستاذ الأكبر، آخر من تجرأ على محادثته قبل أشهر طويلة ربما هو الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، ربما يمنحه منصبه العذر في إجراء اتصالٍ عابر، فهو يتحدث باسم العرب، واتصاله بعرفات سيرفع عن البقية الحرج والشعور بالخجل الخفيف!

في موقفٍ سابق عندما طالب الأميركيون والاسرائيليون برأس زعيم الجبهة الشعبية قدّمه إليهم عرفات على طبقٍ من ذهب. أودع الرجل الأبيض الشعر السجن «الأممي»، ليحرسه البريطانيون والأميركيون، من أجل عيون البنت المدللة «إسرائيل»، فمن أجل عين واحدة تهون كل العيون!

وهكذا نعالج نحن العرب قضايانا، فمن يختلف معنا ملعونٌ ملعونٌ، نحن وحدنا الخائفون على الوطن وسوانا خائنٌ ومخرّبٌ ومحرّضٌ وخارجٌ على قانون الأرض ومتمردٌ على سلطان السماء! من هنا لم يتقدم أيّ بلد عربي على طريق الحضارة بينما نرى شعوب الشرق والغرب تحث الخطى وتعمر الأرض،وتتنافس على غزو المريخ وارتياد الفضاء. ألف سنة كاملة وهذه الجثة الهامدة المسماة بالوطن العربي تتنفس صناعيا، فاقدة الذاكرة، تعيش على اجترار ذكريات المجد الغابر كالجمل الذي أهلكه العطش.

شعوب الأرض تفتح الأبواب أمام كلِّ موهوبٍ ليبدع ويتفتح، ونحن العرب نتفاخر بتوفير البيئة المثالية الطاردة للكفاءات باتجاه المهاجر والمنافي البعيدة باسم حماية الوطن ومكتسباته. في بقاع الأرض المختلفة لا يؤمنون بأن السياسة موهبة تنتقل إلى الأولاد بالوراثة، من هنا يصل ابنُ حدادٍ أو بائعُ «ويسكي» أو صاحبُ مزرعةِ فستق إلى منصب الرئاسة في أقوى دولة في عالم اليوم، دون إراقة دماء ولا تهمة بالخيانة، ولا استنفار من الأقلام الراقصة على كل النغمات والألحان!

هم يؤمنون بأن الله عادلٌ، وزّع المواهب المختلفة كما يوزع المطر على القصور والاكواخ، من هنا لا يستهجنون أن يطمح ابنُ فقيرٍ إلى منصب أعطاه الله كل مؤهلاته، بينما لدينا إيمانٌ بأن الله متحيز، حصر المواهب في بطونٍ معينةٍ وأفخاذ، فكل من اشرأب بعنقه لابد له من قطع أو شنق، وفي أرحم الأحكام السجن أو النفي من الوطن. من هنا لا نستغرب ان توضع العراقيل أمام النشاطات الطبيعية السلمية التي تتفتح فيها المواهب لتأخذ مداها من النمو والامتداد، فتلاحق النصوص المسرحية والآثار الشعرية بالسوط والكرباج!

ألا تتساءلون معي: ما كان أحوج عرفات المحاصر في مبناه المهدّم إلى شدّ ظهره بمحمد علي مقبل، وبسعادات، وبمقاتلي حماس والجهاد... ولكن.

لو كان للريّس بوصلة سياسية يهتدي بها في بحر ظلمات السياسة لما ضاع في متاهات أوسلو ومدريد و«واي يفر»، ولكن... ألم يشخّص الشاعر المطارد المنفي ثلاثين عاما مظفر النواب سر بلائنا حين خاطب الإمام علي (ع) بقوله وصوته يتهدج بالبكاء:

«قتلتنا الردّة يا مولاي...

قتلتنا الردّة.

قتلتنا الردة ان الواحد منا يحمل في الداخل ضده»؟

ا

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 508 - الإثنين 26 يناير 2004م الموافق 03 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً