يدهشني هذا الإصرار من قبل مئات المحامين الأردنيين على تولي الدفاع عن «الأسير» صدام حسين على رغم ادراكهم أن قضيتهم خاسرة، فهل يقبل المحامي الفطن وكالة عن قضية خاسرة وخصوصا أن معظم المتطوعين هم من كبار المحامين المعروفين بالمهنية العالية، وبطبيعة الحال بالقومية المفرطة والتي دائما ما دفعتهم إلى قرارات غير مدروسة، وحملتهم مسئوليات والتزامات أكبر من طاقتهم بل وأكبر من امكاناتنا كدولة وكشعب عربي لا يملك أحيانا أكثر من مشاعر التضامن ليقدمها للأشقاء والأصدقاء عندما يتعرضون للظلم أو للعدوان!
صدام قضية خاسرة وقد كانت كذلك قبل الحرب الأولى ضد إيران وقبل الثانية عندما دخل الكويت وخرج منها بهزيمة ساحقة قضت على العراق، وقبل الثالثة حين رضي أن تسقط عاصمة حكمه وتماثيل مجده أمام عينيه ولم يخطر بباله قط أنه منتهٍ كزعيم وكإنسان تمسك بالحكم حتى عندما لم يعد هناك حكم، وبالحياة عندما لم يعد لها معنى...، أو ربما خطر بباله كل هذا، لكن مرض العظمة ظل يلاحقه في كل زمان ومكان وحتى عندما أجبر على فتح فمه لطبيب مجنّد.
وقضية صدام خاسرة بالنسبة إلى مئات المتطوعين من أجلها لأنها بكل بساطة قضية لا تخصهم وما يفعلونه الآن لا يعدو كونه تدخلا في شئون العراقيين الذين يتظاهرون مطالبين بإسقاط صفة الأسر عن صدام لأنها تعتبر ميزة مخففة من العقوبة ولا تعطيهم فرصة الانتقام من رجل واحد كان ولايزال مسئولا عن كل ما يحدث لهم اليوم، وسواء قبلنا برأي هؤلاء العراقيين أم لا فإن الحقيقة المدوية هي أننا نتفرج اليوم من خارج المضمار وطالما تفرجنا على الشعب العراقي وهو يساق إلى حروب صدام وبلغنا من السذاجة حد الهتاف لعذابات الآخرين العراقيين وغير العراقيين، واليوم أيضا وبعد أن استبدل كابوس صدام بكابوس الاحتلال نعود إلى المربع نفسه ونتمسك بالقضية الخاسرة ونجعل من اعتقال ومحاكمة صدام شغبا يغطي على حقيقة أن أرض العراق كلها مغتصبة وشعب العراق كله يرزح تحت وطأة احتلال كامل وأن مسرحية الاعتقال والمحاكمة ليست سوى ملهاة تجاوبنا معها سريعا ويبدو أننا نمضي إلى الظلام الدامس من دون أن ندري من نخدم بإعادة بناء تماثيل الدكتاتور.
صدام انتهى كنظام وكإنسان، وعلى فرض أننا تدافعنا بالملايين للدفاع عنه فما النتائج المتوقعة، ولتكن البراءة على سبيل التهكم فماذا نتوقع بعدئذ من رجل فقد كل شيء بما ذلك القدرة على الالتحاق بنياشينه وتماثيله وعظمته التي أصبحت تحت جنازير دبابات المحتل، فعجز عن ازهاق روحه حتى لا يهان جسده وحتى لا تصبح صورته وصوته وسيلة إهانة للأمة كلها.
ثم كيف لمئات المحامين الأردنيين والعرب أن يتطوعوا للدفاع عن شخص أمام محاكم احتلال يفترض أنها مرفوضة من حيث المبدأ ولا يجب أن نعترف بشرعيتها وبالتالي بنتائجها وأحكامها تماما مثلما نحن ندين وننكر محاكم الاحتلال الإسرائيلي بحق المجاهدين في فلسطين، ويبقى السؤال بل عشرات الأسئلة: ما الفرق بين المناضل مروان البرغوثي الذي يحاكم من قبل قوة احتلال على أرضه وأرض أجداده لأنه يرفض هذا الاحتلال وبين صدام حسين بكامل سيرته وتفاصيل حروبه وتحدياته المعروفة، ولماذا نتطوع بالمئات لندافع عن صدام حسين ولا نفعل شيئا لمروان البرغوثي الصامد في سجون الكيان الصهيوني وما الفرق بين صدام وعشرات المناضلين العرب والمسلمين القابعين في سجون ومعتقلات العالم من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه ومنهم مئات الأبرياء وقد سيقوا إلى المحاكم لأنهم أصحاب قضايا مقدسة أو معارضين لأنظمة الحكم المستبدة في بلادهم...!
الفروق كثيرة لكننا لا نريد أن نراها وكل ما نراه اليوم هو ما يعرضه علينا جنرالات الحرب النفسية المرابطين في بلادنا والقادرين على تحريكنا في الاتجاه الذي يخدم شرعية وجودهم واحتلالهم... ترى أوليس في تطوعنا للدفاع عن صدام اقرارا بشرعية محاكم الاحتلال في العراق؟!
كاتب أردني
العدد 508 - الإثنين 26 يناير 2004م الموافق 03 ذي الحجة 1424هـ