في بيت بسيط ومتواضع يقع في زقاق ضيق في مدينة النجف الأشرف يجلس الزعيم الإسلامي البالغ من العمر 73 عاما، بلحيته البيضاء، ومن هذا البيت ربما تحدد وجهات نظره نجاح أو فشل الخطط الأميركية في العراق.

الزعيم الأكثر تأثيرا لدى المسلمين في العراق، آية الله العظمى علي السيستاني طالب بإجراء انتخابات عاجلة يستطيع العراقيون من خلالها اختيار الجمعية الوطنية والحكومة المقبلة بصورة ديمقراطية، وهي التي ستسلم الولايات المتحدة السلطة السيادية إليها في الثلاثين من يونيو/ حزيران المقبل.

وزعمت الولايات المتحدة ومجلس الحكم العراقي الانتقالي الذي عينه الأميركيون أنه ليس هناك وقت لتنظيم انتخابات، إذ يريدان اختيار أعضاء الجمعية من خلال نظام معقد للمؤتمرات التحضيرية الإقليمية. ويقول المراقبون إن الولايات المتحدة وحلفاءها المحليين يرغبون ببساطة في السيطرة على تركيبة الحكومة العراقية الجديدة.

إن رفض السيستاني المتكرر لإعطاء مباركته للعملية السياسية التي ابتدعتها الولايات المتحدة أجبر الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر على العودة مسرعا إلى واشنطن لمناقشة اعتراضات الزعيم الشيعي مع الرئيس بوش في البيت الأبيض الأسبوع الماضي. وبعدها شارك بريمر ونائبه البريطاني في سلطة التحالف المؤقتة إلى وفد من مجلس الحكم العراقي الانتقالي في لقاء السكرتير العام للأمم المتحدة كوفي عنان في نيويورك يوم الاثنين. وضغط هؤلاء على الأمم المتحدة لكي تعيد موظفيها الدوليين إلى العراق - الذين سحبتهم بعد انفجار دمر مقرها في بغداد في أغسطس/ آب الماضي - وأن تلعب دورا في الإشراف على الانتخابات غير المباشرة.

وتخشى الأمم المتحدة أن يتم استغلال مشاركتها، إذ إنها منحت الشرعية الدولية للمؤتمرات التحضيرية المحلية المريبة.

إن حماس بريمر ومجلس الحكم لتلقي دعم الزعيم الإسلامي السيستاني والأمم المتحدة يظهر خوفهما من أن العراقيين سينظرون إلى الجمعية الوطنية الجديدة (البرلمان) غير المنتخبة والحكومة التي ستختارها بأنهما دميتان في أيدي سلطة الاحتلال. ورفض آية الله العظمى التزحزح عن موقفه على رغم التماس مجلس الحكم، وقال إنه «يجب أن يكون لكل عراقي الحق في التصويت». وأضاف أيضا «إن الحكومة العراقية الجديدة يجب أن تكون قادرة على الحكم ما إذا كانت القوات الأميركية وقوات التحالف يمكن أن تبقى أو لا تبقى في العراق».

ويبدو أن الولايات المتحدة تواجه معضلة حقيقية وخطيرة. ففي الشهور التي تلت سقوط بغداد لم يدعُ السيستاني إلى مقاومة الاحتلال. وكان حياده مهما في تأكيد أن حرب العصابات ضد الولايات المتحدة وحلفائها لم تنتشر إلى بقية الأقاليم التي غالبيتها من أنصاره في العراق. وكان يقول لمؤيديه بأن بإمكانهم أن يتعاونوا مع الولايات المتحدة، ولكن في نهاية كل نقاش مع مسئول أميركي يجب أن يطرحوا عليه السؤال التالي: «متى ستغادرون أنتم أيها الأميركان العراق؟».

وقد ظهرت قوة موقف السيستاني الأسبوع الماضي عندما سار ما بين 20 و30 ألف متظاهر في شوارع البصرة - التي تعتبر مدينة هادئة سياسيا - مطالبين بصوت واحد بإجراء انتخابات في مايو/ أيار المقبل. وهتف المتظاهرون «لا لأميركا! نحن معك يا سيستاني!»، «الاستعمار ليس حرية» و«نعم نعم للسيستاني! لا لا للتعيين بدلا من الانتخابات».

ليس هناك من شك في تأثير علي السيستاني، الذي ولد في مدينة مشهد الإيرانية المقدسة، وبدأ دراسة القرآن الكريم في الخامسة من عمره، ومن ثم انتقل إلى مدينة قم طلبا للعلم. وفي العام 1952 جاء إلى النجف ليدرس على يد رجل الدين الأبرز في ذلك الوقت، آية الله العظمى الإمام أبوالقاسم الخوئي. ومثل الخوئي - على خلاف آية الله الخميني في إيران بعد الثورة - يعتقد السيستاني بالمذهب الشيعي «الأهدأ» الذي لا يرغب رجال الدين بموجبه في السعي إلى السيطرة على الدولة.

وبعد وفاة الإمام الخوئي، أصبح السيستاني رئيس الحوزة في العام 1992 تحت الإقامة الجبرية آنذاك من جانب حكم صدام حسين. والحوزة عبارة عن شبكة المدارس الدينية في النجف التي جعلته فعليا أكثر الزعماء أهمية. وهو لم يعارض صدام بشكل نشط، وآثر الابتعاد عن الأنظار. أما الزعماء الدينيون الذين عارضوا النظام بشكل واضح قتلوا مثل آية الله محمد صادق الصدر في العام 1999، فيما تم اغتيال عبدالمجيد الخوئي ومحمد باقر الحكيم، الزعيمين المؤثرين الآخرين، العام الماضي.

من دون شك أن السيستاني يريد العراق دولة إسلامية، ومع ذلك ربما ليست ثيوقراطية كما هو الحال في إيران. وهو يخشى أن تسرق السلطة من أتباعه كما حدث أيام حكم العثمانيين والبريطانيين والحكم الملكي وحكم صدام البعثي. وأصدر السيستاني فتوى في يونيو/ حزيران الماضي، بأن من يضعون الدستور العراقي يجب أن يتم انتخابهم.

ربما يستغرق الأمر وقتا لكي يدرك بريمر وسلطة التحالف المؤقتة أن الرجل جادٌ، ومن دون موافقته ستمنى خططهم بالإخفاق.

الآن، ومرة أخرى، امتلك السيستاني اليد العليا. فلا الجمعية الوطنية الجديدة ولا الحكومة الجديدة ستكون لهما السلطة المطلقة إذا لم تسمح الولايات المتحدة بالانتخابات الحقيقية التي يدعمها هو